«عصرنة» العربية وتحسين تعليمها ونشرها على الإنترنت
احتـل معرض «جماليات الخط العربي» الصالة الأولى مـــن مقـــر اليونسكو في باريـــس طــوال ثلاثـــة أيـام، وهي أيام الاحتــفال بـ «اليوم العالمي للغة العربية» الذي أحيتـــه المندوبـــيــة الدائمة للسعودية لدى اليونسكو، والذي يصادف الثامن عشر من الشهر الجاري كل عام. وبدت مهمة جداً فكرة إقامة هذا المعرض الجماعي لفنون الخط العربي، فاللوحات المعروضة التي تمثل مختارات من التجليات الجمالية كافة لهذا الخط كانت خير مدخل إلى متابعة الندوات التي دارت حول اللغة العربية واقعاً ومشكلات، وقد شارك فيها ثلاثون من باحثين ونقّاد ومستشرقين وإعلاميين، وتخللتها مداخلات مرتجلة لجمهور امتلأت به الصالة، وقد رافق المنتدين وناقشهم وساءلهم وأبدى آراءه في القضايا المطروحة. أما المعرض الجميل والشامل، فهــو يقــدم فنـــون الخط العربي ببعده المادي عبر لوحات تخطيطية جميلة ابتكرها خطاطـــون يتـوزعون علــى رقعة زمانية ومكانية واسعة، عربية وإسلامية. وجسد هؤلاء الخطاطون إبداعاتهم على الورق الخاص بهذا الفن، أو عبر أشكال معمارية، أو على أوان متعددة الأحجام والأشكال.
< في حفلة الافتتاح، تحدث المندوب الدائم للسعودية لدى اليونسكو، رئيس خطة «عربيا» الدكتور زياد الدريس، موضحاً أبعاد هذا «اليوم العالمي للغة العربية» الذي كان حلماً في العام ٢٠١٢، قائلاً:» الآن أستطيع أن أقول إنه لم يتحقق نصفه أو كله، بل تحقق ضِعف ما كنت أحلم به حينذاك. قد تحلم أحياناً بحلمٍ جميل، ثم تنتظر أن يتحقق الحلم، كلُّه أو نصفه أو جزءٌ منه. في أول يوم من الحلم أو بعد شهر أو بعد سنة منه». وسرد الدريس حكاية هذا اليوم في تفاصيلها، وهي الحكاية الرسمية والحقيقية، لكونه كان في صميمها، ففي العام ٢٠٠٦، زار الأمير سلطان بن عبدالعزيز مدينة باريس، فاقترح على المندوبية والدريس إنشاء برنامج لدعم اللغة العربية في اليونسكو، فهي كانت تعاني ضعفاً في وجودها حينذاك بين اللغات الدولية الأخرى. وبالفعل، تولى الدريس تأسيس البرنامج الذي موّله الأمير الراحل بثلاثة ملايين دولار، وانطلق يبني حضوراً مختلفاً للغة العربية يليق بمكانتها التاريخية والحضارية. لكن الطموح لم يتوقف عند مجرد تأسيس البرنامج الفريد من نوعه، بل بدأ الدريس التفكير في وضع ركيزة مؤسسية للغة .
وكان تأسيس احتفالية «اليوم العالمي للغة العربية» في تشرين الأول- أكتوبر ٢٠١٢، وقد حمل الدريس تلك المبادرة بصفته حينذاك نائب رئيس المجلس التنفيذي لليونسكو. ويقول الدريس: «والآن، بعد خمس سنوات فقط من بدء المبادرة، أصبحت اللغة العربية تتنافس في حضورها على المراكز الثلاثة الأولى من بين اللغات الدولية، بعد أن كانت تتنافس على المراكز الثلاثة الأخيرة. والآن أيضاً، وأنا أرى الاحتفالات بـ «اليوم العالمي للغة العربية» هذا العام في المدن العربية كافة، وفي إسلام آباد وجاكرتا وأستراليا وبريطانيا وكندا وتركيا وبولندا والمكسيك والكثير من دول العالم، فإني أوقن أهمية الإصرار على تحقيق الحلم مهما كان صغيراً، فقد يكبّره الآخرون».
الاستخدام لا المديح
ويرى الدريس أن المديح والإطراء الخطابي للغة العربية لا يجدي كثيراً، لا في اكتساب المزيد من الناطقين بغيرها ولا في استرجاع المارقين منها، وقد تكون آثاره عكسية، خصوصاًَ عندما يتم بناء زخارف المديح للعربية على ركام النَّيْل من اللغات الأخرى واستصغارها. المدخل الحقيقي والفعال لرفع مكانة اللغة العربية هو ليس في كثرة مديحها... بل في كثرة استخدامها.
ويضيف: «اللغة قد تموت عندما يصيبها الهزال والضعف، إما بسبب عدم تغذيتها أو بسبب تركها مقعدة وخاملة في مكان مغلق، لا تخرج إلى الهواء الطلق وتخالط الناس وتتفاعل مع جوانب الحياة، فتموت مهملة كما تموت العجائز في دور المسنين. إذا اتفقنا على هذا التصور بالكينونة الحيوية للغة، فيمكننا القول إن اللغات تنقرض أيضاً مثلما تنقرض الحيوانات. لماذا تنقرض الحيوانات؟ إما لعجز وضعف فيها عن مواصلة الحياة بكفاءة، أو لعكس ذلك تماماً، وهو تعاظم سيطرتها ونفوذها على الأرض بما يهدد استمرار أو نشوء كائنات أخرى أصغر وأضعف. هل تنقرض اللغات أيضاً للعلة ذاتها، أو بالأصح العلتين؟ العلة الأولى مؤكدة، فاللغة عندما تعجز أو تضعف، لعجز أهلها أو فنائهم، فإنها تفنى بالمثل. أما العلة الأخرى فهي مدار تأمل ونظر!
دعونا نتساءل: هل مازالت البشرية تلد لغات جديدة؟ وهل تمكن ولادة لغات جديدة من دون السماح بانقراض لغات قديمة؟ لو لم تنقرض اللغة اللاتينية التي كانت مهيمنة على كثير من أراضي أوروبا، هل كانت ستولد وتترعرع اللغات الفرنسية والإسبانية والإيطالية المتداولة الآن؟ هل تعاظمت وهيمنت اللاتينية مثلما هيمن الديناصور، ثم انقرضت مثلما انقرض الديناصور؟ هل تصبح اللغة الإنكليزية من خلال هيمنتها على العالم الآن هي الديناصور القادم... بتعاظمه ثم انقراضه؟ لكن اللغة العربية كانت قد «تدنصرت» في قرون مضت على رقعة واسعة وممتدة من العالم، حتى ما قبل سقوط الأندلس، فلماذا لم تنقرض العربية مثلما انقرضت اللاتينية والهيروغليفية والسومرية وغيرها؟ حسناً، لن تنقرض العربية لأن الله عز وجل قد ضمن حفظها بحفظ القرآن الكريم. لكن هذا الوعد الرباني لا يشمل ضمانة عدم تهميش اللغة العربية إذا أهملها أهلها العرب، من المسلمين وغير المسلمين. ينبغي أن نتجرد ونكون أكثر إنصافاً فنقول: مثلما أن الإسلام ليس للعرب فقط، فإن العربية ليست للمسلمين فقط. أقول هذا وفي ذهني قائمة من الأسماء الذين خدموا العربية من غير المسلمين، كاليازجي وحلاق والبستاني والكرملي، وهناك باحثون كثر أيضاً من غير العرب».
ثم أعاد الدريس طرح سؤاله : كيف نحفظ لغتنا العربية من التهميش؟ وأجاب: «بشيء واحد فقط، أكرره مرة أخرى، هو بكل بساطة: أن نتكلمها، ونتباهى بذلك، لا أن نتباهى بالحديث بغيرها».
مفاجأة الاحتفال مشاركة المديرة العامة إيرينا بوكوفا وإلقاؤها كلمة جميلة حول اللغة العربية التي هي برأيها «صلة وصل بين الثقافات، وأداة حقيقية لإثراء المعارف والأفكار والتصورات وتعزيز التفاهم من أجل السلام». ورأت أن اليوم العالمي للغة العربية مناسبة لتأكيد ضرورة تعزيز التنوع الثقافي واللغوي في أرجاء المعمورة باعتباره أحد العناصر الرئيسة للثروة الثقافية التي تملكها البشرية. وتناولت بوكوفا عالمية اللغة العربية التي تستخدمها شعوب في قارات العالم الخمس للتعبير عن هوياتها ومعتقداتها وتطلعاتها. وأوضحت أن الاحتفاء العالمي بالعربية في 18 ديسمبر/ كانون الأول من كل عام، يمثل إقراراً «بمساهماتها الجليلة والهائلة في إثراء العلوم والثقافة العالمية، ومنها الفلسفة والآداب والفنون». وأشارت إلى أن جائزة اليونسكو- الشارقة للثقافة العربية تتيح في كل عام الإشادة بالأعمال والإنجازات الفريدة التي تخدم الأدب والثقافة العربيين على نطاق واسع. وطالبت بالعمل لنشر اللغة العربية على شبكة الإنترنت في مختلف الميادين، لا سيما في مجالات التعليم العالي والبحث العلمي، مشددة على اهتمام اليونسكو بالتعددية اللغوية وإتقان اللغات في ظل العولمة المتزايدة. وطالبت بوكوفا ببذل مزيد من الجهود في المدارس والجامعات لنشر اللغة العربية وتعزيز تعلّمها من أجل النهوض بالبحث والابتكار العلمي والإبداع. وختمت: «إن نشر اللغة العربية في جميع أرجاء العالم وسيلة رائعة لتعزيز السلام، فلنسارع إلى توحيد قوانا من أجل الانتفاع بطاقاتها الكامنة ودررها المكنونة».
توزعت الندوات حول محاور عدة هي: المؤسسات الثقافية ودورها في تعزيز انتشار اللغة العربية (أيمن الصياد، جورج جبور، طلحة فدعق، محمد بن عيسى، مها عقيل)، تأثير استخدام اللغات الأجنبية والعاميات على العربية (علي بن تميم، أشجان هندي، رعد ماويد، عبده وازن، فواز اللعبون)، تجارب في تعليم العربية (أحمد صنوبر، بيير لويس رايموند، داركو تاناسكوفيتش، سارة ضاهر، علي الموسى)، تجارب ناجحة في خدمة العربية (جاكو همين، صالح المسند، عبدالرحمن الصغير، علي الخبتي، فيصل المشاري آل سعود، محمد آل الشيخ)، دور الإعلام في انتشار اللغة العربية أو انحسارها (أحمد عبد الملك، أسعد طه، سعد بن طفلة، سميرة رجب، نديم قطيش). ونظراً إلى كثافة المداخلات، لا بد من اختيار مختارات من بعض الأوراق التي قدمت. يتناول الدكتور علي بن تميم في ورقته قضية العربية بوصفها لغة تعبير أم تفكير؟ ومما يقول: «أعتقد أننا دأبنا منذ زمن بعيد على طرح الإشكاليات والهواجس في ما يتعلق بحال اللغة العربية، ومدى صحتها أو اعتلالها، نموها أو انحدارها أو ركودها، وهي الحالات الثلاث أو الحلقة التي تنقلت بين أقطابها اللغة العربية عبر العصور، فنحن نربط دوماً، وببداهة مستغربة، بين أطوار اللغة العربية وعناصر خارجية نحسم في أنها تضر اللغة العربية أو تفيدها، من قبيل اللغات الأخرى، وحقيقة الأمر أن وجود لغات أخرى ليس بالأمر الجديد أو الطارئ، بل أنه كان جزءاً لا يتجزأ من تطور اللغة العربية كما نعرفها اليوم، فالعرب كانوا منذ بداية نشوء الكيانات السياسية المختلفة التي نظمت حياة المجموعات العربية، على احتكاك دائم بشعوب وثقافات وحضارات ومشاريع سياسية أخرى،
روج اللهجات
وكان من البديهي لتعاملاتهم السياسية والثقافية والاقتصادية مع تلك المجموعات الناطقة بلغات أخرى، كالهندية والفارسية واللاتينية وغيرها، أن تترك أثراً متبادلاً على اللغة العربية، ولعل مثال «ألف ليلة وليلة» وهو الأثر الأدبي التراثي الأشهر، يدل بقوة على هذه المفارقة، حيث أننا أمام نص متعدد الهويات الثقافية، ومجهول المصادر النهائية له، لكنه استقر في النهاية على أن يكون باللغة العربية مع احتفاظه بروح اللهجات التي صدر عنها، وقدر له أن ينتشر إلى بقية العالم على هذا الأساس. وهو نص يطرح إشكالية الأصالة والتهجين، سواء بالمعنى الثقافي الشامل أو في التفاصيل الفرعية (كاللغة) بشكل نموذجي، ويجعلنا دوماً نتساءل ما الهجين في الأصيل أو الأصلي الذي نعرفه، وما مقدار الأصالة في ما نفترضه هجيناً. ولنا في نتاجات عربية كبرى في مختلف مجالات المعرفة وفروعها، مثل نتاجات الجاحظ والفارابي وابن سينا وابن المقفع وإخوان الصفا على سبيل المثال لا الحصر، ما يفيد في نقاش هذه الإشكالية، حيث شكلت هذه النصوص التأسيسية نقطة التقاء بين ما كان قبلها وما كان يعتمل في عصرها (أو بالأحرى عصورها) وما جاء بعدها، هذه النصوص المعرفية هي نتاج عربي أصيل بمقدار ما أنها نتاج هجين بامتياز».
أما بخصوص العاميات أو اللغات أو اللهجات العامية، فيرى بن تميم: «ربما كان حضورها، وبالتالي أثرها أو تأثيرها، أسبق على اللغات غير العربية. علينا ألا ننسى المراحل السحيقة لتشكل اللغة العربية، قبل الإسلام، حيث كانت المجموعات البشرية التي عاشت في شبه الجزيرة العربية، تتحدث بألسنة مختلفة، في كل منها ملمح من ملامح اللغة العربية مثلما تشكلت لاحقاً، سواء في شعر وخطب ونصوص قبل الإسلام، أو تلك المتعلقة بمرحلة ما بعد الإسلام، بداية من أعظم نص عربي على الإطلاق وهو القرآن الكريم، الذي منح اللغة العربية نوعاً من القدسية وساهم في تصفية هذه اللغة من شوائب سابقة، ومنحها بعداً تعبيرياً جديداً لم يكن مألوفاً. العاميات إذن كانت موجودة دوماً، وستظل موجودة، وهي في تقديري ليست محلاً للصراع الذي يندرج تحت الشعار المضلل «البقاء للأقوى»، بل هي جزء من نسيج اللغة العربية ذاتها، وعنصر من عناصر ثراء العربية وتنوعها، ولا يجب أن يجعلنا الفشل القاموسي في التعامل مع اللهجات العامية وإدخالها رسمياً في صلب اللغة العربية، نهمل حقيقة أن اللهجات المحلية ليست العدو للغة العربية ولا البديل منها، وإن كنا من حين لآخر نجد نزعات أيديولوجية تحاول تكريس مثل هذا الصراع، وكون العاميات أصلاً وهوية ثقافية يمكن أن ينوبا عن اللغة الفصحى، كما رأينا في تجارب بعض اللبنانيين أو المصريين، وهي تجارب لم يكتب لها النجاح، تحديداً لأنها هي الأخرى أخفقت في فهم العلاقة المتداخلة والعضوية بين اللغة العربية القياسية إن جاز القول وبين اللهجات المحكية العديدة».
وأضاف: «من هنا أقول إنه ليس من قبيل المصادفة في دولة الإمارات العربية المتحدة، أنه لم ينفصل التفكير في اللغة العربية ومواجهة تحدياتها، مثلما رأينا من بادرات كبرى أطلقت خلال العام الحالي وتشكلت معالم مشاريعها مستقبلاً، عن التفكير في التحديات الأخرى ومحاولة التصدي لها، فأنتجت دولة الإمارات بالتزامن، بادرة أخرى بالغة الأهمية هي التربية الأخلاقية التي أطلقها ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، بهدف تعزيز الهوية الوطنية وترسيخها، وليس بعيداً من ذلك كان إطلاق بادرات الابتكار بهدف الالتفات إلى العلم، وعملية بناء مناهج تعليمية جديدة وإنشاء وزارة للتسامح، مع ما يرافقها من منظومة قيمية آخذة في التشكل والتبلور. وهذا كله يعكس نمط التفكير الحالي الذي يمتلك نظرة استراتيجية شاملة لمشكلات العصر مثل التطرف والإرهاب وعلاقة ذلك بالثقافة واللغة والهوية الوطنية».
هل هي لغة العصر؟
أما الباحثة الأكاديمية مها مصطفى عقيل، فقدمت ورقة مهمة تتناول المشكلات الراهنة التي تعانيها العربية، ومما قالت: «قد يكون من الضروري الاعتراف بأن اللغة العربية ليست لغة العصر، فبالرغم من كونها أكثر اللغات تحدثاً ونطقاً ضمن مجموعة اللغات السامية، وإحدى أكثر اللغات انتشاراً في العالم، حيث تأتي في المركز الرابع بالنسبة لأكبر اللغات من حيث عدد المتكلمين بها، كـ «لغة أم» بعد اللغات الصينية والهندية والانجليزية، وفي المركز الثاني كلغة يتحدث بها أكبر عدد من الدول بعد اللغة الانجليزية التي تتحدث بها 101 دولة، بينما يجري الحديث باللغة العربية في 60 دولة، منها 22 دولة فقط عضو في جامعة الدول العربية، فيما تتوزع بقية الدول على قارتي آسيا وأفريقيا. ومع ذلك، فهي ليست لغة العصر، لأنها ليست لغة التكنولوجيا، ليست لغة الناشئة والشباب الذين يشكلون الشريحة الأكبر في الدول العربية.
ثم إن اللغة العربية ليست هي اللغة التي يستخدمها حتى المتحدثون بها، فالفئة العظمى من الناطقين باللغة العربية هم فئة الشباب والذين يستخدمون في الغالب لغة أخرى، وخصوصاً الإنكليزية أو الفرنسية في الحديث، إما بالكامل أو بجمل وعبارات وكلمات في أثناء حديثهم باللغة العربية. ولا أدري إن كان ذلك تباهياً بتعليمهم الأجنبي وثقافتهم الأجنبية أم مجرد استسهال واعتياد. وكثير منا يستخدم بعض الكلمات والجمل الإنكليزية في أثناء حديثنا باللغة العربية أحياناً من دون أن نشعر، وأحياناً إقحاماً، وأحياناً لعدم معرفة المرادف العربي أو الكلمة التي تعبر عما نريد قوله. وهكذا، رويداً رويداً نخسر لغتنا ونتساهل في الحفاظ عليها وتطويرها، بل يبدو وكأننا نساهم في اضمحلال شأنها وإذابتها في اللغات الأخرى وتمييعها، فهل هذا عدم ثقة في أنفسنا وبالتالي في لغتنا لتعبر عنا؟ هل هو خوف من النطق بها في الأماكن العامة، وبخاصة في الدول التي تتزايد فيها مظاهر العنصرية ضد العرب والمسلمين؟ إضافة إلى ذلك، أصبحت اللغة العربية غير نقية، فقد أُدخلت عليها كلمات أجنبية على أنها عربية أو ما أصبح يُعرَف بـ «العربيزي».
وأضافت: «كما أجبرتنا أدوات التواصل الحديثة على استخدام حروف وكلمات وعبارات في أثناء تبادلنا الرسائل ليست لها علاقة باللغة العربية. والسبب أن لغتنا لم تواكب العصر، ليس لأنها عاجزة عن أن تتطور وتتغير، وإنما الأمر بسببنا نحن. نريدها في قالب معين وفي إطار محدد وأسلوب ثابت، على الرغم من أن من أهم صفات اللغة الحية هو قدرتها على التطور والتوسع والانتشار. إن اللغة هي المعبر الحقيقي لوجود شعب وثقافته، وهي التي تستند إليها أي حضارة تريد لنفسها البقاء. ولذلك لا بد لنا أن نعمل على تطوير لغتنا العربية التي نزل بها وكرمها القرآن الكريم، والاستفادة منها في نقل العلوم والتكنولوجيا. وهنا يأتي دور المؤسسات الثقافية في تعزيز انتشار اللغة العربية، فاللغة العربية من أغنى اللغات وأغزرها من حيث المادة اللغوية، ومن أجملها كتابة».
أما جلسات النقاش والمداخلات التي قدمها الحاضرون، فهي تستحق بذاتها مراجعة، نظراً إلى أهميتها وشمولية الطروحات التي اقترحتها.
نقلا عن الحياة