هكذا غير الربيع العربي شكل العالم بعد 6 سنوات

كتب: إضاءات

فى: مقالات مختارة

08:57 26 يناير 2017

السابع عشر من ديسمبر/ كانون الأول، أضرم الشاب التونسي محمد البوعزيزي النار في الوطن العربي، انتقلت جذوة النيران من تونس إلى مصر وليبيا وسوريا واليمن و العراق، تهاوت الحدود الجغرافية والطبيعية على حد سواء، ولم يفلح المحيطان الهادي والأطلسي في لجم توابع ذلك الربيع.

 

سقط الديمقراطيون في أمريكا وصعدت النازية في أوروبا ووصل قيصر روسيا الجديد إلى المياه الدافئة مرة أخرى، فمن هم أبرز الرابحين والخاسرين في السياسة الدولية إثر ربيعنا العربي.

 

صعود اليمين المتطرف في أوروبا

 

ونحن الآن في عام 2017، نشاهد صعودًا كبيرًا للتيارات المتطرفة في أوروبا من ألمانيا إلى فرنسا وإيطاليا وبريطانيا، ساهم الربيع العربي بشكل كبير في إشعال جذوة التطرف في أوروبا والتي ظلت كامنة لسنوات، إذ دفع الربيع العربي إلى تزايد موجات المهاجرين السوريين والعرب عمومًا إلى أوروبا عبر البحر المتوسط هربًا من الفوضى التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط.

 

صاحبت موجات الهجرة هذه عمليات إرهابية متعددة ونوعية، نشرت الذعر والخوف في أوروبا، وأصبح المهاجر موصومًا بالإرهاب أينما حلّ أو ارتحل إلى أن يثبت العكس، وفي نفس التوقيت مثّل اللاجئون عبئًا ماليًا علي الاتحاد الأوروبي، الذي يعاني أصلًا من أزمات مالية خانقة.

 

استغل اليمين المتطرف عجز إدارة بروكسل عن التعامل مع أزمة اللاجئين وأصبحت ورقة اللاجئين هي الحصان الرابح الذي امتطاه اليمين، كي يصل به إلى مقاعد الحكم في أوروبا. فخرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وكان من أسباب ذلك الفصل قضيةُ اللاجئين، ومن المتوقع أن نشهد في الأيام المقبلة مزيدًا من التفكك في الاتحاد الأوروبي على خلفية الأزمات التي صنعها الربيع العربي.

 

جاء الربيع العربي إذن مُظلمًا على أوروبا، فتركيا ساومتها بورقة اللاجئين وألقت علي شواطئها بآلاف القوارب المحملة باللاجئين، وفقد الاتحاد الأوروبي بريقه الوحدوي لصالح نزعات القومية والتفكك، وروسيا الآن ثبتت أقدامها على البحر الأبيض المتوسط واستغلت انشغال العالم بضم القرم، لتصبح قاب قوسين أو أدنى من شرق أوروبا.

 

من المحيط إلى الخليج

أثبت الملوك العرب نجاحًا كبيرًا في التعامل مع نيران الربيع العربي إذ وصلت إلى عتبات ديارهم، بعضهم أمسك العصا فقهر التظاهرات في البحرين بالغاز والرصاص، لينجح في قمع الانتفاضة قبل أن تصل إلى عرشه. وبعضهم نجح في وأدها في المهد فرفعت قطر والسعودية من رواتب المواطنين وبذلت الوعود بمزيد من التوجه نحو التشاركية الشعبية، فصنعت خليطًا من المغريات نجح في استمالة الشعب إلى صف الأسرة الحاكمة.

 

أدى الربيع العربي إلى صعود ثلاث قوى، هي الأبرز الآن في منطقتنا العربية «السعودية – تركيا – إيران»، وهي الدول التي نجحت في تخطي موجات الربيع بصورة أو أخرى، أما الشقيقة الكبرى مصر فسقطت في ثقبها الأسود الاقتصادي، لتصبح خارج معادلة القوة الجيو-استراتيجية في المنطقة.

 

انتهت الحدود الجغرافية تمامًا في الهلال الخصيب، سقطت حدود سوريا والعراق، ليصعد الحلم الكردي سريعًا في البلدين، أربيل الآن هي أكثر الحواضر استقرارًا في أرض الشام والفصائل الكردية باتت أكثر من أن تُعد. أصبح الأكراد الحصان الأسود لمن يريد الرهان، تحارب وحدات حماية الشعب الكردية على امتداد سوريا بما يزيد على 30 ألف جندي مُدرب ومسلح بعتاد أمريكي، ورغم الاتهامات التركية المتكررة لهذه الوحدات بضلوعها في عمليات إرهابية في قلب تركيا، إلا أن أمريكا، الحليف المفترض لتركيا لا تشاركها الرأي، إذ دعمت الولايات المتحدة الوحدات الكردية بـ50 ضابطًا أمريكيًا يعملون في مجالات التدريب والإمداد.

 

الأكراد إذن هم الفائز الأكبر في منطقة الهلال الخصيب، وبلاد الشام، وفتحت أربيل ودهوك ونينوى أبوابها للاجئين العرب حين أغلقت بغداد أبوابها في وجههم.

 

تراجع القرار الأمريكي

 

بعد ستة أعوام من اشتعال الربيع العربي وصل  ترامب إلى السلطة في أمريكا، جاء ترامب بسياسة انعزالية مختلفة عن سابقيه، وبشّر بسياسة خارجية مختلفة عن سابقيه، خاصةً فيما يخص التدخل العسكري الخارجي، فهل جاء وصول ترامب إلى السلطة كنتيجة من نتائج الربيع العربي؟

 

عام 2009 وصل باراك أوباما إلى السلطة بوعده الأشهر؛ (لا حروب مرة أخرى) (سنعيد جنودنا إلى وطنهم) كان الوعي الأمريكي إذن متجهًا صوب تحجيم السياسة الخارجية الأمريكية والتوقف عن لعب دور شرطي العالم، وبُنيت سياسة أوباما كُلها حول هذا المحور (القيادة من الخلف)، وألا تخوض أمريكا حروب الآخرين.


لعب اكتشاف البترول الصخري أيضًا دورًا هامًا في تشجيع قطاعها (الصناعي-العسكري) على التخلي عن منطقة الشرق الأوسط، وعندما غابت أهمية البترول الماسة لأمريكا ارتأت أن تخفف من دورها في المنطقة لصالح مزيد من الوجود في شرق آسيا والمحيط الهادئ.

 

"لم يصنع الربيع العربي هذه النسخة المرتعشة من أمريكا إذن بل صنعتها أفغانستان والعراق، لا يمكننا القطع بأن دولة كأمريكا لم تتوقع الربيع العربي، لكن يمكننا الجزم بأنها لم تتمكن من تقدير حجمه وتبعاته وخاصة في ليبيا وسوريا"

 

فضلت أمريكا أن تتعامل مع الوضع القائم بدلًا من أن تتقبل تحريك المياه الراكدة، واتسمت تدخلاتها دائمًا بالحذر الشديد والبطئ في اتخاذ القرار وخاصة بعد  التدخل في ليبيا، حيث لم تظهر الدول الأوروبية حماسًا تجاه التدخل العسكري في سوريا، مما أثار مخاوف أمريكا في أن تتصدى بمفردها للدعوة لهذا التدخل فتتحمل تكاليفه بمفردها، وهو الأمر الذي لن يقبل به الأمريكيون خاصة مع اقتراب الانتخابات.

 

إذن، كان تراجع الدور الأمريكي رد فعل طبيعي على الفشل في أفغانستان والعراق وضاعف الربيع العربي بالطبع من تكلفة التدخل في المنطقة مرة أخرى، فاختارت أمريكا التحالفات الإقليمية ونظرية القيادة من الخلف، الأمر الذي لم يثبت نجاعة كبيرة في الوصول إلى الأهداف الأمريكية. 

 

خلق غياب العم سام فراغًا كبيرًا وجب ملؤه، لم يفلح ثلاثي القوة الإقليمي (إيران – تركيا – السعودية) في ملأ الفراغ كذلك، الأمر الذي جعل تدخل روسيا أمرًا حتميًا.

 

اختارت إدارة أوباما عن وعي منها خلق فراغ سياسي في منطقة الشرق الأوسط مُفسحة المجال لروسيا، كي تتسلم زمام الأمور في المنطقة، فهل يصبح الشرق الأوسط فخ بوتين أم جائزته؟

 

روسيا: القياصرة الجدد

 

"لم تترك روسيا إلى الآن ثمرة من ثمار الربيع العربي إلا وقطفتها"

 

أولًا؛ انسحبت أمريكا من المنطقة فتدخلت روسيا في سوريا لتضمن بقاء حليفها وتضمن لنفسها موطئ قدم في البحر الأبيض المتوسط، حافظت علي بقاء النظام السوري وزادت من مساحة الأرض المنضوية تحت سيطرتها، وفرضت شروطها على الأرض، وتقود الآن خريطة الحل التفاوضي بين النظام والمعارضة.

 

ثانيًا؛ مثّل انخفاض أسعار النفط ضربة موجعة للاقتصاد الروسي، فقادت مفاوضات مع السعودية وإيران، والتي بموجبها خفضت السعودية من إنتاج النفط، الأمر الذي أدى لزيادة سعره ليصل إلى 52 $، ليصب في صالح روسيا بصورة مباشرة، حيث يعتمد 70% من اقتصادها علي تجارة النفط والغاز.

 

ثالثًا؛ تقدمت روسيا كشريك عاقل وقوي للأنظمة في المنطقة بدلًا من أمريكا، وتعمق يوميًا علاقاتها مع مصر وتركيا متجاوزةً كل العقبات التي وضعت في طريقها، وأبرزها حادث إسقاط الطائرة الروسية، وتقدم نفسها لمصر كشريك لا يتخلى عن حلفائه بسهولة.

 

رابعًا؛ من الملاحظ كم الروابط المشتركة والدفء الواضح بين اليمين الأوروبي والأمريكي والرئيس فلاديمير بوتين، وأبدى كل من ماري لوبان وترامب وغيرهما إعجابهم بسياساته، وهو ما أعاد بوتين روسيا مرة أخرى إلى قطار السياسة العالمية كقطب مشارك في صناعة القرار وربما احتكر بعضه أيضًا.

 

الخلاصةُ إذن، أن القياصرة اقتربوا بشدة من الوصول إلى حلمهم القديم في أن تصبح أوراسيا تحت سيطرة موسكو وأن تصل موسكو إلى المياة الدافئة، واقترب الأكراد من حلم دولتهم القديم، أما أوروبا العجوز فتتفكك أوصالها يومًا بعد يوم وخاصة بعد وصول ترامب إلى السلطة، فهل يصنع الربيع العربي نظامًا عالميًا جديدًا؟

 

النص الأصلي اضغط هنـــــــــــــــــــــــــا

 

اعلان