دائمًا ما نسمع أو نقرأ عن مصطلحي "تعويم الجنيه" و "خفض قيمة الجنيه" ويحدث لبس كبير لغير المتخصصين في الاقتصاد ويتم شرحهما بشكل يشوبه عدم الدقة.
تعويم الجنيه
يعني هذا المصطلح رفع يد البنك المركزي (المسئول عن السياسة النقدية للبلاد) عن العملة بشكل كلي ليتركها تتحرك بكامل حريتها حسب قانون العرض والطلب، وهو يحدث في حالة فقد البنك المركزي السيطرة بشكل كلي، واستنفد كافة ما يملكه من أدوات.
ويحدث ذلك في الغالب عندما تكون هناك مقدمات لأزمة مالية كبيرة تعصف باقتصاد الدولة وربما تجبرها على الإفلاس، كما حدث في تايلاند منتصف عام 1997 كبداية للأزمة المالية الآسيوية المعروفة، إلا أن هذا السيناريو الكئيب بعيد بدرجة كبيرة عن الحالة الراهنة.
تخفيض قيمة الجنيه
إلا أن ما يدار الحديث بشأنه خلال هذه الأيام هو أن البنك المركزي المصري يحاول أن يقترب بسعر العملة إلى السعر العادل أو سعر العرض والطلب، حتى يضمن الاستقرار في أسواق النقد الفترة القادمة بما في ذلك تقليل الفارق بين السعر الرسمي ونظيره بالسوق السوداء. وحتى لا يلجأ للمزيد من استنزاف الاحتياطي النقدي.
إيجابياته
تخفيض قيمة الجنيه يأتي بالفائدة على الصادرات؛ لأنه يعزز قدرتها التنافسية في جانب الأسعار، وكذلك يشكل عامل جذب للاستثمارات الأجنبية في حالة توافر عوامل أخرى كالاستقرار السياسي، وسهولة القوانين المنظمة للاستثمار، والمنظومة الضريبية الجيدة، وارتفاع معدل الشفافية في القطاعين الحكومي والخاص.
أضراره
يضر بالواردات لأن المستورد سوف يضطر إلى دفع مبلغ أكبر من الجنيهات لتحويله إلى دولارات من أجل الاستيراد، فإذا كان يستورد على سبيل المثال بمبلغ مليون دولار، فبالتالي كان يدفع في السابق 9 مليون جنيه تقريباً، إلا أنه الآن بعد هذا التخفيض مضطر إلى دفع مبلغ 10 ملايين جنيه (إذا كانت قيمة التخفيض جنيه) وبالتالي ارتفع المبلغ بمقدار مليون جنيه ليحصل على مليون دولار.
وبالطبع يقوم بتحميل هذه الزيادة إلى سعر السلعة، ليتحملها المستهلك في آخر الأمر، وبالتالي ترتفع معدلات التضخم بنسبة كبيرة الفترة القادمة.
أما إذا كان هناك عجز في الميزان التجاري المصري (قيمة الواردات أعلى من قيمة الصادرات)، فضلا عن أن جزءا كبيرا من الصادرات عبارة عن مواد أولية، فإن هذا التخفيض يفاقم عجز الميزان التجاري.
كما أن عوامل جذب الاستثمارات الأجنبية غير مكتملة، وهو ما ظهر جلياً بعد أكثر من عام على انعقاد مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي، وبالتالي فالفائدة في هذه الجزئية ستكون محدودة.
الدين الخارجي
ويترتب على تخفيض قيمة الجنيه ارتفاع الدين الخارجي للدولة؛ لأنها سوف تضطر إلى دفع مبلغ أكبر من ذي قبل حتى يتم مبادلته بالدولار من أجل سداد الديون أو خدمة الدين، فإذا كانت الدولة مدينة بمبلغ مليار دولار على سبيل المثال، والذي يعادل نحو 9 مليارات جنيه، يصبح بعد التخفيض (لوكان جنيه مثلا) 10 مليارات جنيه.
القوة الشرائية
لو قلنا إن قيمة الجنيه انخفضت بنشبة 15% فإن القوة الشرائية للجنيه انخفضت بنفس القيمة مرة واحدة، وهو ما يتجاوز ما يفعله معدل التضخم في عام كامل، وبالتالي تآكلت قيمة المدخرات بنفس النسبة دفعة واحدة.
فمن كان يملك مثلا مبلغ ألف جنيه مثلاً أصبحت القيمة الحقيقية لهذا المبلغ حال خفض قيمة الجنيه حوالي 855 جنيه تقريبا، ونقيس على ذلك الفوائد على الإيداعات سواء في البنوك أو المشروعات القومية المختلفة، وكذلك الرواتب بالجنيه المصري.