العقيدة الروسية الدفاعية وحرب باردة جديدة
إثر عامين من التوتر المحتدم، المولود من رحم ضم القرم في آذار (مارس) 2014 في نزاع شرق أوكرانيا، والتدخل الروسي في سورية عام 2015، بدا أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يسعى إلى تعليق المواجهة مع الغرب، فهو قال: «على خلاف زملاء أجانب يرون أن روسيا خصم، لا أعداء لنا، ولا نسعى إلى عداوات... نحن نحتاج إلى الأصدقاء». ولكن في اليوم ذاته، نشر الكرملين مرسوماً رئاسياً يرسخ الحرب الباردة الجديدة. وفي هذه الوثيقة من 38 صفحة، ترد كلمة «أمن» 70 مرة، و «تهديد» 25 مرة، وأن الاتحاد الأوروبي متهم «بالتوسع الجيو- استراتيجي» وبالسعي مع الولايات المتحدة إلى «تقويض الاستقرار الإقليمي والدولي». ورمى الفرمان الرئاسي الروسي في 2013 إلى تعديل العقيدة السياسية الخارجية، والتقارب مع الاتحاد الأوروبي، فـ «روسيا جزء لا يتجزأ من الحضارة الأوروبية...». وتربعت محل التقارب هذا في العقيدة الروسية الجديدة «مشكلات منهجية توالت وتكاثرت على مدى ربع قرن».
وعلى رأس هذه المشكلات «رغبة الدول الغربية في الحفاظ على مكانتها، من طريق فرض وجهة نظرها في العمليات الدولية وانتهاجها سياسة احتواء مراكز القوة البديلة. والسياسة هذه تزرع الاضطراب في العلاقات الدولية...»، فبعد 3 سنوات على إعلان الرغبة في تعزيز العلاقات مع أميركا انطلاقاً من علاقات اقتصادية قوية، تغيرت نبرة موسكو، فهي تعلن اليوم أنها لن تقبل «الضغط العسكري والسياسي والاقتصادي» الأميركي، والخروج على «القانون الدولي». وتحتفظ روسيا بحق الرد على أعمال عدائية من طريق تعزيز قدراتها الدفاعية الوطنية ومن طريق اللجوء إلى إجراءات متكافئة وغير متكافئة، على حد سواء. والوثيقة تقول إن روسيا تعتبر نظام الدرع الصاروخية الأميركية [في أوروبا الشرقية] تهديداً لأمنها الوطني، وأنها «تحتفظ بحق الرد المناسب». وأسقطت الوثيقة السعي إلى تدويل (جعلها ملزمة دولياً) موجبات اتفاق القوى النووية المتوسطة المدى، المبرم بين ميخائيل غورباتشوف ورونالد ريغان في 1987. وغاب كذلك عن الوثيقة التزام عدم اللجوء إلى القوة في العلاقات الدولية و «ترسيخ الحقوق وحريات الإنسان»، ففي السياسة الخارجية الروسية في 2016 يبرز «تعاظم دور القوة في العلاقات الدولية».
ولكن نبرة الوثيقة مهادِنة، شأن نبرة بوتين، الذي أعرب عن رغبته في علاقات مع إدارة دونالد ترامب، فروسيا -على حد قوله- «عامل توازن في الشؤون الدولية وتطوير الحضارة العالمية، وتربطها علاقات حسن جوار بالدول المجاورة». وموسكو تسعى إلى «شراكة» مع أوكرانيا، وتدعم «وحدة أراضي الجمهورية العربية السورية واستقلالها دولةً ديموقراطية وعلمانية وتعددية تعيش فيها مجموعات دينية وإتنية في سلام وأمن». وقبل أيام، أصدر رئيس الكرملين قراراً جديداً يتناول عقيدة «الأمن المعلوماتي»، و «تطوير نظام وطني لضبط» الإنترنت الروسي. ونص القرار يسلط الضوء على «تنامي ميل وسائل الإعلام الأجنبية إلى نشر مقالات نبرتها سلبية حين تناول سياسة روسيا»، ويلتزم مكافحة محاولات «التأثير في الروس، وتحديداً الشباب منهم، من أجل تقويض القيم الروحية والأخلاقية التقليدية».
نقلا عن الحياة