صلاح الدين الأيوبي.. «البطل» أم «الحقير».. من المنتصر؟

كتب: آية فتحي

فى: ميديا

14:17 13 مايو 2017

"صلاح الدين الأيوبى من أحقر الشخصيات في التاريخ الإنساني، قام بجريمة ضد الإنسانية ضد الفاطميين وعزل الرجال عن النساء، فانقطع نسل الفاطميين في مصر بعد توليه الحكم، وحرق مكتبة القصر الكبير والتي تعد في هذا الوقت أكبر مكتبة في العالم لدواعي سياسية واهية وهي محاربة الفكر الشيعي"..

 

بهذه العبارات الصادمة شن الروائي يوسف زيدان هجومًا على شخص القائد التاريخي صلاح الدين، خلال لقائه ببرنامج "كل يوم" الذي يقدمه الإعلامي عمرو أديب، بالإضافة لمقال صحفي سابق تحت عنوان "الناصر.. أحمد مظهر"، الذي كتب فيه أن الأيوبي ليس بالشكل الذى قدمه الفيلم.

 

وبين هجوم عدد من أساتذة التاريخ وتأييد مثقفين لتصريحات زيدان، اختلف الموقف حول وصف صلاح الدين الأيوبي بأحقر الشخصيات التاريخية، في الوقت الذي ارتبط اسمه منذ الصغر بصورة ذهنية لبطل أعاد  بيت المقدس إلى أحضان المسلمين بعد قرابة قرن من الاحتلال الصليبي، وهو ما نرصده في هذا التقرير

 

اقتطاع جزء من تاريخ صلاح الدين

 

"المؤرخ لا يستخدم عبارات أحقر.. وأسوأ..وأفضل..ليست من لغة المؤرخ.. وإنما هي أقرب ما تكون إلي نميمة القهاوي".. بهذه العبارة بدأ محمد عفيفي، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، بكلية الآداب جامعة القاهرة حديثه حول تصريحات يوسف زيدان.

 

واستنكر عفيفي في تصريح خاص لـ"مصر العربية" " اقتطاع يوسف زيدان لجزء من تاريخ صلاح الدين الأيوبي ليهاجمه بأسلوب غير علمي على الإطلاق، فالأيوبي كأي شخصية تاريخية له إيجابيات وسلبيات، ومن عدم المنهجية أن نتحدث عن شخصية تاريخية تمثل رمزًا كبيرًا للأمة، دون النظر إلى كل جوانب عصرها، بهدف الشهرة الإعلامية".

 

ومن كتاب التاريخ الذين تحدثوا عن شخص صلاح الدين الأيوبي بحيادية، ذكر عفيفي على سبيل المثال وليس الحصر الدكتور سعيد عبد الفتاح عاشور، الذي يعتبر عمدة الدراسات في العصور الوسطى.

 

وعما أثاره زيدان بشأن حرق مكتبة القصر الكبير، أشار عفيفي إلى أن معظم حرائق المكتبات تدور حولها الكثير من الروايات، وكل الروايات الخاصة بحرق المكتبات مشكوك بها.

 

حريق المكتبة كان قبل صلاح الدين اﻷيوبي

 

من جانبه قال جمال شقرة، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة عين شمس، إن:" ما أثاره زيدان حول حرق مكتبة القصر الكبير معلومة تاريخية مغلوطة، فهذه المكتبة حُرقت قبل عصر صلاح الدين الأيوبي".

 

و أعرب شقرة في تصريح خاص لـ "مصر العربية" عن أسفه لهجوم يوسف زيدان على شخصية قومية مثل الأيوبي، تلك الشخصية التي صورت في الكتب الأوروبية بأنه فارس نبيل من فرسان العصور الوسطى.

 

وأكد شقرة على وجهة نظره بأن يوسف زيدان يحاول هدم بديهيات ومسلمات توصلت إليها كتب علمية، سواء كانت كتب عربية أم أجنبية، ويحاول خلق فرقعات إعلامية لتسليط الضوء عليه من فترة ﻷخرى.

 

ونصح شقرة من يريد الاطلاع على تاريخ الأيوبي الحقيقي أن يطلع على دراسة الدكتور أحمد درويش التي تحمل عنوان "صورة صلاح الدين الأيوبي في الآداب الشعبية الأوروبية"، والتي جمع فيها آراء العلماء الذين كتبوا عنه.

 

يوسف زيدان لم يهن رمز تاريخي

وعلى صعيد مختلف قال الأديب أشرف الصباغ :" بعيدًا عن شخص زيدان، فإن ما قاله يندرج تحت بند البحث العلمي وحرية الرأي المبني على دراسة ومعرفة، ومدعوم بالحجج التاريخية، ولا يوجد أي داعٍ للتفتيش في ضمير زيدان أو تأويل كلامه في اتجاهات شخصية أو قومية، ولا داعي أيضًا لتوجيه اتهامات إلى الباحث بإهانة الرموز التاريخية أو هدم المقدسات والثوابت والمسلَّمات".

 

وأشار الصباغ في تصريح خاص لـ"مصر العربية" إلى أن زيدان لم يأت بجديد فيما يتعلق بتاريخ الأيوبي، لأن ما قاله، يوجد عشرة أضعافه في كتب التاريخ المختلفة والتي كتبها مؤرخون مختلفون. وهناك أبحاث ومقالات تتحدث عن فترة الأيوبي، تضمنت حوادث تاريخية مختلفة عن كيفية الحكم والأداء والمحيطين بتلك الشخصية، ولكن يبدو أن المجتمع ووسائل الإعلام قد وصلا إلى حالة من الشعوذة والحساسية المفرطة لدرجة أنهما لم يعودا يتحملان أي حديث حول أي شيء.

 

وأوضح أن الكثيرين بدأوا بتناول شخص زيدان والتشكيك ليس فقط في أبحاثه أو جهوده في مجال تخصصه، بل وأيضا في درجته العلمية. وعلى الجانب الآخر، سانده الكثيرون في حقه في إبداء رأيه كباحث ومؤرخ وكاتب على الرغم من عدم اتفاق هؤلاء معه في آراء ووجهات نظر كثيرة.

 

وأضاف أن زيدان ينتمي لتلك الشخصيات التي تقتحم المناطق الشائكة، وتكشف عن المسكوت عنه. هذا بصرف النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا معه. فالرجل في نهاية المطاف تحدث عن شخصية تاريخية لها وعليها، ولا داعي لتضخيم الأمور وتوجيهها إلى مستوى قضية الرأي العام.

 

وتابع: أنا لا أريد السخرية من الناس الذين تنتهي حدود معرفتهم بصلاح الدين الأيوبي كأحمد مظهر، أو عيسى العوام كصلاح ذو الفقار، ولا أود التطرق إلى حالة الوعي المتدني الذي يدفعنا إلى ما نتصوره ثوابت ومقدسات عبر الأفلام والمسلسلات، والإصرار على التأويل غير الدقيق، يبدو أننا قد وصلنا إلى تلك المرحلة المتدنية من الوعي والحياة التي تجعلنا نبحث عن مقدسات من الماضي، وثوابت ومسلمات وهمية، كل شيء خاضع للبحث العلمي والتاريخي وإعادة النظر والتحليل وإعادة القراءة.

 

الناصر صلاح الدين.. فيلم دعائي فج

وبالاتفاق مع الصباغ أكد الروائي محمد زهران في تصريحات خاصة لـ"مصر العربية" أن "هذه الضجة التي أثيرت حول حوار زيدان تكشف مدى ما نرتع فيه من جهل، واعتيادنا على إلغاء العقل واختلاق يقينيات نؤمن بها ونمنحها قداسة لا تقبل المساس بها بحجة الحفاظ على  ثوابت الأمة".

 

وسخر زهران من الأمر قائلًا: "من المضحك أنه ليس العامة فقط بل حتى المثقفون يستقون معلوماتهم عن صلاح الدين من فيلم دعائي فج، أنتج في بدايات ثورة يوليو لتملق قائد الثورة وخلق هالة أسطورية حوله، وربطه بشخصية تاريخية لها بريق عند العامة، فكانت الهالة المقدسة التي رسمت حول صلاح الدين هدفها تحويل ناصر في أذهان العامة لزعيم ملهم مؤيد بقوى غيبية، وهو القادر على قهر اليهود كما قهر صلاح الدين الصليبيين".

 

وتابع "للأسف ساهم الفيلم في تزييف التاريخ وخلق هذه الصورة الأسطورية لصلاح الدين، رموز كبار من كتابنا فالقصة ليوسف السباعي ومعالجة الحوار لنجيب محفوظ والسيناريو لعبد الرحمن الشرقاوي".

 

وأضاف أن يوسف زيدان لم يقدم جديدًا ولا يطرح رؤية من عنده، فالرجل قارئ جيد للتراث، وما قاله هو نتيجة قراءات متأنية لكتابات عشرات من المؤرخين العظام الذين عاصروا الفترة الزمنية للعصر الأيوبي ومن بعدها العصر المملوكي، ولكتاباتهم مصداقية عالية، وفى الدوائر البحثية نتباهى بمصداقيتهم وعبقرية ما تركوه لنا، ونذكر منهم المؤرخين العظام، تقي الدين المقريزي وابن تغرى بردى وابن إياس وغيرهم عشرات المؤرخين.

 

واستنكر زهران اﻷمر قائًلا:لم يعد هناك من يكلف نفسه عناء البحث والتدبر أو حتى إعمال العقل، وسنظل هكذا ردود فعل غوغائية على كل ذي عقل يحاول تحريك مياه البركة الآسنة، بأن يرمى فى البركة حجرًا يجعلنا ننتبه ونعيد لعقولنا فضيلة التفكير.

 

وأكد زهران أننا نحتاج ثورة لتنقية تراثنا مما به من أساطير وخرافات، وهالات مقدسة منحناها لشخصيات لا تستحق، لكن هل نملك اليوم الجرأة لفعل هذه الثورة واستخدام عقلنا فيما خلق له؟ حتى يحدث ذلك سيظل أمثال زيدان ممن يفكرون ويتدبرون، في نظرنا شياطين، عند تعريتهم لجهلنا نلقمهم بحجر ليصمتوا لنعود لنرتع في نعيم جهلنا.

 

اعلان