العلاقات السرية بين مصر وإسرائيل
"اجتمع السيسي ونتنياهو وَعَبَد الله وجون كيري سرا في الأردن في فبراير ٢٠١٦."
خبر نشرته جريدة هآرتس الإسرائيلية وأكده نتنياهو، قبل أن يؤكده بيان من الرئاسة المصرية، في صياغة مراوغة.
***
والسؤال هنا لماذا يلتقى السيسى سرًا مع نتنياهو؟ ولماذا لم يلتقيا علانية وفى وضح النهار كما كان يفعل مبارك ومن قبله السادات؟
خاصة وأنه بين النظام المصرى و (إسرائيل) معاهدة سلام منذ ١٩٧٩، ناهيك عن الاستراتيجية المعلنة التى يتبناها ويمارسها السيسى منذ توليه مقاليد الحكم فى التقارب غير المسبوق مع إسرائيل، والإشادة المتكررة بالسلام معها وبدفء العلاقات وعمق التنسيق والثقة والطمأنينة المتبادلة، بل إنه دائما ما يتفاخر أمام وسائل الإعلام الدولية بكثافة الاتصالات التليفونية الدورية بينه وبين رئيس الوزراء الإسرائيلى.
فلماذا تَخَفى هذه المرة وذهب إلى العقبة الأردنية سراً للقاء نتنياهو؟
هناك احتمالان وراء ذلك، الاحتمال الأول هو أنه كان يريد لأسباب نجهلها أن يلتقى نتنياهو وجهًا لوجه بعيدًا عن أعين ورقابة مؤسسات الدولة المصرية، تحت غطاء التشاور حول السلام والقضية الفلسطينية.
وما يرجح هذا الاحتمال هو ما تم قبل هذا "الاجتماع السرى" ببضعة أيام، يوحى بأنه كان يوجه دعوة مبطنة أو يمهد لهذا الاجتماع؛ ففى لقائه بوفد القيادات اليهودية الأمريكية بالقاهرة فى 11 فبراير 2016 وصف السيسى نتنياهو بالنص ووفقًا لما تداولته وكلات الأنباء بأنه "زعيم وقائد لديه قوى جبارة، تساعده ليس فقط في إدارة دولته، وإنما يمكنها أن تحقق التقدم وتعزز المنطقة كلها والعالم".
بعدها بعشرة أيام، فى 21 فبراير 2016 التقى الاثنان سرًا فى العقبة بالأردن بحضور الملك عبد الله وجون كيرى.
***
أما الاحتمال الثانى فهو أن نتنياهو هو الذى وجه الدعوة كما صرح بذلك بنفسه فى الأيام الماضية، وأن السيسى لم يتمكن من رفضها، فكيف يرفض لنتنياهو طلباً؟ خاصة وأن إسرائيل هى الطرف الأكثر حماسةً وترويجاً له ولنظامه على المستويين الأمريكى والدولى. ولكنه أراد أن يفعلها بدون أن يجرح الصورة الوطنية الزائفة التى يرسمها لنفسه هو و إعلامه.
***
إن العلاقات المصرية الإسرائيلية العلنية من سلام واتفاقيات وسفارات وتنسيقات وتطبيع وتجارة وصفقات...الخ، تكفى وحدها لتجريد أي نظام أو حاكم مصرى من الشرعية الوطنية. فما بالنا بالعلاقات السرية؟
كما أن مجرد أن يكون اللقاء سرياً، أياً كان جدول أعماله، هو مصدر شك وريبة وقرينة على سوء النوايا.
إن مثل هذه العلاقات والاتصالات والمفاوضات السرية التى لم تتوقف لحظة بين العرب وإسرائيل منذ بدايات المشروع الصهيونى على امتداد قرن من الزمان، لم تحمل لنا سوى كافة أنواع الأضرار والشرور والتآمر على شعوبنا وأوطاننا واستقلالنا، والتى كانت تنتهي دوما بمزيد من التفريط والهزائم والتنازلات.
***
إن العلاقات السرية بين مصر وإسرائيل لم تتوقف لحظة منذ نهاية حرب 1973، ولا تزال تفاصيل كثيرة من اتفاقيات كامب ديفيد غائبة ومحجوبة عن غالبية الرأي العام المصري رغم مرور ما يقرب من 40 عامًا.
والصندوق الأسود لهذه العلاقات لا يزال مغلقًا بالضفة والمفتاح، وحين تتسرب منه أي معلومة، فإنه يكون وراءها كارثة جديدة مثل حق (الاسرائيليين) فى دخول سيناء والبقاء فيها 14 يومًا بدون تأشيرة وفقا لاتفاقية طابا، واتفاقية فيلادلفيا 2005، وصفقة تصدير الغاز لاسرائيل، واتفاقيات الكويز، و اتفاقيات تيران وصنافير... ولكنها لا تمثل سوى قمة جبل الاسرار الذى لا نراه ويحظر علينا الاقتراب منه، ومن ذلك ملفات التنسيق الامنى والاستخبارى فى سيناء، وملف حصار غزة واستهداف نزع سلاحها وإخلاء المنطقة الحدودية لإقامة المنطقة العازلة... الخ، وربما يكون اخطرها ما يصرح به نتنياهو كثيرا من ان الدول العربية و (اسرائيل) أصبحوا حلفاء وليسوا أعداء، وما ارتبط بذلك من أحاديث عن مشروع لتأسيس تحالف عسكرى إقليمى جديد أو اتفاقية دفاع مشترك تجمع مصر والأردن والسعودية والخليج و (إسرائيل) تحت القيادة الامريكية لمواجهة ايران.
***
على امتداد سنوات طويلة منذ الانحياز المصرى لاسرائيل فى عدوانها على غزة فى صيف ٢٠١٤ ونحن نناشد رفاقنا القدامى فى معارك مواجهة (اسرائيل) وكامب ديفيد والتطبيع وشركاءنا فى دعم فلسطين والمقاومة والانتفاضة وفى قوافل الاغاثة وفك الحصار..الخ ، أن يخرجوا عن صمتهم، ويعلنوا عن غضبهم ويتصدوا لسياسات نظام يسعى لبناء شرعيته الإقليمية والدولية من بوابة إسرائيل، ويزج بمصر فى مستنقع التحالف والشراكة الأمنية والاستراتيجية مع عدوها الاستراتيجى.
فهل يغضبون؟