رسائل ليلى الأطرش للمرأة والمجتمع في «لا تشبه ذاتها»
"كاتبة كرست إبداعها لنشر قيم المحبة والتسامح والعدالة، وللدفاع عن قضايا إنسانية واجتماعية".. بهذه الكلمات بدأت د. أماني سليمان الحديث عن الروائية ليلى الأطرش، في حفل توقيع روايتها الجديدة "لا تشبه ذاتها".
وقالت د. أماني سليمان: إن كتابات "ليلى الأطرش" رصدت مشهد المرأة العربية وأحوالها ومعاناتها من خلال ما أنتجته من أعمال روائية ومقالات ومسرح، جاء ذلك في حفل التوقيع الذي أقيم بمنتدى عبد الحميد شومان الثقافي، وسط حضور جمع من الكتاب والنقاد والمهتمين.
وأضافت أماني سليمان: "في لا تشبه ذاتها، تتناول الأطرش مناطق وقضايا شائكة في الحب والمرض، الذات والآخر، الوطن والاغتراب، الطمأنينة والخوف، والنجاح والفشل.. ثنائيات ومفاصل تؤجج الصراعات على اختلاف مستوياتها".
وعن موضوع الرواية، قالت الروائية ليلى الأطرش، إن "لا تشبه ذاتها" عبارة عن مذكرات كتبتها البطلة لابنتها وطليقها عن طفولتها وصباها وحبها وفشلها وصراعها مع الحياة والمرض، إنها قصة حب أفغانية انتهت بتغريبة إنسانية وزعت فصولها بين كابل ولندن وعمان".
وأوضحت الكاتبة أن الجزء الأكبر من هذه الرواية ذكريات طفلة اقتلع الخوف عائلتها من بلادها إلى بريطانيا، وعن المحاولات الصهيونية لاختراق مجتمعات القبائل والعشائر وسحب المزيد من المهاجرين للعمل في فلسطين فقسمت القبائل طمعا من بعضهم في الهجرة والهروب من الموت والصراعات إلى فرص أفضل.
وأشارت إلى أن الرواية تروي قصة صداقة كبيرة بين الشريفة الأفغانية والتاجرة اليهودية والقبول والتعايش مع انتشار الصوفية قبل أن ينقلب الحال إلى رفض الاختلاف وانتشار التطرف واضطهاد كل مغاير.
ووصفت الأطرش الرواية بأنها "الخوف الإنساني في مناطق الصراعات والتهجير، وهي الانفصام بين التمسك بالقيم الوطنية والنجاح المالي في المهجر، والخوف من فقدان الحب والخوف من الموت حين يحس الإنسان أن رسالته في الحياة تحتاج الوقت فيقاوم المرض، بينما يسابق الحياة".
وقدمت الأكاديمية د. رزان إبراهيم، قراءة نقدية في الرواية الصادرة حديثًا عن دار الشروق، وبينت أن ليلى الأطرش اختارت في هذه الرواية شكل المذكرات لتنقل لنا تجربة طبيبة أفغانية هاجرت مع عائلتها إلى لندن ومن ثم عاشت في عمان مع زوجها الفلسطيني، وكانت المهاجرة التي لم تعرف بؤس الاقتلاع لأنها غنية، ولم تعش معاناة اللاجئات في مخيمات النزوح وحالة الاستغلال التي عاشوها.
وقالت زران إبراهيم: "ما يلفتنا في حكايتها أنها امرأة متمردة مختلفة منذ الطفولة، وأنها كتمت سر مرضها خوفا من النهاية التي عملت على مقاومتها بكل السبل كان أبرزها قرارا اتخذته بأن تكتب سيرتها الصادقة عن نفسها والوطن دون محاباة، لتسجل في النهاية حاجة الإنسان لإرادة قوية تعينه على الاستمرار في الحياة".
واعتبرت أن "لا تشبه ذاتها" من ذلك النوع الذي يمكن التعامل معه باعتباره موطناً لجماليات تغذي الوجود، وتشبع حاجة قارئ الأدب كي يفهم نفسه والدنيا من حوله، فأي فائدة تلك يجنيها خبير بآليات النصوص، عازف عن أدب يبحث أولاً عن المعنى في سؤال مستمر عن الإنسان والعالم؟.
ووجدت أن النص يبحث في قضيتين؛ الأولى تتعلق بأشكال التمرد المتنوعة التي عاشتها حبيبة خلالها سماعها أمها تروي عن طفلة لم تخطط الأسرة لمقدمها، فتغلغلت في روحها بوادر التمرد التي تصاعدت مع إحساسها بالحسد تجاه أختها فردوس التي كانت تفوقها جمالا، أما القضية الثانية، فتتعلق بالهجرة وإشكاليات العيش بين ماضي الوطن وحاضر أرض جديدة لها اشتراطاتها المعقدة.
ولفتت إلى أن واحدة من أعتى أشكال التمرد التي يسهل ملاحظتها في الرواية هي حالة التمرد على المرض من خلال القفز على حدود الجسد الضعيف باستخدام مشاعر قوية تحتج وترفض وتتحدى.
وتابعت: "الرواية ناقشت واحدة من أبرز قضايا الثقافة الحالية وهي قضية النفي/ الهجرة التي تنامت بسبب ازدياد عدد المنفيين طوعا أو كراهية هرباً من حالات القمع والظلم القاهرة المفروضة عليهم، فأفغانستان مسقط رأس حبيبة لم تعد موئلاً لحضن وأمان وفرتهما لندن التي بدا لعائلتها أنها ستكون أقل مهانة وقسوة".
وترى رزان إبراهيم، أن "لا تشبه ذاتها" تفتح الباب واسعا للكتابة عن الوضعية البشرية لمن اختار الرحيل عن أرضه، مع التنبيه أن المنفى بات فضاءً روائياً شديد الغنى والأهمية الذي يمكن من خلاله تقديم أكثر من لوحة درامية مؤثرة، خصوصًا حين يمتلئ المنفي بحنين تستيقظ معه مدافن للروح تختفي وراءها ذاكرة ممتدة في ماضٍ بعيد.
من جهته، اعتبر الشاعر والناقد د. راشد عيسى أن روايات ليلى الأطرش تنحاز في عمومها، إلى قيم الجمال والحرية والعدالة، وهي في سبيلها إلى ذلك إنما تجتهد في الكشف عن نماذج من الآلام الاجتماعية ومظاهر القبح والقهر والاستلاب، ولا سيّما الحقوق الإنسانية للمرأة.
وبين عيسى أن في رواية "لا تشبه ذاتها" تظهر شجاعة عالية في الفكر المعاصر؛ كحرية المعتقد وحرية الاختلاف، وتقبل الآخر، وعلاقة الحروب الدينية بالأهداف السياسية وضرورة انتصار المحبة على الكراهية من أجل تعميم حق الإنسان في الحياة الفضلى.
ولفت إلى إن الرواية تضم رسائل اجتماعية وسياسية وأخلاقية تشتبك مع هموم المرحلة الكونية التي أصبح فيها الإنسان سلعة في أيدي القوى الإقطاعية، وهي تروي وقائع حياة أسرة أفغانية ثرية تهاجر من بلادها إلى لندن هروبًا من الحرب الداخلية الشرسة، فتمارس حياتها كما يفعل الأغنياء أينما كانوا. فالمال في الغربة وطنٌ أيضًا.
وأكمل: "هذه الأسرة الغنية المتنفذة من إحدى قبائل البشتون العريقة المتذبذبة في معتقدها الديني وسلوكها الاجتماعي بين اليهودية والإسلام، والأم تعود إلى نسب شريف في جذرها لعلي ابن أبي طالب، لكنها تشارك في نادي الليونز وتصلي في المسجد، والكنيس اليهودي وهي صديقة حميمة لسارة التاجرة اليهودية، والأب زعيم بارع في النفاق لجميع السلطات السياسية والدينية، لحماية حياته مستندًا إلى ثروته المالية الواسعة".
ووفق منظور عيسى، فإن المؤلفة أظهرت في "لا تشبه ذاتها" أثر العنف الديني المتأتي عن مكائد السياسة في نشر الخوف والإرهاب بين عامة الناس، وتهجيرهم عن أوطانهم وحرمانهم من حقوقهم الحياتية، وفي الوقت نفسه أبرزت بشكل فني أهمية فكر جلال الدين الرومي وعمر الخيام، في بعث الروح الجمالية في الانسان، وهو فكر أشد تأثيرًا من فرق الصوفية التي تحدثت عنها الرواية أيضًا كـ"النقشبندية والحشتية"، وغيرهما.
يذكر أن ليلى الاطرش؛ صدر لها العديد من الأعمال، منها "وتشرق غرباً"، "امرأة للفصول الخمسة"، "يوم عادي وقصص أخرى"، "ليلتان وظل امرأة"، "مذكرات نساء على المفارق"، و"ترانيم الغواية"، كما حصلت على العديد من الجوائز، منها جائزة الدولة التقديرية في الآداب، وجائزة جوردن أوورد كأحسن روائية أردنية.
أما "شومان"؛ مؤسسة ثقافية لا تهدف لتحقيق الربح، تعنى بالاستثمار في الإبداع المعرفي والثقافي والاجتماعي للمساهمة في نهوض المجتمعات في الوطن العربي من خلال الفكر القيادي والأدب والفنون والابتكار.