جواهر العلوم بكتاب "الكونفوشيوسيّة والقانونيّة" للصيني شيون تسي
صدر حديثًا عن مؤسّسة الفكر العربيّ، النسخة العربية لكتاب "شيون تسي بين الكونفوشيوسيّة والقانونيّة" للفيلسوف والمعلّم الصيني شيون كوانغ -والمعروف باسم شيون تسي-، وذلك ضمن سلسلة "حضارة واحدة".
ويعد الكتاب أحد أهمّ المؤلّفات الفكرية الكلاسيكية الصينية التي تعود إلى أواخر عصر الدول الصينية المُتحاربة، أي قبل الميلاد بأكثر من مئتي عام.
وينقسم الكتاب إلى 32 فصلاً، ويتميّز بسعةٍ وعمقٍ في الأفكار، واستخلص المؤلّف جواهر المدارس الفكرية المتعدّدة في تاريخ الصين القديم، كالمدرسة الكونفوشيوسية والمدرسة التاوية والمدرسة الموهية، والمدرسة الشرعية، واستوعب جواهر العلوم المتنوّعة، كعلم الطبيعة وعلم السياسة وعلم الاجتماع وعلم الاقتصاد والفلسفة والعسكرة والأدب، حتى استحقّ أن يكون هذا المؤلَّف سِفراً جامعاً لبانوراما الحال الفكرية والثقافية في أواخر عصر الدول المتحاربة في الصين.
وينتقد الكتاب نظريّة منشيوس التي تقول "إن الإنسان خيّر بطبعه"، موضِحاً مفهومَه الاجتماعي المتعلّق بالطبع الشرّير للإنسان؛ وإن نظريّة "الطبع الشرّير للإنسان"، وهي أشهر نظريّة بين نظريّات "شيون تسي" الفكريّة، هي أيضًا حَجَر الزاوية في أطروحاته السياسية.
ويركز "شيون تسي" في كتابه على التعليم والتأثير البيئيّ، داعيًا إلى البحث عن المعلّمين الفاضلين واختيار الأصحاب النُجباء المميَّزين من جهة، ومُتقصّياً الأدوار التي تقوم بها السياسات في إطار "توكيل الملك بالسلطة، وتبيين الأدب والمروءة لتهذيبه، وتفعيل القوانين والأحكام لتنظيمه، وتشديد الجنايات والعقوبات لتقييده" من جهة ثانية.
أما في المسائل المتعلّقة بنظرية السياسة، فيتحدّث "شيون تسي" عن المُثل العليا لسلطة الدولة المركزيّة، وذلك حتى يصبح كلّ ما في العالم موحّداً، أو من ضمن أسرة واحدة.
كما ركّز على تمجيد الآداب وتشديد القوانين وتقدير الفاضلين وتنصيب القادرين ومكافأة المناقب ومعاقبة الجرائم.
واعتقد "شيون تسي" أن الأساس لتنظيم الدولة هو نظام الدرجات المتمثّل في أنّ بين النبلاء والدهماء درجات، وبين الكبار والصغار فوارق، ولكلّ من الفقراء والأغنياء أو الضؤلاء والعظماء مبادئ لائقة بهم، والسبيل إلى إغناء الدولة هو تأسيس الزراعة والاهتمام بها، وتوسيع المنابع، مع تقليص المصاريف، وتيسير الشعب مع توفير التكاليف.
وفي المسائل المتعلّقة بنظرية المعرفة، يعتبر "شيون تسي" أنّ القدرة على معرفة الأشياء هي في الغالب من طبع الإنسان؛ والقابلية للمعرفة هي سُنّةُ الأشياء. ورأى أنّ للإنسان قُدرة على معرفة الأشياء الواقعية، وللأشياء الواقعية قابلية للمعرفة، غير أنّه يرتكب الأخطاء دائماً، فهو مُعتاد على النظر إليها من طرفٍ واحد ويُغَشَّى بجزئيّة واحدة، حتى يكون جاهلاً عن كليّة كاملة؛ فلا بدّ له من أن يصل إلى درجة التفريغ والتركيز والتهدِئة، لكي يعرف سنن الطبيعة ومبادئ الحكم معرفة صحيحة، حتى يُسمّى بأعظم عاقل بيِّن.
كما يولي "شيون تسي" اهتماماً خاصّاً بأدوار "التنفيذ"، مؤكّداً أنّ الإنسان في معرفته لا يكتفي إلى حدٍّ بعيد بالفهم، بل يعتبر "التنفيذ" غاية ونهاية للمعرفة، حيث قال إنّ ما فهمه، ليس خيراً مما نفَّذه، ودراسته تبلغ غايتها إذا وُضعتْ موْضعَ التنفيذ، وهذه الوحدة بين المعرفة والتنفيذ لها مغازٍ عميقة في تاريخ الفلسفة الصينية.
ويعتبر "شيون تسي" من أفضل كتَّاب النثر في تاريخ الصين، ويرى أنّ الكتابة لا بدّ لها من أن تمتاز برونق أدبيّ، وتعتني بتنميق الألفاظ، وتكون مُتناوبة في البواطن والظواهر للطقوس والمراسم والعواطف والآلات، مؤكّداً على ضرورة مطابقة الأقوال للمبادئ، وضرورة مطابقة العبارات والكلمات للأدب والمروءة.
وترجم الكتاب للغة العربية البروفسور وانغ يويونغ (فيصل)، أستاذ اللّغة العربيّة وآدابها في جامعة شانغهاي للدراسات الدولية في الصين، وراجعته البروفسورة تشي مينغمين (ليلى)، أستاذة اللّغة العربية وآدابها في جامعة الدراسات الأجنبية في العاصمة الصينية بكين.
وتعد هذه المرّة الأولى التي يُترجم فيها كتاب "شيون تسي بين الكونفوشيوسيّة والقانونيّة" إلى العربيّة، بعدما تُرْجِمَ إلى ثلاث لغات أجنبية هي الإنكليزية واليابانية والألمانية.