ياسر بكر يكتب: قناع نجيب محفوظ.. والدعاية الماكرة للصهاينة !!
في ظل ملكين وأربع رؤساء جمهوريات مارس نجيب محفوظ عملية الكتابة، بما يعني أنه ظل يكتب طوال ست عصور يصل التناقض والاختلاف بينها حد الصراخ الزاعق، ومع ذلك كان نجيب محفوظ هو الأديب المرضي عنه، والذي يحظى برعاية السلطة، والحكام في كل العصور !! وكل المحافل !!؛.. فما عرفت مصر ـ طوال تاريخها ـ كاتباً رضى عنه اليمين والوسط واليسار، ورضى عنه القديم والحديث، ومن هم بين بين مثل نجيب محفوظ !!
وهو ما يجعل السؤال مُلحاً ومنطقياً: هل كان أدب نجيب محفوظ مثل لوحة "الموناليزا" التي يفسر الجميع نظرتها الحالمة وابتسامتها الواعدة لصالحة ؟!!
كان نجيب محفوظ يبالغ في إغراق نفسه بهالات من الغموض أو غلالات الستر؛ فعندما كان يُسأل عن رأيه في مسألة كانت الإجابة دائما: "رأيي في أدبي"!!، .. لكن هذا لم يحقق له ما أراد من ستر فقد تورط فيما هتك ستره وفضح سره في كثير من المواقف التي ترصدها أمثلة كثيرة منها مقاله بجريدة الأهرام بعنوان: "التصوف الاشتراكي"، وهو مقال هزلي على طريقة دراويش الموالد لدعم "التوجه الناصري" ـ آنذاك ـ للشيوعية والذي راح ينتقدها ـ فيما بعد ـ في روايته "ميرامار" وإظهار مخاوفه منها على لسان إحدى شخصياته " طلبة باشا مرزوق " أنهم يأمموا كل شئ في البلد حتى كلمة " طظ "،.. وأيضا مقال " كلمات من السماء" في رثاء عبد الناصر الذي أدان عصره في رواية " الكرنك" بعد جلسة جمعته بالسيدة اعتماد محمد رشدي الشهيرة بـ " اعتماد خورشيد " في مقهى ريش.. حكت له فيها عن بعض من تجربتها التي نقلها محفوظ في الرواية التي صارت فيلما .. ثم عاد بعد ذلك ووصفها بالمقززة !!
يقول نجيب محفوظ في مذكراته: " لم اقرأ كتاب اعتماد خورشيد الذي تتحدث فيه عن " شهادتها على انحرافات صلاح نصر مدير المخابرات المصرية" حتي اعتقاله سنة 1967 وقد روى لي أحد اصدقائي بالتفصيل ما ورد في الكتاب من وقائع وأحداث مختلفة ومن خلال رواية الصديق أحسست كأنني قرأت الكتاب وشعرت بالاشمئزاز من الأشياء القذرة والفضائح المثيرة التي تضمنها كتابها وأنه لم يشعر لحظة واحدة بالاحترام لهذا الكتاب أو لما ورد فيه"
لكن نجيب محفوظ لم يستطع حل معضلة التشابة الكبير بين ما كتبة في "الكرنك" وما أثار اشمئزازه فيما كتبته السيدة اعتماد خورشيد!!؛ فعندما لجأ السيد صلاح نصر مدير المخابرات الأسبق إلى القضاء بدعوى أن نجيب محفوظ قذف في حقه من خلال رواية " الكرنك " ودفع محفوظ بأنه لم يقصده وعجز نصر عن إقامه الدليل على ما يدعيه !! .. وقد صرح محفوظ لبعض جلسائه أن كان يقصد شخصية حمزة البسيوني الذى عرفه به جمال الغيطاني في قهوة عرابي .. لكن الذي غاب عن ذهن محفوظ أن البسيوني لم يسجن بجوار ضحاياه، ولكنه مات في حادث مأساوي على طريق مصر اسكندرية الزراعي أمام مدينة قويسنا وتم استخراج جثمانه من سيارته المهشمة بعملية جراحية أقرب إلى عملية الذبح !!
حاولنا الاقترب من عالم نجيب محفوظ.. كان الاقتراب صعباً نظرا لطبيعة نجيب محفوظ الشديدة التميع والليونة والمرونة والتلون.. كما أن الرواية ذاتها فن مراوغ.. ولكون الدراسة الأكاديمية لم تفدنا كثيراً، فقد درست في السنة الأولى بآداب القاهرة رواية " زقاق المدق" وفي السنة الثانية "الثلاثية" بأجزائها الثلاث ( بين القصريين ـ قصر الشوق ـ السكرية ) ؛ ولأن السادة أعضاء " نادي الصفوة " أصحاب الياقات البيضاء من أساتذتنا في آداب القاهرة جعلونا أسرى نظريات هم أنفسهم لم يفهموها، ولم يعرفوا دوافع الغرب لترويجها.. فكل ما حصلوا عليه من بعثات الغرب لسان أعوج .. وزهرة حمراء في عروة الجاكت، ومنديل معطر في كمه .. كنا نقلد أفعالهم وندعي أنها الرقي!! .. ورحنا نردد ورائهم وندعي الفهم أن :" العمل الفني يعني ما يعنيه، ويعالج ما يعالجه The work of art means what it means and treats what it treats " وكان محفوظ يجيد حيلة الأدب الماكر في ظل ظروف مواتية بعد هزيمة 1967 عن الحداثة والبنيوية وتفكيك النص وإنارة النص من داخله وإنارة النص من خارجه وأن قراءة النص إعادة صياغة له وغيرها من البدع التي أغرقت الكتابة في العتمة وأغرقتنا في حالة من الغموض المتعمد أو " تية النص " التي يحلو للبعض أن يطلق عليها: " شخبطة اليانكي ".. والتي جعلتنا لبعض الوقت نصم أنفسنا بعدم الفهم وننعتها بالغباء !! .. وأخيرا ثبت زيف تلك الترهات وامتدت إليها معاول الهدم ممن صنعوها وطنطنوا لها !! .
أقتربت من عالم نجيب محفوظ على أمل فتح ثغرة في الجدار .. كان ذلك الاقتراب وعندما واجهته بخبر الروايات التي قدم لها، ونشرت في إسرائيل، بذلك في جلسة بكازينو قصر النيل في فبراير 1987 وقبل عام وثمان شهور من الحصول على الجائزة، تعلل نجيب محفوظ بأنهم شبان طلبوا منه التقديم لأعمالهم، ولم يكن يعرف أنهم سينشرونها في إسرائيل ولصالح دور نشر إسرائيلية، وقد أبديت استحساني للتعليل، وطلبت منه إصدار بيان بهذا المعني، وتكهرب الجو، ولم يكن أمامي سوى مغادرة المكان، وقد حملت انطباعاً يجعل الشك يكاد يكون يقيناً !!
لكن الثغرة سرعان ما اتسعت لتصبح كوة .. وتزداد الكوة اتساعاً لتصبح شُباكاً، وفجأة يتسع الشُباك ليصبح بمساحة الجدار بأكمله؛ فينهار الجدار بأكمله ليلة الحصول على جائزة نوبل .. لنجد أنفسنا داخل غرفة نجيب محفوظ بعد أن سقوط الجدار الرابع .. والذي انهارت معه قواعد اللعبة التي مارسها 77 عاماً !!
يدعي نجيب محفوظ في مذكراته أن اللذان أبلغاه خبر حصوله على جائزة نوبل هما الأستاذان محمد باشا وسلامة أحمد سلامة مديرا تحرير جريدة الأهرام، ولكنه لم يذكر ما ذكرته الصحف الإسرائيلية أن الذي زف إليه خبر حصوله على الجائزة هو شيمون بيريز قبل يومين من موعد إعلانها رسمياً، .. ولم يذكر نجيب محفوظ سر الحركة التي دبت في منزله قبل شهر من موعد الإعلان عن الجائزة .. تلك الحركة التي شملت دهانات حوائط الشقة وتجديد صالوناتها وستائرها، .. قد يدعي البعض أن الصدفة، وهذا جائز !!، أي مجرد احتمال يصبح منعدما في ظل قرائن أخرى !!، وماذا يقول نجيب محفوظ في العرض الذي تقدمت به منظمة التحرير الفلسطينية لتعويضه بمبلغ يماثل قيمة الجائزة مقابل أن يرفضها دعماً للقضية الفلسطينية، .. وهو العرض الذي لم يرد عليه نجيب محفوظ، .. وفي نفس الوقت تلقى تحذيرا من أجهزة أمنية بألا يسافر لتلقي الجائزة خشية أن يلقى مصير يوسف السباعي، وتم إشاعة أنه يخاف من ركوب الطائرات !! تم تدبير سفر بنتيه بمعرفة السفارة السويدية بالقاهرة وتحمل الصهاينة مصاريف السفر برفقة السفير السويدي على درجة الـ V.I.P. وتحمل الصهاينة نفقات شراء الملابس التي ترتديها البنتان في حفل تسليم الجائزة من أرقي بيوت الأزياء في السويد التي قامت بتصميم فستان لكل بنت من نسخة واحدة .. كان تصميم فستان إحدى البنتين مقاربا للزي البدوي السيناوي، وفستان البنت الثانية مقاربا للزي الصعيدي مع إضافة لمسات عليهما تجعلهما أقرب إلى فساتين الكرنفالات القومية، وقد تم الاستعانة بخبيرة أزياء مصرية لهذا الغرض!! .. كان الغرض من تلك الأزياء إرسال رسالة بصرية معادية لمصر إلى العالم مضمونها أن : " نجيب محفوظ حالة نبوغ فردي في مصر المتخلفة التي لم تخرج عن طور الريف والبداوة !!".
حيثيات الحصول على نوبل:
ورغم الطنطنطة الدعائية التي تديرها آلة الإعلام الصهيوني عن وثائق الجائزة والجهات المرشِحة وحيثيات الترشيح وحيثييات الفوز التي تظل جميعها قيد السرية لمدة 50 عاما؛ فقد كشف ستوري آلين السكرتير الدائم للأكاديمية السويدية أسباب أختيار نجيب محفوظ للفوز بالجائزة؛ فقد جاء في كلمته التي ألقاها في حفل تسليم الجائزة لابنتاه:
"وللقراء الكثيرين الذين اكتسبهم نجيب محفوظ من خلال "الثلاثية" بخلفيتها الواسعة التي تصور الحياة المعاصرة جاءت " أولاد حارتنا " كالمفاجأة فالرواية تمثل التاريخ الروحي للبشرية، وقد قسمت إلى فصول بعدد سور القرآن الكريم أى 114 فصلاً ، وشخصيات الإسلام واليهودية والمسيحية تجئ متخفية لتواجه مواقف مملؤة بالتوتر فرجل العلم الحديث يمزج بينفس الجدارة بين إكسير الحب وبعض المواد المتفجرة وهو يتحمل مسئولية موت " الجبلاوي " أو الإله، ولكنه يفنى فهناك بريق أمل في نهاية الرواية .
وفي القصص القصيرة عند محفوظ نقابل الموضوعات الوجودية الكثيرة .. الصراع بين العقل والعقيدة .. الحب كمصدر للقوة في عالم غير منطقي .. بدائل وقيود النظرة العقلانية .. الصراع الوجودي للإنسان الأعزل ."
أصوله العائلية الغامضة :
يدعي نجيب محفوظ في مذكراته أشياء عن "أصوله العائلية"، تبدو متناقضة؛ .. فعندما نخضع تلك المعلومات لمنهج "اتساق المسارات في السرد" من خلال دراسة علاقة النص بالمعنى والنص بالنصوص الأخرى، ومدى توافق النص مع أحداث التاريخ .. نجد أننا أمام رجل يخفي عن حقيقته الكثير !!
عاش نجيب محفوظ باسم مركب ادعى ان السيدة والدته اسمته به اعترافا بجميل الطبيب نجيب محفوظ الذى قدم العون الطبي لها في حالة ولادته المتعثرة؛ ليظل اسم والده وعائلته محجوبان طوال الوقت، يقول نجيب محفوظ عن والده:
"والدي عبد العزيز ابراهيم أحمد الباشا.. من مواليد 1870 وتوفي عام 1937 من رشيد وهاجر إلى الاسكندرية، أما جدي فمن رشيد ثم هاجر بعد ذلك إلى الاسكندرية، وعندما ذات مرة إلى رشيد سألت عن عائلة الباشا ووجدت أن لها بقايا مازالت موجودة في منطقة "البرج"، ولا أستطيع أن أدلي بشئ له قيمة عن حياة أبي عندما كان موظفاً في الحكومة، لأنني كنت حينئذ طفلاً رضيعاً . ولكن عندما أحيل إلى المعاش كنت قد كبرت وبدأت أفهم".
ومن خلال تتبعنا لمسارات عدم الاتساق في السرد نجد أن نجيب محفوظ يحاول أن يخفي شيئاً .. يقول نجيب محفوظ أن: " والده من مواليد 1870 بما يعني الإحالة إلى المعاش في سنة 1930 بما يعني أن نجيب محفوظ المولود في سنة 1911 كان قد بلغ من العمر وقت إحالة والده للمعاش 19 سنه وهو عمر أكبر بكثير من سن الرضاع كما جاء في مذكرات محفوظ . "
ولا يذكر نجيب محفوظ محفوظ شيئاً عن وظيفة والده!!
وعندما ادعى إحالته للمعاش قال أنه : " التحق بعمل في محل تجاري يملكه إحد أصدقائه، ثم عاد وناقض نفسه فادعى أن والده بعد إحالته للمعاش عمل في "فابريكة أو "مصنع" للنحاس !!
وفي تناقض أخر لمسارات عدم الاتساق في السرد يضع نجيب محفوظ لوالده مقعد وسط الكبار وأنه يحذو حذوهم فيقول عن أسباب مغادرتهم لـ " درب قرمز" في بيت القاضي إلى العباسية:
"والحقيقة أن انتقالنا إلى العباسية له سبب، وهو أن العائلات الكبيرة في درب قرمز مثل المهيلمي والسيسي والخربوطلي بدأت في النزوح من المنطقة، عائلة وراء عائلة. وبعد انتقال " الأعيان " فقدت الحارة بهجتها وروحها وأنطفأت الأنوار وانتهت السهرات ، وشعرنا بعدهم ـ بوحشة ـ شديدة "
والحقيقة أن صورة والد نجيب محفوظ الذي أهداها ابن شقيقته محمود الكردي إلى مجلة "المصور" قد كشفت بوصفها جملة بصرية مفيدة الكثير مما أخفاه نجيب محفوظ ، ففى الصورة رجل حاسر الرأس ـ بخلاف عادات أبناء الطبقة المتوسط آنذاك ـ لا يرتدي طاقية أو طربوش أو عمامة وتظهر عليه علامات من أنهكته الأيام فلا يبدو من فتحة صدرة وجود لملابس داخليه !!، بما يعني أنه من طبقة الحرافيش أو الجعيدية .. وهذا ليس عيباً !!
يدعي نجيب محفوظ عكس ما أفشته الصورة:
"ومن أبرز سمات أبي الشخصية أنه كان يرتدي نوعين من الأزياء، نوعاً للشتاء وآخر للصيف . ففي الشتاء يرتدي "البدلة" وفوقها "البالطو"، وفي الصيف يرتدي " الجبة والقفطان " . أما الطربوش فعامل مشترك يرتديه شتاء وصيفاً . وكان ذلك أمراً غريبا بالنسبة لما هو شائع في تلك الأيام . فالذي يرتدي الملابس الإفرنجية لا يرتدي الملابس الأزهرية ، والعكس صحيح".
رعاية المبشرين و الماسون :
أستاذة نجيب محفوظ الذين تولوا رعايته وتقديمه للجماهير هم أحمد لطفي السيد باشا الذي تولى تدبير وظيفة له بإدارة الجامعة الأهلية فور تخرجه، وسلامة موسى ـ أحد المبشرين ـ الذي تولى نشر رواياته "عبث الأقدار " و " مصر القديمة " و " زقاق المدق " عن دار "المجلة الجديدة " التي كان يملكها، والأخوان علىّ ومصطفى عبد الرزاق الثابت انتمائهما إلى المحفل الماسوني وكلهم كانوا شديدي التطرف في الأخذ عن الغرب والانبهار به، والسخط على حال الشرق وإظهاره في صورة متخلفه، وهو ما يظهر جليا في أدب محفوظ.
حكاية "أولاد حارتنا":
يقول نجيب محفوظ في مذكراته عن رواية "أولاد حارتنا":
"أعترف بداية أنني اخترت أسماء الشخصيات موازية لأسماء الأنبياء".. وهذا الاعتراف يكفي لانتفاء حسن النية لدى نجيب محفوظ ويؤكد مزاعم خصومة . خاصة أن محفوظ قد صرح أكثر من مرة أن: "الإيمان الوحيد الراسخ في قلبه هو الإيمان بالعلم والمنهج العلمي"، وهو ما يتفق مع توجه الرواية القائل بنهاية الأديان على يد العلم وهو ما يتفق مع الرؤية الأوربية في صراعها مع الكنيسة، والرؤية الصهيونية التي لخصها إيجال يادين بقوله : " إن التوارة عبارة عن أساطير وقصص شعبية، والجيوش هي التي تضع لها التفسير الصحيح " .
علاقته بـ "التنظيم السري للثقافة":
كان نجيب محفوظ على رأس التنظيم السري في الثقافة الذي يقوده سرا جمال عبد الناصر، وهو القائم على رأس الحكم بمنصب رئيس الجمهورية .. وقد كشف أمر هذا التنظيم د . بكر الشرقاوي نائب رئيس مؤسسة السينما الأسبق، يقول د. بكر الشرقاوي في اعترفاته للزميل عادل سعد في عدد " المصور " الصادر بتاريخ 2 اكتوبر 2015 تحت عنوان : " مر الكلام .. تلك شهادتي عن أكاذيب عصر الزعيم ":
"أنه بعد انقلاب 23 يوليو 1952 دخل السجن لقضاء فترة عقوبة خمس سنوات بتهمة إهانة مصر، بعد ثلاثة أعوام أخرى قضاها تحت المراقبة تقابل مع صديق أخبره بأنه مكلف بتجنيده في تنظيم سري، ولما رفع حاجبيه في دهشة لأن الطبيعي أنه مراقب، قال إن الاختيار وقع عليه بعناية، ولما سأل عن طبيعة عمل التنظيم ومهامه قال حماية النظام والثورة، ولما سأل عن قائد التنظيم قالوا: جمال عبد الناصر".
وأصبح الشرقاوي عضوا في أعجب تنظيم سري في التاريخ لأن الذي يقوده سرا جمال عبد الناصر ، وهوالقائم على رأس الحكم بمنصب رئيس الجمهورية
يقول الشرقاوي : "أن عبد الناصر أنشأ هذا التنظيم السري بنظام الخلايا - وهو غير التنظيم الطليعي- بعد التمرد الشهير بسلاح الفرسان ومطالبة بعض الضباط الشرفاء بعودة الحياة الديمقراطية وعودة الجيش لثكناته، وكان الشرقاوي جزء من التنظيم المكلف بالسيطرة على وزارة الثقافة".
د. بكر الشرقاوي - 90 عاما - يؤكد كل كلمة يقولها بالاستشهاد بعدد من الأحياء، ومن الغرائب أن رأفت الميهي كان في التنظيم، وأنهم جاؤوا بنجيب محفوظ نفسه على قمة التنظيم المسؤول عن الثقافة، ولما سأله الشرقاوي : ماذا سنفعل وما المطلوب ؟ قال الأستاذ نجيب : " مش عارف أديهم اللي همه عاوزينه وخلينا احنا نتفرغ لشغلنا"،
كان الشرقاوي يتقاضى وقتها 50 جنيها بخلاف سيارة، ويحفظ في رأسه رقم هاتف أمروه بأن يحرقه بمجرد حفظه، ليتصل في حالة الخطر من أي مكان، ليبلغهم برقمه السري في التنظيم والمعلومة التي يريد إبلاغها!! ـ (انتهت شهادة د. بكر الشرقاوي ).
كلام الشرقاوي يتفق مع لدّى من معلومات من أن الشهيد سيد قطب كان أحد كبار المثقفين الذين احترقوا بنيران نجيب؛ فبعد الإفراج الصحي عن الاستاذ سيد قطب.. ادعي نجيب محفوظ أنه ذهب لتهنئته بالإفراج .. ـ نجيب غير مجامل، ولم يعرف عنه طوال حياته القيام بدور اجتماعي أو تبادل التزاور مع الآخرين ـ لكن الحقيقة أن زيارة الأستاذ سيد قطب كانت بتكليف بهدف كتابة تقرير أمني للمسئولين عن ما آل إليه فكر الرجل الذي كشفه في كتابه بعنوان : " لماذا أعدموني ؟"، .. فقد كان نجيب محفوظ على رأس "التنظيم السري للثقافة " الذي كان يشرف عليه الرئيس جمال عبد الناصر وكان نجيب محفوظ فيه بدرجة "كبير بصاصين ".
وإمعانا في تشويه الرجل أساء نجيب محفوظ للرجل الذي قدمه للقراء بوصفه بأبشع الصفات في " المرايا" في شخصية اسماها " عبد الوهاب اسماعيل "!!
ولأنه للتنظيمات السرية أمراضها المزمنة، فقد أصاب نجيب محفوظ بعض لهيبها ا لذي عبر عنه في الحلم رقم 159 من الجزء الأول من كتابه بعنوان : " أحلام فترة النقاهة " ، يقول نجيب محفوظ :
" تلقى بعض الحرافيش دعوة من الأستاذ سعد الدين وهبة فذهبنا لمقابلته وهناك رحب بنا وأطلعنا على بيان سيرفعه إلى كبار المسئولين لتطهير الهيئة من الساسة المنحرفين ودعانا إلى التوقيع عليه بإمضاءاتنا فاستجبنا بحماس وعند الفجر اخترق بيوتنا زوار الفجر وساقونا معصوبي الأعين إلى المجهول ".
إخفاء خبر زواجه:
ولم يُعرف خبر زواج نجيب محفوظ من عطية الله إبراهيم إلا بعد عشر سنواتٍ من حدوثه .. يقال أن عطية الله إبراهيم يهودية الأصول، عندما تشاجرت إحدى ابنتيه أم كلثوم وفاطمة مع زميلة لها في المدرسة، وأصرت الناظرة على حضور وليّ الأمر، ولم يكن هناك بد من ذهاب نجيب محفوظ إلى المدرسة، وانكشف الأمر، و علم الشاعر صلاح جاهين بالأمر من والد الطالبة الذي كان زميلاً له وجاراً، وفاتح نجيب محفوظ فيه، فتعلل ببعض الحجج لكنه لم ينكر زواجة، ومنذ ذلك الوقت انتشر الخبر بين الأوساط الأدبية، والثقافية؛ حتى عرف كل الناس به .
الإشادة باليهود في أدبه:
بدأ نجيب محفوظ غزله مع اليهود منذ كتب رواية "خان الخليلي" أي منذ عام 1946 م؛ فمنحوه رضاهم قبل أن يمنحوه الجائزة، بدأ الغزل مع اليهود من قبل أن يقوم كيانهم الغاصب فى فلسطين.
عبر نجيب محفوظ عن إعجابه باليهود واهتمامه بهم في رواياته فصورهم في صورة جذابة طيبة ذكية وجميلة ، كل ذلك في رواياته بداية من "خان الخليلي " و" المرايا " و " زقاق المدق "، ففي روايته (زقاق المدق ) كان يتحدث عن أن الإقتداء باليهوديات يحول عاملات المشغل في (الرواية ) من حال إلي حال من الشبع بعد الجوع ومن الكساء بعد العرى ومن الإمتلاء بعد الهزال، وقال علي لسان أم أحدى بطلات الرواية (إن حياة اليهوديات هي الحياة حقا) وانتهاء بـ " الحب تحت المطر " و "قلب الليل".
جاء ذكر اليهود في روايات نجيب محفوظ بشكل عابر للغاية. فلا نجد شخصية يهودية رئيسة في هذه الأعمال، وإنما صور عابرة لليهودي من هنا وهناك عبر السرد أو خلال حوار وبشكل يبدو أنه عفوي. وبالرغم من هامشية هذه الصور، فهي لا تحول دون ملاحظة ميله تجاههم حتى بعد عدوان 1956 الذي غزت فيه إسرائيل سيناء المصرية للمرة الأولى. ففي روايته (قصر الشوق) الصادرة في العام التالي صور لليهود (على لسان السيد أحمد عبد الجواد) باعتبارهم مؤمنين بالله ومفضلين بالتالي لدى مسلمي مصر على من يؤمنون بنظرية دارون!! وحتى الصفات غير الحميدة المنسوبة لليهود مثل البخل والإستغلال، فقد وردت في أعمال محفوظ بتمثيلاتها دون تعقيب منه .
التفاوض مع إسرائيل:
كان نجيب محفوظ ـ حسبما ورد في مذكراته ـ يدعو إلى التفاوض مع إسرائيل منذ وقوع انقلاب يوليو 1952 وكرر تلك الدعوة في اجتماع التنظيم الطليعي برئاسة ثروت عكاشة بقيادات وزارة الثقافة بعد هزيمة 67 وأعاد نفس الدعوة في وجود العقيد القذافي في زيارته لجريدة ولم يكن نجيب محفوظ من الشجاعة ليعرض مثل تلك الدعوات دون حصول على ضوء أخضر !!
وفي سنة 1979 سارع نجيب محفوظ لتأييد " معاهدة السلام المصرية- الإسرائيلية" 1979؛. فهو لم يكتف بإعلان مساندته لتلك المعاهدة، وإنما التقى بمثقفين إسرائيليين دعما لدعوة الجانب الصهيوني للتطبيع!!
الشروع في الاغتيال:
وقعت جريمة الاعتداء على نجيب محفوظ يوم الجمعة 14 اكتوبر 1994، حيث طعنه أحد الشباب المحسوبين على التيار الديني المتطرف بسكين في عنقه، ولم تكن الجريمة وليدة اللحظة؛ فمنذ حصول محفوظ على نوبل والتيار الديني لا يكف عن مهاجمته والاستعداء عليه؛ فعلى مدار علم 1989 ردد الدكتور عمر عبد الرحمن فتواه على منابر مساجد الفيوم بأن نجيب محفوظ مرتد عن الإسلام، وقد لاقت تلك الفتوى قبولاً من الشيخ عبد الحميد كشك فرددها من على منبر مسجد الملك بحدائق القبة، وأصدر كتابا مطبوعاً بعنوان : " كلمتنا في أولاد حارتنا " الرواية التي حصل بها محفوظ على جائزة نوبل؛ فكان من الطبيعي أن يتحرك "الجهاديون الجدد" لإنفاذ حد الردة فيه.
إهمال الجميع:
بعد محاولة الاغتيال أصيب نجيب محفوظ بضعف في الحواس وانفض عنه الكثيرون، واعتذر له ناشره بأن كتبه قد قل الإقبال عليها، ولم تعد مطلوبة!!، وانشغلت عنه زوجته وابنتيه فلم يعد هناك من يهتم بمظهره فطالت لحيته وأظافره، وافتقد هندامه، وكثيرا ما كانت الزوجة والبنتان يخرجون لقضاء حاجاتهم، ويتركونه ينتظر في مقهى فندق "شهرزاد"المجاور لمسكنه، .. وقد يطول الانتظار مما يضطره في كثير من الأحيان إلى النوم على كرسي المقهى، وسط إشفاق البعض على ما آل إليه حال الرجل، .. وسخط البعض لكون الرجل يمتلك مالاً كثيراً يمكنه من استئجار غرفة في الفندق تحفظ عليه كرامته حتى يأتي ذووه لاصحابه إلى المنزل!!
الموت المأساوي:
فى 30 أغسطس 2006 توفى نجيب محفوظ بمستشفى الشرطة بالعجوزة التي دخلها إثر تعرضه لحادث بمنزله أدى إلى ارتطام رأسه بخلفية السرير مما أدى إلى سقوطه على مؤخرة رأسة وحدوث نزيف، وظلت حالته في التدهور حيث وضع أكثر من مرة على جهاز التنفس الصناعي بغرفة العناية المركزة بسبب خلل في بعض الوظائف الحيوية في الجسد إلى أن لقي وجه ربه عن عمر يناهز 95 عاما.
فقدان الميدالية والوسام:
اهدى الرئيس حسني مبارك لنجيب محفوظ قلادة النيل أعلى الاوسمة المصرية عقب فوزه بجائزة نوبل في الادب في عام 1988، وبمقتضى الحصول على قلادة النيل يتم تكريم من حصل على عليها ويشيع جثمانه في جنازة عسكرية.
وطبقا لمراسم رئاسة الجمهورية حضر مندوب الرئاسة لتسلم النياشين والأوسمة لتبقى في مقدمة الجنازة، واكتشفوا فقدان الكثير منها.. ميدالية نوبل الذهبية التي تحمل وجه الفريد نوبل لم يتم العثور عليها، أما قلادة النيل التي كانت سبب استحقاقه الجنازة العسكرية فقد وجدت القلادة ولكن من دون العثور على الوسام المعلق بها.
وبدأ مسلسل من التراشق اللفظي بين زوجة محفوظ وأصدقائه؛ فالزوجة تتهمهم ببسرقة ميدالية نوبل والنياشين، وهم يتهمونه بأنها باعتهم لأحد الأثرياء العرب بمبلغ 800 ألف جنية !!
وقد تصادف أن قابلت سكرتير نجيب محفوظ الحاج صبري السيد جابر في الدور السادس من الأهرام، وسألته عن موضوع فقدان الأوسمة والنياشين لكن الرجل لم يفد بشئ متعللا بأن لا يعرف شيئاً من تلك الأمور الخارجة عن نطاق عمله، .. واستشعرت أن الرجل يخفي أشياء رغم أنه بلدياتي من قرية تلوانة، ومنزل والده الحاج سيد جابر ملاصق لمنزل عائلتي.
النهاية.. نعش على الأرض:
مات نجيب محفوظ فى 30 أغسطس 2006 ، وشيعت جنازته في اليوم التالي وسط غياب جماهيري، ولم يحضر المثقفون؛ فلم يصلي عليه في مسجد الحسين بالقاهرة سوى بضع نفر لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة تصادف وجودهم بالمسجد، وبعد انتهاء الجنازة العسكرية أمام مسجد آل رشدان، وانصراف الرئيس حسني مبارك .. وضع الجنود النعش على الأرض، وانصرفوا .. لقد انتهت المأمورية !! ليتولى الطيبون من أهل مصر حمل الجثمان إلى عربة دفن الموتى من منطلق " إكرام الميت دفنه"؛ لتنتهي أسطورة رجل احترف "لعبة الغموض" !!