الهجرة في ربيع الأول.. لماذا نحتفل بها في محرم؟
خطأ كبير يُشاع بين الناس بأن الهجرة النبوية كانت في شهر محرم، ولكن الحقيقة أن النبي صلي الله عليه وسلم قد هاجر إلى المدنية في شهر ربيع الأول، إذا من أين جاء الاحتفال بالهجرة في غرة محرم؟.
ففي غرة محرم من كل عام يحتفل المسلمون بالعام الهجري الجديد، ويحيون معه الاحتفال بهجرة النبي صلى الله عليه وسلم، والصحيح كما تقول دار الإفتاء وعلماء الدين، إنه لا علاقة بين بداية السنة الهجرية وبين الهجرة، غير أن العزم للهجرة كان في محرم.
موعد الهجرة..وعلاقتها بـ"محرم"
وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة في شهر ربيع الأول، لكن جعل شهر المحرم بداية العام الهجري، لأنه كان بداية العزم على الهجرة، حسبما ذكرت دار الإفتاء المصرية، عبر موقعها الرسمي سؤالا حول حكم الاحتفال بالهجرة في شهر المحرم.
ويقول الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": وإنما أخروه -أي التأريخ بالهجرة- من ربيع الأول إلى المحرم لأن ابتداء العزم على الهجرة كان في المحرم؛ إذ البيعة وقعت في أثناء ذي الحجة وهي مقدمة الهجرة، فكان أول هلال استهل بعد البيعة والعزم على الهجرة هلال المحرم، فناسب أن يجعل مبتدأ. وهذا أقوى ما وقفت عليه من مناسبة الابتداء بالمحرم.
ويتفق المؤرخون أن الهجرة النبوية تمت في شهر ربيع الأول، وكان ذلك بعد بيعة العقبة الثانية التي تمت في شهر ذي الحجة، ولم يبق صلى الله عليه وسلم بعدها إلا بقدر ما جهز نفسه وهيأ شأنه للخروج من مكة، فمكث بها نحو الشهرين وبضعة أيام.
قال ابن كثير : وقال أحمد: حدثنا روح بن عبادة ثنا زكريا بن إسحاق عن عمرو بن دينار قال: إن أول من ورخ الكتب يعلى بن أمية باليمن، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة في ربيع الأول وأن الناس أرخوا لأول السنة.
وجاء في تاريخ الطبري :"كان مقدم من قدم النبي صلى الله عليه وسلم للبيعة من الأنصار في ذي الحجة، وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدها بمكة بقية ذي الحجة من تلك السنة والمحرم وصفر، وخرج مهاجرا إلى المدينة في شهر ربيع الأول، وقدمها يوم الأثنين، لأثتنتى عشرة ليلة خلت منه".
وكذا قال ابن كثير رحمه الله في فصول من السّيرة :"ولكنّ الوهم سرى في أوساط المسلمين من أجل: أنّ الصّحابة رضي الله عنهم لمّا أرادوا التأريخ، اختاروا السّنة التي هاجر فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولم يأخذوا الشّهر الّذي هاجر فيه - وهو ربيع الأوّل - بعين الاعتبار".
كيف بدأ التأريخ؟
وعن بداية التأريخ، فلم يكن لدى المسلمين قبل عهد سيدنا عمر بن الخطاب تقويم، كانت لديهم الشهور فقط، وبحسب الباحث والداعية الإسلامي محمد مصيلحي، فإن فكرة التقويم بدأت حينما بعث سيدنا أبو هريرة برسالة للفاروق عمر -رضي الله عنهما-، يقول له فيها «حدث فى رجب» فرد عليه فى أى رجب، هل الماضى أو قبل الماضى، فاختلط الأمر عليهما ومن هنا جاءت فكرة التقويم.
ووفقا لـ"مصيلحي" في تصريحات سابقة له، فإن أولى الأفكار التى جاءت للصحابة أن يبدأ التقويم بتاريخ ميلاد النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولكن سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال، إن النبى -عليه الصلاة والسلام- ولد فى بيئة مشركة تعبد الأصنام، ولم يكن هناك أحداث خاصة بالمسلمين، فاقترحوا الإسراء والمعراج، أو بداية نزول الوحى على رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
وواصل:"ولكن سيدنا عمر -رضي الله عنه- قال نجعله بهجرة المسلمين، حيث أصبح لهم وطن، وقانون، وحاكم، وأصبحنا نصنع أحداثنا، فاستقروا أن تصبح الهجرة هى بداية التاريخ".
وبعد اختيار الهجرة كحدث للتأريخ، لم يكن من الممكن أن يبدأ العام من شهر ربيع، الذى يعتبر الشهر الثالث، بحسب "مصليحي"، فتعداد الشهور وترتيبها كان مؤرخًا بالفعل، واجتمعوا أن تكون بداية السنة الهجرية فى محرم، خاصة أن المسلمين كانوا بدءوا الهجرة بالفعل قبل النبى فالنبى هاجر فى ربيع الأول، ولكن هناك مسلمين هاجروا قبله بفترات طويلة.
وقد قال محمد بن سيرين: قام رجل إلى عمر فقال: أرّخوا، فقال عمر: ما أرّخوا؟ فقال: شيء تفعله الأعاجم في شهر كذا من سنة كذا، فقال عمر: حسن، فأرّخوا، فاتفقوا على الهجرة ثم قالوا: من أي الشهور؟ فقالوا: من رمضان، ثمّ قالوا: فالمحرم هو منصرف الناس من حجهم وهو شهر حرام، فأجمعوا عليه.
وروى الإمام البخاري عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ: "مَا عَدُّوا مِنْ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم، وَلَا مِنْ وَفَاتِهِ، مَا عَدُّوا إِلَّا مِنْ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ ) أي: سنة مقدمه، ولو عدّوا من شهر قدومه صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة: لعدُّوا من شهر ربيع الأوّل.
وإنّما جعلوا شهر الله المحرّم بداية السّنة الهجريّة لأنّه منصرف النّاس من حجّهم، كما قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، لا لأنّه شهر هاجر فيه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
فالصحابة حين أرخوا اعتمدوا سنة الهجرة كبداية، ولم يعتمدوا الشهر أو اليوم الذي هاجر فيه الرسول صلى الله عليه وسلم كما يظن أكثر الناس اليوم .
ثم اختار الصحابة بعد ذلك المحرم كبداية للسنة لأنه بعد انتهاء موسم الحج، ولم يكن هناك علاقة بين شهر الهجرة وتحديد شهر المحرم كبداية .
معاني الهجرة
وفي سياق الحديث عن الهجرة النبوية، فقد قالت دار الإفتاء المصرية إن الهجرة النبوية تمثل حدثًا فريدًا في تاريخ البشرية يتجاوز حدود الزمان والمكان، فقد احتوت الهجرة النبوية على المعاني الإيمانية والإنسانية العظيمة ومظاهر الرحمة الإلهية.
وتقول "الإفتاء"، في فيديو أنتجته وحدة الرسوم المتحركة، إن أحداث الهجرة النبوية المشرفة أكدت على أهمية حسن الظن بالله والتوكل عليه وتجريد الإخلاص له سبحانه، وإظهار أهمية التخطيط والأخذ بالأسباب وعدم إهمال السنن الكونية في تحقيق الأهداف.
وأضافت "الإفتاء" أن الهجرة النبوية أرشدتنا إلى أهمية هجرة المعاصي، ومخالفة الهوى، وترك العادات المذمومة، والعمل على تقوية إرادة الإنسان وعزيمته.
ولفتت "الإفتاء" في فيديو الرسوم المتحركة أن الهجرة النبوية أظهرت منزلة حب الوطن وألم مفارقته، وأنتجت قيم العمل والمثابرة والتعاون والتآخي والصبر لبناء المجتمع، والتعايش والمحبة مع الآخر واحترام العقائد.
واختتمت الدار الفيديو برسالة وجهتها إلى جموع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها فالت فيها: "فلنجعل من ذكرى هجرة النبي نموذجًا إيمانيًّا للارتقاء والقرب من الله وتطهير النفس وبناء الأوطان".