النقشبندي.. سيد المداحين
أخبرنا أن لله تدبيرا لأمر طوته عن المشاهدة الغيوب، لكونه يغيبُ وذو اللطائفِ لا يغيبُ، مدح الإله وذاب عشقًا فيه عندما غرد بـ جل الإله وبمولاي، صوته كان ومازال يخبر المسلمين بقدوم شهر رمضان عندما كان يداعب آذان الملايين وقلوبهم بابتهالاته خلال الشهر، طلب من الله له ولنا أن يهب له هدى ويطلق لسانه، إنه سيد المبتهلين الشيخ سيد محمد النقشبندي، الذي تحل اليوم الذكرى الـ 41 لرحيله.
وصُف النقشبندي لما حققه من تراث في المدح بأنه أستاذ المداحين، لكونه صاحب مدرسة متميزة في الابتهالات، تمكنت من خطف قلوب وأرواح الكثير من الهائمين في حب الإله، فتربع على عرش الإنشاد الديني كأحد أشهر المنشدين والمبتهلين.
في عام 1920 استقبلت محافظة الدقهلية تحديدًا في حارة الشقيقة بقرية دميرة، خبر وﻻدة صوت من أفضل من أنجب الإنشاد الديني، انتقل النقشبندي مع أسرته إلى مدينة طهطا في جنوب الصعيد ولم يكن قد تجاوز العاشرة من عمره.
كانت طهطا بداية احتكاك النقشبندي بالدين، حيث حفظ القرآن الكريم على يد الشيخ أحمد خليل قبل أن يستكمل عامه الثامن وتعلم الإنشاد الديني في حلقات الذكر بين مريدي الطريقة النقشبندية، والتي نسبت إلى الشيخ سيد هو محمد بهاء الدين النقشبندي الذي نزح من بخارى بولاية أذربيجان إلى مصر للالتحاق بالأزهر الشريف، ووالده أحد علماء الدين ومشايخ الطريقة النقشبندية الصوفية.
ولكلمة نقشبندي معنى في حب الله، فهي مكونة من مقطعين هما "نقش" و"بندي" ومعناها في اللغة العربية القلب، أي "نقش حب الله علي القلب"، النقش بند بالفارسية، و هو الرسام أو النقاش والنقشبندي نسبة إلى فرقة من الصوفية يعرفون بالنقشبندية.
تجول النقشبندي في الموالد التي كان يجذبه إليها حلقات الذكر، فكان يتردد على مولد أبو الحجاج الاقصري وعبد الرحيم القناوي وجلال الدين السيوطي، وحفظ أشعار البوصيري وابن الفارض.
وبين محبي الليالي الدينية بدأ النقشبندي قطف أولى ثمار الشهرة ففي عام 1955 استقر في مدينة طنطا، وذاعت شهرته في محافظات مصر والدول العربية، حيث سافر إلى حلب وحماه ودمشق لإحياء الليالي الدينية بدعوة من الرئيس السوري حافظ الأسد، كما زار أبوظبي، الأردن، إيران، اليمن، إندونسيا، المغرب العربي ودول الخليج ومعظم الدول الأفريقية والآسيوية، وأدى فريضة الحج خمس مرات خلال زيارته للسعودية.
زادت شهرته بعد أن بثت الإذاعة المصرية عملا تحت اسم الباحث عن الحقيقة سلمان الفارسي حيث أدى النقشبندى قصائد العمل، بدأ ذلك اﻷمر في عام 1966 فكان النقشبندي بمسجد الإمام الحسين بالقاهرة والتقى مصادفة بالإذاعي أحمد فراج فسجل معه بعض التسجيلات لبرنامج "في رحاب الله"ثم سجل العديد من الأدعية الدينية لبرنامج "دعاء" الذي كان يذاع يوميا عقب أذان المغرب، كما اشترك في حلقات البرنامج التليفزيوني "في نور الأسماء الحسنى".
خلف النقشبندي تراثا من الابتهالات الدينية التي لحنها له العديد من الملحنين منهم محمود الشريف، سيد مكاوي، بليغ حمدي، أحمد صدقي، حلمي أمين، ومن أهم تلك الأعمال وأشهرها”أيها الساهر، أغيب، موﻻي، رب هب لي هدى، يارب إن عظمت ذنوبي، جل الإله، سبحانك يارب، ربنا”.
أقر العديد من محبي النقشبندي بعظمة صوته فوصفه الدكتور مصطفى محمود في برنامج العلم والإيمان قائلًا "إنه مثل النور الكريم الفريد الذي لم يصل إليه أحد" وأجمع خبراء الأصوات على أن صوت الشيخ الجليل من أعذب الأصوات التي قدمت الدعاء الديني، فصوته مكون من ثماني طبقات، وكان يصل الجواب وجواب الجواب وجواب جواب الجواب، وصوته يتأرجح ما بين الميترو سوبرانو والسبرانو.
بعد رحيل النقشبندي عن عالمنا يوم 14 فبراير 1976 إثر نوبة قلبية، حصد عددا من التكريمات، حيث كرمه الرئيس الراحل محمد أنور السادات عام ١٩٧٩م بمنحه وسام الدولة من الدرجة الأولى، بعد وفاته بثلاث سنوات كما كرمه الرئيس حسنى مبارك بمنحه وسام الجمهورية من الدرجة الأولى في الاحتفال بليلة القدر عام 1989.