رضوى عاشور.. "السيدة راء" التي حررتها الكتابة
"سيدة قليلة الجسد يتعبك تتبع خطاها، تهدم السور الفاصل بين الجامعة وعموم الناس، تظنها على مرتفعها الأكاديمي فتراها على أسفلت الميدان.. وتظنها في شوارع وسط البلد فتلقاها في غيوم "غرناطة" وتظنها تجلس مع أبى جعفر تجلّد الكتب بخطوط الذهب، أو تدبر الحيل المذهلة مع "مريمة"، فتلقاها تأخذ بيدك إلى شاطئ "الطنطورة" وتقول لك ضع قلبك هنا، ودعه هنا، وارسم غدك من هنا، كي تعود إلى هنا، إلى الساحل الأول" .. هكذا يصف مريد البرغوثي زوجته الكاتبة رضوى عاشور التي تحل اليوم ذكرى وفاتها الثانية.
ولدت رضوى عاشور في القاهرة، سنة 1946، ودرست اللغة الإنجليزية في كلية الآداب بجامعة القاهرة، وبعد حصولها على شهادة الماجستير في الأدب المقارن، من نفس الجامعة، انتقلت إلى الولايات المتحدة حيث نالت شهادة الدكتوراه من جامعة ماساتشوستس، بأطروحة حول الأدب الإفريقي الأمريكي.
في 1977، نشرت رضوى عاشور أول أعمالها النقدية، الطريق إلى الخيمة الأخرى، حول التجربة الأدبية لغسان كنفاني، وفي 1978، صدر لها بالإنجليزية كتاب جبران وبليك، وهي الدراسة نقدية، التي شكلت أطروحتها لنيل شهادة الماجستير سنة1972.
اشتغلت، بين 1990 و1993 كرئيسة لقسم اللغة الإنجليزية وآدابها بكلية الآداب بجامعة عين شمس، وزاولت وظيفة التدريس الجامعي والإشراف على الأبحاث والأطروحات المرتبطة بدرجتي الدكتوراه والماجستير.
الكتابة
"الكتابة تأتي، تأتي من تلقاء نفسها فلا يتعيّن عليّ سوى أن أقول مرحبًا وأفسح لها المكان" هكذا تتحدث رضوى عاشور عن الكاتبة.
اختارت رضوى، من الكتابة سلاحًا للمقاومة فهي تكتب ما تريد لا يهمها أن تكون أو لا تكون.
رغم أنها توقفت عن الكتابة في بداية حياتها وعاودت المحاولة عام 1980 وهي على فراش المرض، بعد أن وجدت بداخله هزيمتهما، ولذلك أمسكت بالقلم وكتبت.
وتقول رضور عن الكتابة: "اكتب لأني أحب الكتابة، أقصد أنني أحبها بشكل يجعل سؤال "لماذا؟" يبدو غريبًا وغير مفهوم.
كتبت رضوى العديد من الأعمال التي رسخت في قلوب عاشقيها، وكانت أول ما كتبته وهي طالبة مصرية في أمريكا عام 1983، والتي أتبعتها بإصدار ثلاث روايات "حجر دافئ، خديجة، وسوسنوسراج"، واعقبتها بالمجموعة القصصية "رأيت النخل" سنة1989.
في عام 1994، توجت رضوى عاشور رحلتها الإبداعية بإصدارها لروايتها التاريخية "ثلاثية غرناطة"، والتي حازت بفضلها على جائزة أفضل كتاب على هامش معرض القاهرة الدولي للكتاب.
ونشرت ما بين 1999 و2012 أربع روايات ومجموعة قصصية واحدة، من أهمها رواية الطنطورية عام 2011، ومجموعة تقارير السيدة راء القصصية.
حازت في 2007، على جائزة قسطنطين كفافيس الدولية للأدب في اليونان، وأصدرت سنة 2008، ترجمة إلى الإنجليزية لمختارات شعرية لمريد البرغوتي بعنوان "منتصف الليل وقصائد أخرى".
المقاومة
"هناك إحتمال آخر لتتويج مسعانا بغير الهزيمة، ما دمنا قررنا أننا لن نموت قبل أن نحاول أن نحيا" هذ العبارة من أشهر ما كتبت رضوى عاشور والتي تنطبق على جزء كبير من حياتها، فكانت دائمًا محبة بالحياة فقاومت مرض السرطان خمسة وثلاثين عامًا.
لم تكن هذه العقبة الوحيدة في حياتها، حيث عانت أسرتها من التشتيت أثناء حكم الرئيس أنور السادات، فمنع زوجها الفلسطيني مريد البرغوثي من الإقامة في مصر.
رضوى ومريد قصة حب لا تنتهي :
"أنت جميلة كوطن محرر" هكذا كان مريد يرى رضوى، بدأ اللقاء على سلم جامعة القاهرة، حين تسلل بنبرات صوت هادئة واثقة تحمل بين طياتها كلمات مسجعه عبرت أذنيها وتجد طريقها سريعًا إلي وجدانها وقلبها الصافي، فتلتفت لترى صاحب الصوت الذي حملها بكلماته إلي عالم آخر، وتكون تلك النظرات بداية علاقة حب استمرت إلى 45 عامًا لم يستطع حتى الموت أن يفرق بينهما.
احتلت العقبات قصة حب رضوى ومريد، لكن سرعان ما تبددت هذه العقبات مع أول مقابلة تمت بين مريد ووالد رضوى اكتشف والد رضوى أنه لا مبرر لخوفه.
"مريد ورضوى" كتبا بحبهم أعظم قصة حب ونضال، بعد أن اجتمعا في عش الزوجية إلا القدر جعل حبهما لاجئ ما بين دولة واخرى، فبعد اعتراض مريد البرغوثي على زيارة أنور السادات لإسرائيل أمر أنور السادات بترحيله فهاجر مريد وترك حبيبته ظل مريد يسافر من بلد إلى أخرى مهاجرًا كونه فلسطيني.
ظلت الزوجان يتقابلان كما يتقابل العشاق سرًا إلا أن عاد مريد، لكن عقبة جديدة لاحت في الأفق وهو المرض، فأصيبت رضوى بمرض السرطان وظلت تعاني منه، ودنت في روايتها "أثقل من رضوى" مساندة مريد لها في رحلة علاجها.
"بيتي الآن بلا جدران" كلمات كتبها مريد البرغوثي بعد رحيل رضوى عاشور.
لا وحشة في قبر رضوى
أطلقت رضوى عاشور على روايتها ثلاثية غرناطة اسم " لا وحشةَ في قبر مريمة" ولكن بعد رحيلها أصبح الجميع يردد "لا وحشة في قبر رضوى"، ولكنها تركت وحشة في عالم الأدب والكتابة.
من أشهر ما قالت:
"الأرواح تتآلف أو تتنافر هكذا لأسباب لا أحد منا يعلمها"
"الأموات يحتاجوننا كما نحتاجهم، إن لم نوافهم بالسؤال يثقلهم الحزن و تركبهم الوحشـة".
"المدن العربية متشابهة إلى حد التطابق".
"الكتابة لا تقتل".
"اختزال الحياة إلى مأساة خالصة، منزلق إلى الكذب".
"الحكايات التي تنتهي ، لا تنتهي ما دامت قابلة لأن تروى".
"الجمال يؤنس وحشة الروح".