فصل فنان بتهمة ازدراء الأديان.. ما حيثيات الحكم؟

كتب: محمد الوكيل

فى: ميديا

14:09 05 ديسمبر 2020

قضت المحكمة الإدارية العليا، برئاسة المستشار عادل بريك نائب رئيس مجلس الدولة، بتوقيع عقوبة الفصل على الفنان "ش.م.م.ص.م" فنان أول بالبيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية التابع لوزارة الثقافة.

 

ويأتي القرار على خلفية نشره عام 2017، مسرحية من تأليفه تحت اسم "ألم المعلم يعلم" تضمنت ألفاظا وعبارات تنطوي على ازدراء الدين الإسلامى والمسيحي على السواء والإساءة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بازدراء زوجتين من زوجاته أمهات المؤمنين زينب وعائشة، كما أساء إلى النبي عيسى عليه السلام.

 

وكشفت المحكمة أن الثابت بالأوراق أن الفنان أحمد ماهر والفنان أحمد الكحلاوى أبطال العرض المسرحي "البيت الكبير" تقدما بشكواهما إلى رئيس الإدارة المركزية للبيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية ضد الطاعن "ش.م.م.ص م" عضو الفرقة الغنائية الذي يعمل ممثلا في العرض المسرحي "البيت الكبير" بسبب التجاوزات المسيئة الصادرة منه.

 

وبعد ذلك تقدم 26 فنانًا من أعضاء نقابة المهن التمثيلية بشكوى مماثلة عن ذات الموضوع إلى نقيب المهن التمثيلية ضد الطاعن باعتباره عضوًا بالنقابة لما ارتكبه من ازدراء الأديان.

 

وقالت المحكمة إن الدستور كفل للمواطنين حرية إبداء الرأي والفكر سواء كان ذلك بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غيرها من وسائل التعبير والنشر مثل التمثيل والموسيقى والرسم والنحت وغيرها من أشكال الإبداع الإنساني الذي كفله الدستور أيضًا سواء كان فنيًا أو أدبيًا بحسبان أن ذلك تعبيرًا عما تجيش به النفس وتتوق له الروح وتهفو إليه وهو ما لا يجوز الحجر عليه أو تقييده، على أن يكون ذلك في إطار ما ينظمه القانون وتجيزه الأخلاق ويسمح به العرف السائد في البلاد.

 

وأضافت المحكمة أن الإبداع الفني أو الثقافي هو عبارة عن موقف حر واع من الفنان أوالمبدع يتناول فيه ألوانًا من الفنون والثقافات تتعدد أشكالها وصورها، وتتباين طرائق التعبير عنها، فلا يتناول ما هو نقل كامل عن آخرين، ولا ترديد لآراء وأفكار يتداولها غيره بل يتعين أن يكون بعيدًا عن التقليد والمحاكاة، وأن ينحلّ عملاً ذهنيًا وجهدًا خلاّقًا، ولو لم يكـن ابتكارًا كاملاً جديدًا كل الجدة، وأن يتخـذ كذلك ثوبًا ماديًا فعمل الفنان المبدع لا ينغلق به استئثارًا، بل يتعداه إلى الناس انتشارًا ليصبح مؤثرًا فيهم برسالته نحو قيم الحق والخير والجمال وتكامل الشخصية الإنسانية.

 

وذكرت المحكمة أن البين من الأحكام التى انتظمها القانون رقم 35 لسنة 1978 في شأن نقابات واتحاد نقابات المهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية، تغييها صون حرية الإبداع من خلال أدواتها فى قطاع المهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية، بما يؤدى إلى النهوض بفنون المسرح والسينما والموسيقى والمحافظة على التراث الإنساني والقومي بوجه خاص المصري والعربي في هذه الفنون وتطويرها وفقا لمقتضيات التقدم العالمي بما يجمع بين الأصالة والمعاصرة.

 

ولفتت المحكمة إلى أن المشرع أضفى حماية واجبة للأديان السماوية فجعل ازداء الأديان جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات فجَرم كل من استغل الدين في الترويج أو التحبيذ بالقول أو بالكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي.

 

وأوضحت أن الثابت بالأوراق أن الطاعن بصفته فنان أول بالبيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية التابع لوزارة الثقافة أنه في غضون عام 2017 بوصفه السابق نشر على صفحته بمواقع التواصل الاجتماعى مسرحية من تأليفه تحت اسم "ألم المعلم يعلم" تضمنت ألفاظا وعبارات تنطوى على ازدراء الإسلام والحث على الفتنة الطائفية والإساءة لزوجات النبى عليه الصلاة والسلام فهي ثابتة في حقه ثبوتًا يقينيًا من اعترافه في التحقيقات.

 

وبالاطلاع على نصوص تلك المسرحية فإن الطاعن سلك مسلكًا خطرًا تمثل في أنه أجرى مواجهة بين الديانة الإسلامية والديانة المسيحية وصولا منه أيهما الأصح في الجدال النفسي من خلال بطل المسرحية على النحو الذي ورد بها من ألفاظ تعف المحكمة عن تكرارها ويكون ما ارتكبه الطاعن يمثل ازدراء بالدين الإسلامي والمسيحي على السواء بأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة والتحقير والإساءة لسيدنا عيسى عليه السلام والسيدة مريم البتول، ثم بلغ به الشطط والانحراف بالتجرؤ والإساءة إلى رسول الإنسانية وخاتم المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم من خلال التهكم والإساءة إلى أم زينب بنت جحش إحدى زوجات النبي محمد صلى الله عليه وسلم وابنة عمته أميمة، ثم تناول بالازدراء والإساءة والتجريح أمّ المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصّدِّيق رضي الله عنهما وهو ما يضر بالوحدة الوطنية و السلام الاجتماعي.

 

واستطردت المحكمة أن تقرير الفحص العلمي المعد من مجمع البحوث الإسلامية الإدارة العامة للبحوث والتأليف والترجمة التابعة للأزهر الشريف أكد بأن المسرحية تشتمل على مخالفات شرعية وحث على الفتنة الطائفية وتتضمن ازدراءًا للإسلام مما يتعين بتره من وظيفته بالفصل من الخدمة خاصة وأن الطاعن سبق أن جوزي بالقرار رقم 252 لسنة 2017 بخصم خمسة عشر يومًا من راتبه لخروجه عن النص والتلفظ بألفاظ خادشة للحياء.

 

وبهذه المثابة فإن ما اقترفه الطاعن من إثم وثبت في حقه من جرم وهو يتبوأ مركزاً فنياً يحمل فيه رسالة الفن وتقديم الصورة الصالحة للتقدم بهذا المُجتمع يُعد جريمة أخلاقية بالغة الخطورة وعظيمة الأثر، وتُمثل انحرافًا أخلاقيًا يمس السلوك القويم وحُسن السُمعة مما يفقده ليس فقط الإحترام الواجب بين زملائه الفنانين وجمهوره ولكن يفقده أيضًا الصلاحية لأداء واجبات وظيفته فنيًا وأخلاقيًا، وهذا الفعل ليس له جزاء إلا الفصل من الخدمة، فكان جزاء الفصل جزاءً وفاقًا وعدلاً وقسطاسًا ليذوق وبال أمره، وليكون عبرة لمن تسول له  نفسُه إرتكاب ما نُسب إليه من مُخالفات.

 

واختتمت المحكمة أنه لا يغير من ذلك ما ذكره الطاعن بأن ما كتبه ونشره من قبيل حرية الفكر والرأي وأن حرية الفن هي أساس الإبداع، ذلك مردود بأن الفن رسالة ترتقي بالمجتمع وتنهض به، وعلى عاتق كل فنان مبدع مسئولية كبيرة تجاه وطنه من خلال نوعية ما يقدمه من إبداعات فيكون فنه أداة تأخذ بيد المتلقي إلى أفاق سامية بعيدًا عن الابتذال والإسفاف وازدراء المعتقدات والأديان والسخرية من الرموز الدينية والمقدسات، ويجب على الفنانين الموهوبين المبدعين ألا يتخلوا عن مواقعهم تاركين الساحة الفنية لمن حولوا الفن إلى وسيلة لتخريب العقول والطعن في المعتقدات ومخاطبة الشهوات والغرائز لتدمير قيم وأخلاقيات المجتمع.

اعلان