ماذا يحدث للضحية في مجتمع «إيه اللي وداها هناك»؟
قبل وقت قريب، نشرت شابة مصرية اسمها «سارة عزام»، منشورًا -على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك- تروي فيه حادثة تحرش بأحد النوادي الليلية، تحكي فيه عن تعرض فتاة للتحرش على يد شخص دخل حمام السيدات، بينما كانت هي غائبة عن الوعي. وعند سؤالها عن علاقة المتحرش بها أكدت أنها ليست لها صلة به.
كان منشور سارة من أجل التحذير من المكان الذي وقعت فيه الحادثة، خاصة وأن الحرس المدني (البودي جارد) بالمكان لم يسعهم سوى طرد المتحرش، وما كان منه إلا أنه رجع إلى المحل ومعه أصدقاؤه، ليتعرضوا جميعهم للنساء الموجودات بالمكان.
أفعال الضحية قد لا تجعلها تستحق الأمان
كتبت سارة المنشور في محاولة للإبلاغ عن المكان الذي لا يحمي مرتاديه من التحرش، في بلد حديث عهد ببلاغات التحرش وقضاياه النافذة الأحكام.
ولكن لم تكن هذه نظرة الكثيرين ممن علّقوا على منشور سارة بإحدى المجموعات الشهيرة، فقد ترك جميع المعلقين كل ما قالته سارة -وهي بالأساس مجرد مُبلّغ عن الواقعة- وبادروا بالحكم على ملابسها وحسابها الشخصي ومنشوراتها، والتخرص بديانتها (أو إلحادها على وجه الدقة)، وتخمين حالتها الاجتماعية، والأخلاقية بالطبع.
وفي موقف لاحق، نشر مدير المجموعة أنه لم يكن يريد نشر هذه المنشورات (التي كانت قيد موافقة مدير المجموعة) ولكنه نشرها كي يختبر أخلاق المجتمع، مؤكدًا أنه اطمأن على أخلاق وثقافة المصريين بعد أن تم الهجوم على المنشور وصاحبته وسبها.
حين اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بمقاطع فيديو الاعتداء على لميس الحديدي، كانت هناك الكثير من التعليقات الساخرة والشامتة بخصوص العنف الموجه ضدها، بتبريرات أنها إعلامية تحرض على العنف وبالتالي فهي تستحق العنف الموجه ضدها. وقد كان مفاجأة، تبني بعض من الناشطين والناشطات ضد العنف الجنسي بمصر لهذه الآراء.
فإذا كان ناشطو العمل المجتمعي ضد التحرش والعنف الجنسي، أو نسبة لا يستهان بها من هؤلاء الناشطين، رأيهم أن لميس الحديدي تستحق الاعتداء الجماعي في موقف وسياق مختلف عن السياق الذي يختلف معها البعض فيه -هذا إلى جانب رأي الكثيرين وعدم تضامنهم مع ضحايا الملهى الليلي في تركيا لطبيعة المكان، واعتبار بائع الخمور المذبوح بيد مسلم مجرد صدفة أو فعل فردي لا يستحق التركيز- فنحن أمام مأزق حقيقي في المجتمع الحقوقي والعام، وبحاجة حقيقية وملحة لتعريف وتفنيد ممارسات لوم الضحية ونشر الوعي للحد منها بشكل علمي ومفصّل بشكل أكبر.
فما هي الأسباب التي تجعل الغالبية تميل إلى لوم الضحية بدلاً من الجاني؟
في البداية: ما هو العنف؟ ومن الضحية؟
العنف هو ممارسة بشكل جسدي، جنسي، نفسي، عاطفي أو لفظي موجهة من طرف إلى طرف آخر بقصد الإيذاء أو إحداث الضرر. لا يتطلب ذلك كون الشخص الواقع عليه العنف (الضحية) قادرًا على رد و/أو دفع الأذى.
ما هو التحرش الجنسي؟
التحرش الجنسي صورة من صور فرض القوة والسيطرة، باقتحام المساحة الشخصية للطرف المستهدف بطابع جنسي دون موافقته؛ سواء كان هذا الشخص يستطيع أو لا يستطيع رد الأذى عن نفسه، وسواء كان هذا الشخص واعيًا أو فاقدًا للوعي. فكونك نائمًا لا يجعلك ملامًا لأن بيتك سُرق!.
وفي المواقف السابقة جميعها، كانت الضحية تتعرض لنوع (أو أكثر) من أنواع العنف، سواء كان في حالة التحرش (عنف جنسي تجاه الضحية بطلة القصة، وعنف نفسي وإلكتروني تجاه السيدة صاحبة المنشور)، أو لميس الحديدي (عنف جسدي ونفسي) كمثال.
لماذا يلوم البعض الضحية بدلًا من التعاطف معها أو دعمها في الدفاع عن حقها؟
عادة ما نسمع في مصر على الأخص عن حوادث التحرش التي تحدث في وضح النهار، وتُسأل الضحية عن الملابس أو يتم اتهام أخلاقها، وكأن المتحرشين يد الله في الأرض تعاقب النساء على ملابسهن غير المرضية للمتحرشين!.
وبالرغم من ذلك، فالتحرش في مصر يطال النساء من جميع الأعمار والأشكال والطبقات الاجتماعية، محجبة أو غير محجبة، مسلمة أو غير مسلمة، ترتدي زيًا فضفاضًا أو زيًا قصيرًا؛ لأن العنف ليست له أجندة سوى إلحاق الضرر بالشخص الأضعف.
أسباب لوم الضحية
1. البحث عن الأمان: لوم الضحية أحيانًا يعتبر شكلًا من أشكال التكيف (coping technique) ليشعر اللائم أنه بأمان، وذلك لربط العنف أو الضرر بأفعال الضحية، بحثًا عن إحساس زائف بالأمان.
وكأن الشاهد على العنف يقول في نفسه: «إن قمت بالابتعاد عن الشوارع المظلمة لن تتم سرقتي، وإن قمت بارتداء الملابس الواسعة لن يتم التحرش بي، وأنا بالفعل أقوم بكل ذلك فلن يحدث لي مثل هذه الضحية».
2. التملص من المسؤولية: حين نلقي بمسؤولية العنف على الضحية، فنحن ليس علينا أي مسئولية فهي في ذهننا تستحق العنف الموجه تجاهها، وبالتالي فهي عدالة السماء أو «من أعمالكم» وبالتالي فلا دور لنا في الأمر.
3. الشعور بالفوقية: في مجتمع يقبل ثقافة العنف، فالشخص الذي يتعرض لعنف أقل من غيره، أو يمارس العنف هو ذاته، يشعر بالفوقية كونه مميزًا وبأمان من العنف الذي يشاهده، فكل ما يحدث بالعالم حوله بعيدًا عنه، فهو لا يتضامن مع الضحية ولا يضع نفسه مكانها، ولأنه يفعل كل شيء بشكل صحيح فهو بأمان من العنف والخطر!.
4. لأنه الأسهل: إن شعرت بضعف الشخصية، وعدم القدرة على الدفاع عن حقك عامة، فبالتالي من الأسهل أن تلوم نفسك حين يحدث لك أي ضرر حتى وإن كان مسؤولية شخص آخر، وهذا لا يظهر فقط في حديثك مع نفسك، وإنما أيضًا حين تكون شاهدًا على العنف الموجه لشخص أمامك.
وكرد فعل ومحاولة لتصريف الغضب تجاه العنف المماثل، من الأسهل توجيه العنف إلى الضحية لا الجاني.
*وقد ترى ذلك في مثال الفتاة التي يتم التحرش بها في وجود أبيها، فيقوم أبوها بتعنيفها ولومها؛ لأن تعرضها للعنف في وجوده يثير داخله الشعور بالضعف وعدم القدرة على الدفاع عن حقها (أو حقه في بعض الأحيان باعتبار الأبناء تبعية لآباءهم في مخيلة الكثير الآباء).
5. وهم الاتحاد مع الضحية بالدفاع عنها: في بعض الأحيان يكون الشخص الشاهد ليس بالنضج النفسي الكافي، فيظن أنه حين يدافع عن حق الضحية فهو بالطبع يدافع عن كل ما تفعله الضحية خارج سياق موقف أو حادثة العنف.
وكأنك إن دافعت عن قاتل في محاكمة عادلة فأنت قاتل مثله، وبالتالي لنفي الاتحاد مع الضحية التي نختلف معها يقوم البعض بنفي ذلك بشكل أعنف وأقوى يصل إلى لوم الضحية والهجوم عليها.
6. الخوف من عزل الجموع: حين يكون الاتجاه الأكبر حول الشاهد على العنف ضد الضحية قد يخاف أن يتم الهجوم عليه إن قام بالدفاع عنها، بالتالي خوفًا من العزل وأن ينبذه الجمع حوله (سواء من الشهود بمكان الحادث أو من أصدقائه على منصات التواصل الاجتماعي) فيقوم برد فعل سلبي كالصمت أو إيجابي كمهاجمة الضحية، حماية لاحتياجه للانتماء للمجموعة.
لماذا يظهر ذلك أكثر على الفضاء الإلكتروني؟
يظهر لوم الضحية بشكل أوسع على ساحة الفضاء الإلكتروني لأنه مساحة يمكن أن يسمعك الجميع فيها، يمكن أن تحكي عن أي أذى تتعرض له، ويمكن أيضًا لأي شخص من خلف الشاشة لا يعرفك إطلاقًا أن يبدي رأيه في حياتك وشخصك اللذيْن لا يعرف عنهما شيئًا وبمنتهى الجرأة.
فأسوأ ما يمكن أن يتعرض له «بلوك» في حين أنه يمكن له ببضع كلمات أن يؤذيك ويؤثر عليك؛ إن كان ذلك ليرضى عن نفسه وذاته المتدنية أو ليشعرك بالدونية ويشعر بالتحكم فيك حين يتحكم في مشاعرك.
لم يربينا هذا المجتمع على أن نفصل بين الشخص والفعل، وبالتالي فمن السهل أن نعتبر أي سوء يصيبنا غضبًا يعقب ذنوبنا، أو نعتبر أن العاصي (أو المختلف) لا يستحق الأمان أو الدفاع عنه أو دعمه!
قد يتغير ذلك حين نفهم أن المساحة الشخصية والجسد من المحرمات الإنسانية والمجتمعية والدينية، لا يبررها فعل ولا ديانة أو توجه. فكونك مخالفًا لرأيي لا يعطيني الحق لأصفعك حين تتم سرقتك.
النص الأصلي اضغط هنـــــــــــــــــــا