ذكرى ميلاد "فارس الديمقراطية"..خالد محيي الدين معاصر جميع الرؤساء
تحل اليوم ذكرى ميلاد "فارس الديمقراطية" كما لقبه البعض أو كما كان يلقبه الزعيم الراحل جمال عبد الناصر بـ"الصاغ الأحمر"، فهو أحد الضباط الأحرار، وعاصر جميع الرؤساء بداية من محمد نجيب حتى الرئيس عبد الفتاح السيسي، واستطاع أن يترك ورائه تاريخا طويلا من النضال يخلد ذكراه، إنه "خالد محي الدين".
كان خالد محي الدين من الستة الأوائل الذين كونوا تنظيم الضباط الأحرار، وأحد أقطاب التيار اليساري الاشتراكي في مصر، وقضى أغلب عمره بين العمل السياسي والعسكري، حتى تُوفي في مايو 2018.
مولده ودراسته
ولد خالد محيي الدين في محافظة القليوبية عام 1922، وتخرج من الكلية الحربية عام 1940، وفي 1944 أصبح أحد الضباط الذين عرفوا باسم تنظيم الضباط الأحرار، الذين أطاحوا بحكم الملك فاروق سنة 1952، وكان وقتها برتبة صاغ، ثم أصبح عضوا في مجلس قيادة الثورة.
لم يكتف الضابط السابق برتبته العسكرية، بل حصل على بكالوريوس التجارة، مثل كثير من الضباط الذين سعوا للحصول على شهادات علمية في علوم مدنية بعد الثورة وتقلدوا مناصب إدارية مدنية في الدولة.
نضال وثورة
خاض محيي الدين حرب فلسطين عام 1948 وانضم إلى تنظيم سري للضباط مناهض للحكم الملكي في البلاد.
وشارك في ثورة يوليو عام 1952 ضمن حركة "الضباط الأحرار" وكان وقتها برتبة صاغ أو ما يعادل رتبة رائد حاليا .
وروى خالد محي الدين في مذكراته، دوره فى تحرك الضباط الأحرار 23 يوليو 52 قائلا:"كانت ابنتي سميحة مريضة، وكانت تحتاج إلى رعاية خاصة وإلى التردد على الطبيب، ولم أكن أمتلك من الوقت ما يكفى لذلك، وبعد الغداء وبلا مقدمات قلت لسمير – (زوجته) –: " أنا سأخرج فى الساعة الثامنة وإذا لم أعد فى الصباح يكون شيئًا خطيرا قد حدث، فإما سأموت أو سأعود منتصرًا".
ويضيف:"خرجت إلى بيت ثروت عكاشة حيث تناولنا عشاءنا بهدوء ونزلنا فى التاسعة والنصف، ثروت توجه إلى قواته، واتجهت أنا إلى الكتيبة الميكانيكية .. ولأنها كانت كتيبة تحت الإنشاء فقد كان الضابط النوبتجى"باشجاويش " وكنت أنا ضابط عظيمم المنطقة.
وتابع:"قبل أن أتحرك بقليل أتانى عثمان فوزى مسرعًا، وقال إن اللواء حشمت قائد اللواء المدرع قد حضر إلى السلاح، وإنه من الضرورى أن أتحرك دون انتظار لساعة الصفر.
وكان العساكر قد تم إيقاظهم فى الساعة العاشرة والنصف وجهزت اللوارى والأسلحة والذخيرة، وفيما أشعر بحيرة بسبب نقص الذخيرة، كان حسبن الشافعى يحقق وعده لى.. فى الساعة الحادية عشرة تقريبًا حضر الضابط ممدوح إسماعيل ومعه الذخيرة المطلوبة وقال بالإنجليزية حتى لا يُفهم الجنود: اللواء حشمت تم القبض عليه".
واستطرد محى الدين: وشعرت باريتاح، وأحسست أن ثمة توفيقًا من الله يحل بنا وبحركتنا.. وأصدرت الأمر ..تحرك، وما أن سمعت صوت الموتورات حتى انتظمت معه دقات قلبى وكأنها تتحرك معه.. ومعها دقات قلوب أربعمائة جندي وهم قوتي التى أتحرك بها.
خلافه مع عبد الناصر
لقبه عبد الناصر أو أطلق عليه وصف " الصاغ الأحمر" في إشارة إلى توجهات محيى الدين اليسارية، ولكن نشب الخلاف بينه وبين عبد الناصر ومعظم مجلس قيادة الثورة، حين دعا رفاقه في مارس 1954 إلى العودة لثكناتهم العسكرية لإفساح مجال لإرساء قواعد حكم ديمقراطي.
وجاءت فى استقالته بحسب ما ذكره خالد محي الدين في مذكراته:"حضرة المحترم وكيل مجلس الثورة: أتشرف بتقديم استقالتي من عضوية مجلس الثورة، ولا أستطيع إزاء ذلك أن أؤدى خدمات لبلادى وللشعب المصرى العزيز علينا جميعًا مادمت باقبًا بهذا المجلس، لأنني قد فقدت القوى الدافعة على العمل، نتيجة أنني أرى أن أقل ما كنت تصبو إليه نفسى من أفكار ومبادئ لا أستطيع تنفيذها أو المساعدة على تنفيذها، بل وأرى الاختلاف والتباين بين رأي ورأي جميع الزملاء اعضاء مجلس قيادة الثورة".
وقد كانت سبب تلك الاستقالة وفق ما جاء فيها هو اعتراضه على تعديل قانون العمل الفردى الخاص بالفصل التعسفى أى الفصل بلا مبرر.
وأشار محي الدين إلى أنه كتب هذه الاستقالة كى يزيح عن كاهله عبئًا ثقيلا، ورفضها جمال عبد الناصر.
"نفيه خارج البلاد"
وظلت الخلافات بين عبد الناصر والصاغ الأحمر، حتى وصلت إلى طريق مسدود، فكما يروي في مذكراته :"الحقيقية أن أحداث مارس قد أثمرت نتائج مصيرية.. فلعلها أقنعت الإخوة فى مجلس الثورة إلى أمد طويل التمسك بالنظرية، وعندما قال عبد الناصر: اعتبر أن استقالتك مقبولة، كان يضع خطا فاصلا بيني وبين الزملاء".
وأضاف:"فلو أنه دعاني إلى الاجتماع مع المجلس وتناقشنا كنت سأتمسك بوجهة نظرى وسأحتفظ بها، وأواصل النضال من أجلها فى صفوفهم كما اعتدنا من قبل، لكن الزملاء كانوا قد حسموا أمرهم، وقرروا إما أن أكون معهم فى كل ما يرون وكل ما يقولون .. وإما أن أبعد".
وبعد أن استقال محيي الدين من مجلس قيادة الثورة، إثر هذا الخلاف، اضطر إلى الابتعاد خارج البلاد ليمكث بعض الوقت في سويسرا منذ عام 1954 حتى عام 1957.، ليكن بمثابة منفى اختياري دفعه إليه الضغوط التي كان يمارسها عليه عبد الناصر.
مسيرته النيابية والحزبية
وبعد عودة محي الدين إلى مصر عام 1957 ليترشح لعضوية مجلس الأمة المصري عن دائرة كفر شكر، وفاز في الانتخابات ليشغل بعدها رئاسة اللجنة الخاصة التي شكلها المجلس النيابي في مطلع ستينيات القرن الماضي لحل مشكلة تهجير أهالي النوبة بسبب إقامة السد العالي جنوب مصر.
وأسس أول جريدة مسائية في العصر الجمهوري وهي جريدة المساء، كما تولى رئاسة مجلس إدارة ورئاسة تحرير دار أخبار اليوم خلال عامي 1964 و1965، وهو أحد مؤسسي مجلس السلام العالمي، ورئيس منطقة الشرق الأوسط، ورئيس اللجنة المصرية للسلام ونزع السلاح، حتى أنه حصل على جائزة لينين للسلام عام 1970.
وفي إبريل عام 1976 أسس خالد محيي الدين حزب التجمع العربي الوحدوي، الذي لايزال قائما حتى الآن، وكان عضوا في مجلس الشعب منذ عام 1990 حتى عام 2005 حينما خسر أمام مرشح جماعة الإخوان المسلمين.
مؤسس التجمع
وفى السبعينيات أسس خالد محيي الدين منبر اليسار بعد أن أعلن الرئيس السادات تأسيس المنابر السياسية، الوسط واليمين واليسار، ليؤسس بعدها حزب التجمع في إبريل 1976، واستمر به رئيسا للحزب، حتى اعتزل الحياه السياسية بعد إصابته بالمرض.
وقبل سنوات من اعتزاله العمل السياسي أبى محيي الدين المشاركة في الانتخابات الرئاسية، إذ كان يرى أن الانتخابات لن تكون نزيهة ومشاركته ستستخدم لتبرير شرعية الرئيس مبارك.
معارضته للسادات
وبحسب الكاتب الصحفي عبد الله السناوي، في حديص صحفي لـ"بي بي سي"، فإن حزب التجمع، من خلال الأفكار التي أعلنها زعيمه خالد محيي الدين، كان في طليعة الحركة السياسية المعارضة لسياسة الانفتاح الاقتصادي الاستهلاكي التي أعلنها الرئيس السابق أنور السادات في العام 1974.
وأضاف السناوي "كان محيي الدين يرى ضرورة الاستمرار في حركة التصنيع الكبرى التي بدأها جمال عبد الناصر في حقبة الستينيات، وعارض كثيرا سياسة بيع الأصول الاستراتيجية للمصانع والمنشآت الاقتصادية الكبرى المملوكة للدولة".
وتعرض محيي الدين لانتقادات من جانب السلطة المصرية بسبب اشتراك بعض كوادر الحزب في "انتفاضة الخبز" عام 1977، إذ كان يرى ضرورة الحفاظ مكتسبات الفقراء من العمال والفلاحين، ومحدوي الدخل التي حصلوا عليها بعد ثورة يوليو عام 1952.
كما عارض معاهدة السلام التي أبرمها الرئيس الراحل أنور السادات مع إسرائيل عام 1979، وكان يرى أن إسرائيل مازالت تماطل في تحقيق السلام الحقيقي من خلال استمرارها في احتلال أراض مصرية وعربية، وناهض من خلال حزب التجمع وجريدة الأهالي كل دعوات التطبيع مع إسرائيل واصفا إياها "بالكيان الصهيوني الغاصب".
وخلال فترة حكم محمد أنور السادات اتهمه الرئيس بالعمالة لموسكو، وهي تهمة كانت رائجة فى تلك الآونة ضد اليساريين العرب في حقبتي السبعينيات والثمانينيات، وفي السنوات التى سبقت اعتزاله السياسى أبى المشاركة فى انتخابات رئاسية مزمعة فى مصر متخليًا بشكل طوعى عن قيادة حزب التجمع كوضع نموذج ديمقراطى لتداول السلطة فى الحياة السياسية المصرية.
الآن أتكلم
ويقول المؤرخ المصري المعاصر دكتور محمد عفيفي إن التاريخ "أنصف خالد محيي الدين في هذه الأزمة لأنه عاش وكتب مذكرات بعنوان (الآن أتكلم)، وقد أحدثت زخما سياسيا كبيرا وقتها"، كما عرض وجهة نظره في العديد من المداخلات والبرامج التلفزيونية التي تحدث خلالها عن وجهة نظره التي أبعدته عن الحياة السياسية عدة سنوات قضى بعضها خارج البلاد وتحديدا في سويسرا.
ونشر خالد محيي الدين مذكراته في كتاب "الآن أتكلم"، وهو عبارة عن مذكرات حول حدث تاريخى هو ثورة يوليو، وينقسم الكتاب إلى 25 فصلا منها البدايات، عبد الناصر والإخوان، والخلاف على الزعامة، وغيرها من الفصول والأحداث.
وجاءت مذكرات خالد محيى الدين بعد ٤٠ عامًا من قيام الثورة، بصياغة الأستاذ الدكتور رفعت السعيد وتضمنت قدرًا كبيرًا من الأسرار، مثل: لماذا عارض عبدالناصر التقيد ببرنامج التنظيم، حقيقة العلاقة مع أمريكا، علاقة عبدالناصر وخالد محيى الدين بالإخوان وبالشيوعيين، وصلة السادات بالسفارة البريطانية.
تنبوءه بثورة يناير
وكان زعيم النضال اليساري من أول المتنبئين بثورة 25 يناير حين قال إن نظام مبارك سيظل يضغط أكثر وأكثر حتى ينفجر المصريين ، فالمواطن المصري لايرضى بالذل والهوان مهما حدث.
وبعد ثورة 25 يناير 2011 دخل المناضل اليساري في عزلة وصمت إجباري بسبب حالته الصحية التي تدهورت بحكم سنه ولكن ذلك لم يؤثر في لمعان نجمه.
رغم ابتعاده التام عن أي ساحة إعلامية وتظلله بظل عائلته عادت الأضواء لتتسلط عليه بقوة حينما أصدر الرئيس السابق عدلي منصور قرارا بمنحه قلادة النيل في نهاية عام 2013 .
الرئاسة:ستظل ذكراه
وتوفى خالد محي الدين في مايو 2018 عن عمر يناهز الـ 96 عاما، وقد نعته رئاسة الجمهورية باعتباره رمزا من رموز العمل السياسي الوطني.
وقالت الرئاسة :""لقد كان الفقيد على مدار مسيرته السياسية الممتدة رمزاً من رموز العمل السياسى الوطنى، وكانت له إسهامات قيمة على مدار تاريخه السياسى منذ مشاركته فى ثورة يوليو 1952، وكذلك من خلال تأسيسه لحزب التجمع الذى أثرى الحياة الحزبية والبرلمانية المصرية".
وأضافت:"إن مصر ستبقى ممتنة لإسهامات الفقيد الوطنية وسيرته الخالدة، التى ستظل محفورة فى تاريخ الوطن بحروف من نور لتحتفظ بمكانتها فى ذاكرة العمل السياسى المصرى بكل تقدير واحترام من الجميع".