حصاد المقاومة.. كيف عانى الاحتلال في 2016

كتب: محاسن أُصرف

فى: مقالات مختارة

20:02 18 ديسمبر 2016

47 عملية طعن، و8 عمليات دهس، و28 عملية إطلاق نار، 38 صاروخًا من قطاع غزة باتجاه المستوطنات، 21 قذيفة صاروخية من شمال فلسطين المحتلة تجاه المستوطنات، 575 زجاجة حارقة، 1394 حالة إلقاء حجارة.

كانت هذه هي حصيلة فلسطينية" target="_blank">المقاومة الفلسطينية عام 2016، التي يمكن اعتبارها بحق الأقسى على الاحتلال، منذ ما يقارب العقد من الزمان، ليس لأنها أسفرت عن مقتل 18 إسرائيليًا فقط، ولكن لما أظهرته من تحول نوعي في طبيعة عمليات المقاومة، والتي مثّلت إنذارًا خطيرًا للمنظومة الأمنية لقوات الاحتلال.

العمليات المسلحة للمقاومة

من بين 28 عملية إطلاق نار، كان هناك 6 عمليات هي الأبرز في مسيرة المقاومة خلال عام 2016، وهي العمليات التي أسفرت في مجملها عن مقتل 10 مستوطنين إسرائيليين:

1. عملية ديزنغوف:

نفذها الفلسطيني نشأت ملحم مطلع يناير/كانون ثاني 2016، بعد موجة من عمليات الدهس والطعن التي التزمها الفلسطينيون الثائرون منذ بدء الانتفاضة في أكتوبر 2015. تمكن ملحم من الوصول إلى شارع ديزنغوف بتل أبيب، وهناك صوّب رصاصه باتجاه رواد أحد المقاهي فقتل اثنين وجرح سبعة آخرين.

النوعي في هذه العملية أنها شكلت نمطًا جديدًا من عمليات المقاومة في انتفاضة القدس، بعد أن اعتمدت على الطعن والدهس، وأكدت على فشل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية؛ ما أحدث بوادر أزمة داخل الاحتلال الإسرائيلي، سيما وأن مُنفذها استطاع أن يفلت سريعًا وبسلام من أعين المراقبة الإسرائيلية التي أحاطت المكان.

لمدة أسبوع استمر مسلسل الرعب لدى الإسرائيليين بإمكانية تنفيذ الشاب عملية أخرى في العمق الإسرائيلي، حتى تمكنت الوحدات الإسرائيلية الخاصة من تعقب هاتفه المحمول ومحاصرته في إحدى المساجد في أم الفحم بالمثلث، فسقط شهيدًا في الثامن من يناير/كانون الثاني بعد اشتباك مسلح مع جنود الاحتلال.

2. عملية الفدائيين الثلاثة:

خطط لها أحمد أبو الرب، ومحمد كميل، وأحمد زكارنة من بلدة قباطية في 3 فبراير/شباط 2016. حيث تمكن الشبان الثلاثة، والذين لم تتحاوز أعمارهم الـ 22 عامًا من الوصول إلى منطقة باب العامود بمدينة القدس، وهناك نفذوا عملية طعن وإطلاق نار من سلاح كارلو محلي الصنع، قضت باستشهادهم الثلاثة وقتل مُجندة إسرائيلية وجرح ثلاثة آخرين.

3. عملية باص 12:

يصل هذا الباص بين مدينتي القدس والخليل المحتلتين، وقام بتنفيذها الشهيد عبد الحميد أبو سرور من مخيم عايدية ببيت لحم في 18 إبريل/نيسان؛ لتُعيد إلى الأذهان تفجيرات الباصات التي برزت خلال الانتفاضتين الأولى 1987، والثانية 2000. وتم اعتبارها من أهم عمليات فلسطينية" target="_blank">المقاومة الفلسطينية التي أسفرت عن إصابة 21 إسرائيليًا بجروح وصف بعضها بالخطيرة.

4. عملية محمد وخالد مخامرة وسط تل أبيب (صلية الكارلو):

استطاع الشابان محمد وخالد مخامرة من بلدة يطا جنوب الخليل، التخطيط للعملية بصمت كبير فاجأ كل من عرف بها وبدد مجددًا الأسطورة الأمنية والعسكرية للاحتلال، فلم يعرف كيف ولا متى وصلوا إلى وسط تل أبيب لتنفيذ عمليتهما المزدوجة.

حيث قاما بإطلاق نار من سلاح كارلو محلي الصنع؛ مما أدى إلى مقتل أربعة إسرائيليين وإصابة ستة آخرين، وعدها مراقبون أهم وأخطر عملية خلال انتفاضة القدس من حيث التوقيت والمكان والتأثير.

5. عملية عتنائيل:

نفذها الشهيد محمد الفقيه منفردًا في الأول من يوليو/تموز، وقتل خلالها الحاخام مخائيل مارك -أحد أبرز الحاخامات اليهود- وجرح زوجته، أثناء عملية إطلاق النار التي نفذها بجرأة قرب مستوطنة مقامة على أراضي الخليل، وعلى مشارف طريق التفافي يستخدمه المستوطنون بحثًا عن الأمان.

العملية أرهبت الاحتلال لاسيما وأن منفذها الفقيه استطاع الهرب وأعجز المنظومة الإسرائيلية العسكرية عن الإمساك به إلا شهيدًا في السابع والعشرين من ذات الشهر بعد اشتباك مُسلح استمر لسبع ساعات داخل بيته في بلدة صوريف بالخليل.

6. عملية الذكرى الأولى لانتفاضة القدس:

نفذها المقدسي مصباح أبو صبيح في 9 أكتوبر/تشرين أول على بعد أمتار فقط من مقر القيادة القطرية للشرطة الإسرائيلية المعروفة بـ «تلة الذخيرة»، رغم التشديدات الأمنية المكثفة التي اتخذها الاحتلال بسبب الأعياد العبرية.

على إثر اشتباكه المُسلح مع عناصر الوحدات الخاصة الإسرائيلية المعروفة بـ «اليسام» في حي «الشيخ جرّاح» أسلم الروح لبارئه ومعه جندي ومستوطنة، وذلك بدلًا من أن يُسلم جسده للاحتلال ليقضي مدة أسر بسجن الرملة تُقدر بأربعة أشهر على إثر ضربه أحد الجنود الإسرائيليين عند باب حطة في المسجد الأقصى.

عمليات تسلل داخل المستوطنات

مع بداية عام 2016 نفذ فلسطينيون عمليات تسلل متلاحقة إلى المستوطنات الجاثمة على الأراضي الفلسطينية، لم يفصل بينها سوى أيام فقط لكنها كانت موجعة للاحتلال فأوقعت قتلى وجرحى.

ففي 17 يناير/كانون الثاني تسلل الفتى مراد ادعيس إلى مستوطنة عتنائيل الواقعة في بلدة السموع بالخليل، فقتل مستوطنة ثم انسحب وبعد يومين وقع في قبضة الاحتلال.

وفي اليوم التالي تسلل عثمان شعلان من قرية هندازة شرق بيت لحم إلى مستوطنة تفوع، أصاب خلالها مستوطنة بجروح متوسطة، وتم اعتقاله بعد إصابته أثناء محاولته الانسحاب.

وفي 25 يناير/كانون الثاني أقدم الشابان حسين أبو غوش (17 عامًا) وإبراهيم علان (23 عامًا) على تنفيذ عملية اقتحام لمستوطنة حورين غرب رام الله، وإصابة مستوطنتين، إحداهما لقيت مصرعها بعد ساعات والأخرى نجت، فيما استشهد الشابان بعد إطلاق أحد حراس المستوطنة النار باتجاههما.

ولم تمضِ ثلاثة أيام حتى نفذ عبادة أبو راس (18 عامًا) من قرية بير نبالا، عملية تسلل إلى مستوطنة جفعات زئيف بهدف قتل إسرائيليين، لكنه ما استطاع إلا طعن مستوطن واحد في عنقه بجروح وصفت بالخطيرة، وآخر في قدمه، وبينما كان يُحاول الانسحاب انهالت عليه قوات مدججة من الشرطة الإسرائيلية بالضرب وأصابته برضوض في رأسه ومن ثم اعتقلته.

كان تأثير عمليات التسلل التي أوقعت خلال شهر يناير/كانون الثاني 2016 قتيلين إسرائيليين، كبيرًا على الاحتلال الإسرائيلي، فعلى المستوى المالي صادق الكنيست على رفع التمويل المخصص لتأمين الحماية للمستوطنات إلى 83 مليون شيكل، وعلى المستوى السياسي اتهم مجلس المستوطنات الحكومة الإسرائيلية بالإهمال والتقصير في حماية المستوطنات.

عمليات طعن ودهس

منذ انطلاق شرارة الانتفاضة الثالثة مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2015 إلى وقتنا هذا، انتهج الفلسطينيون سياسة الطعن والدهس للقضاء على أهداف إسرائيلية؛ ردًا على عمليات القمع والقتل التي يُنفذها جنود الاحتلال في كل بقاع الأراضي الفلسطينية.

وقد بلغت عمليات الطعن على مدار عام 2016، حوالي 47 عملية طعن، كان لمدينة الخليل نصيب الأسد من تنفيذها بواقع 48% يليها القدس.

فيما بلغت عمليات الدهس 8 عمليات على مدار أشهر عام 2016، كانت الصدارة فيها للقدس والخليل أيضًا، وبلغت عمليات إطلاق النار حوالي 28 عملية إطلاق نار، وُصفت بعمليات مُسلحة كانت نتيجة 6 منها كما ذكرنا سابقًا 10 قتلى إسرائيليين.

وتم إطلاق 38 صاروخًا من قطاع غزة باتجاه المستوطنات المحيطة بغلاف القطاع من أصل 60 صاروخًا أُطلقت على مدار عام كامل من الانتفاضة، و21 قذيفة صاروخية من شمال فلسطين المحتلة من أصل 30 قذيفة أُطلقت على مدار عام.

ووصل عدد عمليات إلقاء الزجاجات الحارقة والعبوات الناسفة حوالي 575 عملية إلقاء، مقارنة بـ 848 تم تنفيذها خلال الأشهر الثلاثة الأولى للانتفاضة بمجموع 1423.

فيما بلغت حوادث إلقاء الحجارة حوالي 1394 حالة مقابل 2840 حالة في الأشهر الثلاثة الأولى للانتفاضة بإجمالي 4234 خلال الفترة منذ انطلاق جذوة الانتفاضة حتى الآن، وذلك وفقًا لمركز القدس لدراسات الشأن الفلسطيني والإسرائيلي، وذلك حتى أكتوبر/تشرين الأول 2016.

أسلحة بدائية تفتك بالاحتلال

المتتبع لأعمال فلسطينية" target="_blank">المقاومة الفلسطينية في الضفة والقدس المحتلتين منذ اندلاع الانتفاضة الثالثة، يجدها تعتمد على منظومة تسليح يدوية وبدائية الصُنع، لا ترتقي لحجم ولا قوة الترسانة العسكرية الإسرائيلية ورغم ذلك استطاعت أن تُثخن الاحتلال وتوقع بين صفوفه قتلى وجرحى.

كان السلاح الأبز في كافة العمليات المُسلحة التي نفذها المقاومون الفلسطينيون هو «الكارلو»، ذلك السلاح الذي اُستخدم في عمليات المقاومة خلال الانتفاضتين، لكنّه طُوِّر بشكل أحدث، ليتناسب بأي حال من الأحوال مع سلاح الاحتلال، وكان الاستخدام الأول له خلال انتفاضة القدس أثناء تنفيذ شُبان قباطية الثلاثة عمليتهم بالقرب من باب العمود في القدس في فبراير/شباط.

مراقبون رأوا أن حاجة الفلسطينيين للدفاع عن أنفسهم أمام بطش المستوطنين وجنود الاحتلال جعلتهم يُطورون السلاح حتى بات الأبرز في تنفيذ العمليات المسلحة، لاسيما وأنه منخفض التكلفة؛ نظرًا لإمكانية تصنيعه محليًا داخل ورش الحدادة، وبأدوات بسيطة كقطع السلاح القديمة أو الأنابيب الحديدية، ناهيك عن أن ذخيرته متاحة وسهل الاستخدام، ولا يحتاج إلى تدريب عالٍ أو مهارة فائقة، كما أن رصاصته والمُقدر عيارها بـ 9 ملم، تُصيب بدقة متناهية إذا ما أُحسن صُنع الكارلو.

إسرائيل وفي محاولة منها لمنع تصنيع السلاح وإتاحته بين أيادي الشعب الفلسطيني في الضفة والقدس المحتلتين عمدت في أغسطس/آب 2016 إلى مصادرة كافة معدات الحدادة الخاصة بعملية تصنيعه من المنطقة الصناعية في بيت جالا جنوب الضفة المحتلة، لكنها لم تستطع منع تصنيعه حتى الآن.

المقاومة تستمر في الإعداد

على الرغم من النجاح الذي حققته فلسطينية" target="_blank">المقاومة الفلسطينية في القدس والضفة المحتلتين على مدار عام كامل من الانتفاضة الثالثة، إلا أنها لم تتكاسل ولم يخبُ بريق عملياتها الاستثنائية، ويُشاركها الإعداد والتجهيز رفاق المقاومة في قطاع غزة الذين التزموا باطن الأرض يحفرون بأيديهم وبما أوتوا من وسائل بدائية أنفاقًا يخرجون منها على العدو الإسرائيلي فيُرهبونه، غير أن ذلك لم يُجنبهم حوادث انهيارات أرضية ألقت بهم شهداء في جوف الأرض.

ولعل آخر الإحصاءات الصادرة عن كتائب القسام تُشير إلى استشهاد 22 فردًا من جُندها المقاومين عبر أحداث عرضية وانهيارات أرضية في الأنفاق خلال عام 2016، ابتدأت في أواخر يناير/كانون ثاني مع إعلان الكتائب عن استشهاد سبعة من مُقاتليها أثناء قيامهم بمهمة ترميم نفق هجومي شرقي قطاع غزة.

ومن ثَمَّ توالت عمليات الاستشهاد بشكل كثيف خلال العام، حتى اُختتمت في 7 ديسمبر/كانون الأول باستشهاد الشابين إسماعيل شمالي ورامي العرعير من حي الشجاعية بعد انهيار أحد الأنفاق.

إن هذه الحالة النوعية من فلسطينية" target="_blank">المقاومة الفلسطينية في الضفة المحتلة وقطاع غزة أرهبت الاحتلال الإسرائيلي، وقلبت موازين القوى، ففي الضفة قُتل جنده ومستوطنوه، وفي القطاع وقع أربعة من جنوده أسرى بسبب الأنفاق، بحسب ما تحدث به الناطق الرسمي لكتائب عز الدين القسام «أبو عبيدة».

لقد أكدت الأحداث على الأرض أن المُقاومة الفلسطينية بشتى فصائلها لم تدفن مشروعها الثوري الهادف للنصر والتحرير في غياهب المفاوضات واتفاقيات السلام، بل ظلت راعية له ساعية دومًا للإعداد والتدريب والتطوير لقدراتها القتالية، لتُحدث نوعًا من التكافؤ في العد والعتاد، لكنها دفعت الضريبة غالية من دماء أبنائها، حيث اُستشهد 121 فلسطينيًا خلال عام 2016.

 

نقلا عن اضاءات

 

اعلان