«أورجانزا».. صفعة على وجه المجتمعات المكبوتة
"كأنني أسير على موجات هذا العالم وحدي، أخشى أن أغفل لثانية فأغرق، مقيد اليدين معصوب العينين، أمشي متوقعاً الهلاك في كل لحظة وحين لا يحدث ذلك ، لا أستطيع الفرح لأنني أدرك أنني إن لم أمت الآن ستهلكني اللحظة القادمة"... كلمات من أجواء رواية "أورجانزا" والصادرة عن مجموعة النيل العربية للنشر والتوزيع، للإعلامية وفاء شهاب الدين.
تمثل رواية "أورجانزا" ثورة على عادات وتقاليد المجتمع المتهالك الذي يفرق في معالجة أخطاء الرجال والنساء، المجتمع الذي تدق طبوله عند خطأ الرجل لميلاد ذكر جديد بينما يجهز أكوام الحصى عقابًا لخطأ الأنثى.
و"أورجانزا" صفعة قاسية للمجتمعات المكبوتة التي تقاس بها مهارة الرجل بمدى مغامراته وكم من القلوب تحطم تحت قدميه.
وتعد رواية "أورجانزا" التعاون الثاني بين الكاتبة وفاء الدين شهاب ومجموعة النيل بعد رواية "طوفان اللوتس".
وتستمد الروائية المصرية عالم قصتها الرمزية من التباس العلاقة بين الرجل والمرأة في مجتمعاتنا العربية في ظل قيم وأعراف وتقاليد صارمة، لافتة إلى أن المرأة المحبة منبوذة يحاربها الجميع، وتظل تسعى للحب وتناضل من أجل نيل حبيبها متوهمة أنها تصل حريتها.
وضمن هذه المفارقة والرواح بين الرغبة في الامتلاك والرغبة في الرحيل، تخط الكاتبة حرقة هذا الذهاب والرواح وتعيش اللحظة بكل أرقها وعذاباتها، مع أنها كلما خطت إلى الأمام إلا وزاحمها هذا الآخر الذي يسكن فيها إلى الأبد.
ترسم "أورجانزا" عالمًا تورطت به الشخصية المحورية وكان إثمها الأوحد عشقها للحياة، رغم كل قناعاتها ومشاعرها وكل ما مرت به من مآسي إلا أن حب الحياة انتصر بداخلها على كل شيء.
والرواية محاولة جادة لترويض الحياة رغم قسوتها وتآمرها وصدفها الجميلة والسيئة كتبت لتعلم الناس الحب وهو الوسيلة الوحيدة للتعايش والاستمتاع بألم الواقع، والابتسام بسخرية في وجه الخطوب.
تبدأ واقعات السرد من أقصي لحظة تذكُّرية بعيدة في حياة البطلة ليستمر السرد متجها إلى الأمام مقتربا من اللحظة الحاضرة في حياة الشخصية، وما بين الماضي والحاضر، والقريب والبعيد، والعام والخاص، والظاهر والمخفي أو الداخل والخارج، والوصف والبوح، والذاتي والجماعي، والنفسي والواقعي، الريف والمدينة يتشكل العالم السردي من تفاعلات حية بين هذه الثنائيات، ويترسم أمامنا عالم متجنٍ، نفعي، حسي، استغلالي، ذكوري مقابل عالم حالم مثالي نقي تتغياه الشخصية وتتمناه وتحلم به وتفر إليه بمشاعرها، ومن دون أن تنسى أن تجلد الواقع أمامنا.
وتجمع الرواية بين القمع الاجتماعي مع القمع السياسي والاقتصادي، لتواصل المبدعة وفاء شهاب الدين؛ تقديم أعمالها التي دائمًا ما تثير الجدل، لكشفها عن المسكوت عنه في مجتمعاتنا، والخروج على آليات السرد المتعارف عليه، وتسجل وجهة نظرها عن العالم، وتمرر الحقائق عبر ما تكتبه، تكتب قصصًا واقعية، رغم انتمائها إلى عالم الخيال أكثر من الواقع.
"أورجانزا" هي الرواية التاسعة في مشروع وفاء شهاب الدين الأدبي بعد "سيدة القمر، نصف خائنة، مهرة بلا فارس، رجال للحب فقط، تاج الجنيات، طوفان اللوتس، سندريللا حافية، وتذكر دوما أنني أحبك".
ومن أجواء الرواية:
"عالم آخر أكثر رحمة أهفو إليه، أود أن أغمض عينيَ برغبتي لأستريح، تعبت الركض خلف لاشيء، تعبت التظاهر بأنني القوي وأنا أتداعي من الداخل،تعبت الحرب، أشتهي هدنة ألملم بها ما تبقى مني أو حتى أهرب لا يهم! كيف لي أن اهرب؟!".