محمد برادة: على المبدعين التحرر من وصايا الأنظمة.. والنهضة العربية أجُهضت لهذه الأسباب
قال المفكر والروائي المغربي "محمد برادة"، إن "ثقافة الانهزام" تجتاح المجتمعات العربية منذ مدة ليست بالقصيرة، وهذا بدا من استحالة مواكبة التطور، وتغييب معنى ومفهوم الانتصار عن العقلية العربية، التي هي انهزامية بطبعها.
وأشار برادة، خلال مشاركته بأمسية ثقافية بمنتدى عبد الحميد شومان الثقافي، إلى أن الفضاء العربي بما هو عليه من تباينات في التفاصيل، هو فضاءً موسومًا بـ "الانهزام"، كونه لم يفلح في بناء مجتمعات ديمقراطية تترجم تطلعات الدولة المدنية.
ولفت إلى أن صفة انهزام الفضاء العربي، تتأكد بالمقارنة مع حركة الفضاء العالمي المذهلة التي نقلت تاريخ وقيم الإنسانية من مستوى حضارة الزراعة والصناعة إلى مستوى غير مسبوق في جميع المجالات، يعتمد الرقمية والذكاء الاصطناعي.
وبيّن أن التغاضي عن تحديد السياق العربي يبرر في الغالب بأنه نوعًا من الهروب إلى الأمام، من خلال طرح أسئلة وقضايا لا تقترب من عمق الإشكالات التي تراكمت في الفضاء العربي منذ نهاية القرن التاسع عشر ضمن سيرورة "إجهاضات النهضة العربية"، التي توالت عبر مد وجزر وانتصارات متوهمة.
وأوضح برادة، أن هناك محاولات من مفكرين ومبدعين لامست إشكالية التغاضي عن تحديد السياق العربي، وأن هناك العديد من الجهود التي وضعت "الأصبع" على الطريق المؤدية إلى النهوض، ابتداء من عبد الرحمن الكواكبي ومصطفى عبد الرزاق صاحب "الإسلام وأصول الحكم" وصولاً إلى مجموعة من المفكرين.
وتابع: "آثرت الحديث عن الثقافة العربية في سياق الانهزام، لكيّ أذكر بواقع تاريخي، اجتماعي وسياسي تعيشه أقطار الفضاء العربي منذ عقود، لكن أجهزة السلطة تتجنب الإشارة إليه وتحرص على الايهام بأن مجتمعات هذا الفضاء تعيش في سياق طبيعي مثل بقية الأقطار التي تجر قاطرة العالم وتواجه أسئلة العولمة والانفجار المعرفي ومفاجآت الثورة التكنولوجية والذكاء الاصطناعي".
وذكر برادة، إن هزيمة 1967 نبهت المثقفين والمبدعين إلى أن التحالف مع أنظمة مستبدة أو متخدرة من ثورات فوقية لا يمكن أن تستجيب إلى مطمح التغيير الاجتماعي والسياسي القادر على فتح طريق النهوض المطلوب في مجتمعات الفضاء العربي.
هذه الهزيمة، حسب برادة، افرزت "طلاقا" بين السياسي والثقافي؛ وهو ما جعل الثقافة والإبداع يستعيدان حرية النقد والانتقاد دون تقيدٍ بوعود وطنية وقومية فاقدة لشروط التحقق.
ودعا برادة، إلى تحرير المثقفين والمبدعين من وصاية الأنظمة، ومن سطوة الأيديولوجيات الخانقة، وفتح الطريق أمام النقد الجريء وإعادة النظر في التنظيرات على ضوء الأسئلة التي يفرزها الواقع المتحول باستمرار، وعلى ضوء ما يعرفه عالم اليوم من قفزات متتالية في العلم والثقافة والصراع على قيادة العالم.
وأوضح أن سياق الانهزام الذي نعيشه، أظهر بجلاء أن التصورات الثقافية والسياسية التي ارتكزت إليها الأنظمة الحاكمة في الفضاء العربي أفضت إلى الانهزام وتأزيم الأوضاع.
ونبه برادة إلى أهمية دور المثقفين والمفكرين في إنجاز الإصلاح وبلورة مساكن التحول، بما أن التاريخ العربي سجل، على مدار عقود، مواقف مشرفة لمثقفين دفعوا ثمنًا فادحًا نتيجة ذلك، تمثلت في السجن والتعذيب والقتل والنفي.
وبرادة، مواليد العام 1938، يعيش حاليا في جنوب فرنسا، ويزور وطنه المغرب بانتــظام. يحمل الاجازة في اللغة العربية وآدابها في جامعة القاهرة. له مؤلفات عديدة، منها "محمد مندور وتنظير الـنقد العـربي"، "سـياقات ثـقافية"،" الرواية ذاكرة مفتوحة"، "لعبة النسيان"، "الضوء الهارب"، امرأة النسيان"، وغيرها.
أما "شومان"؛ فهي مؤسسة لا تهدف لتحقيق الربح، تعنى بالاستثمار في الإبداع المعرفي والثقافي والاجتماعي للمساهمة في نهوض المجتمعات في الوطن العربي من خلال الفكر القيادي والأدب والفنون والابتكار المجتمعي.