كل ما تريد معرفته عن «جمال حمدان».. شخصية العام لمعرض الكتاب

كتب: آية فتحي

فى: ميديا

12:17 20 يناير 2020

"إن ما تحتاجه مصر أساسا إنما هو ثورة نفسية، بمعني ثورة علي نفسها أولا، وعلي نفسيتها ثانيا، أي تغيير جذري في العقلية والمثل وأيديولوجية الحياة قبل أي تغيير حقيقي في حياتها وكيانها ومصيرها.. ثورة في الشخصية المصرية وعلي الشخصية المصرية.. ذلك هو الشرط المسبق لتغيير شخصية مصر وكيان مصر ومستقبل مصر"

اختارت اللجنة المنظمة لمعرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ51 والتي ستبدأ في 22 يناير الجاري، الدكتور جمال حمدان، الذي خط تلك الكلمات، شخصية الدورة القادمة للمعرض.

في تاريخ  4 فبراير عام  1928م  في قرية ناي بمحافظة القليوبية ولد جمال محمود صالح حمدان، أحد أبرز أعلام الجغرافيا المصريين، والذي وصف الجغرافيا في أبسط الكلمات عندما قال أنه لا ثقافة بلا جغرافيا، ولا سياسة بلا جغرافيا، ولا تاريخ بلا جغرافيا، لا عمران بلا جغرافيا، ولا اقتصاد بلا جغرافيا.

لم تكن عبقرية جمال حمدان الجغرافية هي الأمر الوحيد الذي لمع اسمه فيه، حيث أنه كان يمتلك قدرة على التفكير الاستراتيجي حيث لم تكن الجغرافيا لدية إلا رؤية استراتيجية متكاملة للمقومات الكلية لكل تكوين جغرافي وبشرى وحضاري ورؤية للتكوينات وعوامل قوتها وضعفها.

من أبرز المحطات في حياة "جمال حمدان" فضحه لأكذوبة أن اليهود الموجودين الآن هم أحفاد بني إسرائيل الذين خرجوا من فلسطين خلال حقب ما قبل الميلاد، وأثبت في كتابه "اليهود أنثروبولوجيا " الصادر في عام 1967، بالأدلة العملية بأنهم ينتمون إلى إمبراطورية "الخزر التترية" التي قامت بين "بحر قزوين" و"البحر الأسود"، واعتنقت اليهودية في القرن الثامن الميلادي.

وصف جمال حمدان إسرائيل في كتابه "استراتيجية الاستعمار والتحرير" بأنها " دولة دينية صرفة، تقوم على تجميع اليهود، واليهود فقط، في جيتو سياسي واحد، ومن ثم فأساسها التعصب الديني ابتداء، وهي بذلك تمثل شذوذاً رجعياً في الفلسفة السياسية للقرن العشرين، وتعيد إلى الحياة حفريات العصور الوسطى بل القديمة".

من التنبؤات التي أثبتت قدرة جمال حمدان على استشراف المستقبل، في الستينات، وبينما كان الاتحاد السوفيتي في أوج مجده، أكدت "حمدان" أن تفكك الكتلة الشرقية واقع لا محالة، وكان ذلك في 1968م، ليتحقق ذلك التنبؤ بعد إحدى وعشرين سنة، وبالتحديد في عام 1989، حيث وقع الزلزال الذي هز أركان أوروبا الشرقية، وانتهى الأمر بانهيار أحجار الكتلة الشرقية، وتباعد دولها الأوروبية عن الاتحاد السوفيتي، ثم تفكك وانهيار الاتحاد السوفيتي نفسه عام 1991م.

بالإضافة إلى ذلك فلجمال حمدان  أيضًا توقعات تثبت قدرته على  استشراف المستقبل، وذلك عندما توقع سعي الغرب لخلق صراع مزعوم بين الحضارات من أجل حشد أكبر عدد من الحلفاء ضد العالم الإسلامي، فأكد أن الغرب سوف يستدرج خلفاء الإلحاد والشيوعية إلى صفه لتكوين جبهة مشتركة ضد العالم الإسلامي والإسلام، باعتبارهم العدو المشترك لهم، وهو ما تحقق بالفعل، ، في إطار ما بات يعرف بالحرب على الإرهاب.

حصل جمال حمدان على العديد من الجوائز الأدبية منها "جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية سنة 1986م، جائزة التقدم العلمي سنة 1992م من الكويت، وجائزة الدول التشجيعية في العلوم الاجتماعية عام 1959م، وسام العلوم من الطبقة الأولى عن كتاب "شخصية مصر" عام 1988م".

لا نجد في السيرة الذاتية لجمال حمدات تولية للمناصب؛ لأنه عُرضت عليه كثير من المناصب الكبيرة في مصر وخارجها لكنه اعتذر عنها جميعاً مفضلاً التفرغ للبحث العلمي، منها ترشيحه عام 1983م لتمثيل مصر في إحدى اللجان الهامة بالأمم المتحدة، عضوية مجمع اللغة العربية، ورئاسة جامعة الكويت.

تزدحم المكتبة العربية بالعديد من الكتب التي أنتجها الفكر الإبداعي لجمال حمدان منها " موسوعة شخصية مصر: دراسة في عبقرية المكان 4 أجزاء، دراسات في العالم العربي، القاهرة، أنماط من البيئات، دراسة في جغرافيا المدن، القاهرة، المدينة العربية، بترول العرب، الاستعمار والتحرير في العالم العربي، اليهود أنثروبولوجيا، العالم الإسلامي المعاصر، 6 أكتوبر في الاستراتيجية العالمية".

 

توفي جمال حمدان نتيجة حادث غامض، حيث وجدت جثته والنصف الأسفل منها محروقاً، وعلى الرغم من أن الظنون كلها ذهبت إلى أنه توفي نتيجة الحريق، إلا أن يوسف الجندي مفتش الصحة بالجيزة أثبت في تقريره أنه لم يمت مختنقاً بالغاز، ولا بسبب الحريق.

وما أكد الشكوك الجنائية للوفاة اختفاء مسودات بعض الكتب التي كان بصدد الانتهاء من تأليفها، وعلى رأسها كتابة عن اليهودية والصهيونية، وكشف في وقت لاحق رئيس المخابرات السابق أمين هويدي أن لديه ما يثبت أن الموساد الإسرائيلي هو الذي قتل جمال حمدان.

ومن الأفكار التي طرحها جمال حمدان نقرأ:

" واحد من أخطر عيوب مصر هى أنها تسمح للرجل العادى المتوسط، بل للرجل الصغير بأكثر مما ينبغى وتفسح له مكانا أكبر مما يستحق، الأمر الذى يؤدى إلى الركود والتخلف وأحيانا العجز والفشل والإحباط.. ففى حين يتسع صدر مصر برحابة للرجل الصغير إلى القميء، فإنها على العكس تضيق أشدَّ الضيق بالرجل الممتاز.. فشرط النجاح والبقاء فى مصر أن تكون اتّباعيًّا لا ابتداعيًّا، تابعًا لا رائدًا، محافظًا لا ثوريًّا، تقليديًّا لا مخالفًا، ومواليًا لا معارضًا.. وهكذا بينما تتكاثر الأقزام على رأسها ويقفزون على كتفها تتعثر أقدامها فى العمالقة وقد تطؤهم وطئًا".

" المأساة الحقيقية في ذلك أن مصر لا تأخذ في وجه هذه الأزمات الحل الجذري الراديكالي قط، و إنما الحل الوسط المعتدل، أى المهدئات و المسكنات المؤقتة، و النتيجة أن الأزمة تتفاقم و تتراكم أكثر، و لكن مرة أخرى تهرب مصر من الحل الجذري إلي حل وسط جديد، و هكذا.

بعبارة أخرى، مأساة مصر في هذه النظرية هى الاعتدال، فلا تنهار قط، و لا هي تثور أبداً، و لا هى تموت أبداً، و لا هى تعيش تماماً، إنما هى فى وجه الأزمات و الضربات المتلاحقة تظل فقط تنحدر و تتدهور ، تطفو و تتعثر ، دون حسم أو مواجهة حاسمة تقطع الموت بالحياة أو حتي الحياة بالموت، منزلقة أثناء هذا كله من القوة إلي الضعف و من الصحة إلي المرض و من الكيف إلى الكم و أخيراً من القمة إلى القاع".

 

اعلان