نيويورك تايمز عن أزمة السكر في مصر: الشعب هَيْطَقْ

تكدس مواطنين بالقاهرة لشراء سكر مدعوم من شاحنة حكومية

"مصر المحبة للحلوى تعاني من أزمة سكر .. الشعب هَيْطَقْ"

عنوان اختارته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في تقرير مطول لها حول النقص الشديد في السكر وتداعياته على المجتمع المصري.   وإلى النص الكامل  

اعتاد المصريون تحلية أكواب الشاي بملعقة أو ثلاث أو خمس ملاعق من السكر، السلعة الرئيسية التي طالما تقترن بالدعم الحكومي لها بالنسبة لمعظم السكان.  

السكر هو المكون الأساسي لوجبة أم علي، بل أنك قد تشعر أنه العنصر الوحيد بها.  

وكذلك، يعد السكر  سببا رئيسيا في إصابة نحو خمس المصريين بداء السكري.  

أسابيع من النقص الواضح لتلك السلعة أصابت الشعب بالذعر.  

أزمة السكر سرعان ما اختزلت الغضب المختمر ضد إدارة  الرئيس عبد الفتاح السيسي للاقتصاد وحكمه ككل.  

وقال أحمد الجبالي صاحب محل سلع تموينية مدعمة في بولاق،  مبتعدا عن زبائن يطلبون الحصول على سكر: "الشعب هيطق".  

وأضاف متحدثا عن السيسي: "لم يعد أحد يستطيع الوقوف بجانبه بعد الآن، السكر مثل الأرز والنفط والقمح، سلع لا يمكن احتمال نفادها، ولا تستطيع أبدا العبث معها، هل يقدر المرء على الحياة بدون سكر؟"  

ما زال مترنحا من الاضطراب السياسي والهجمات المسلحة التي أعقبت انتفاضة 2011، يعيش الاقتصاد المصري حالة سقوط حر، إذ لم يعد الجنيه يساوي أكثر من 6 سنتات في السوق السوداء، نحو نصف القيمة التي كان عليها في ذات الوقت من العام الماضي.  

السياحة كذلك انهارت، وانخفضت تحويلات المصريين العاملين في الخليج، وتناقصت إيرادات قناة السويس.  

معدل التضخم لامس مستوى 15.5 % في أغسطس الماضي.  

المملكة السعودية اتخذت قرارا بتعليق إرسال شحنة منتجات نفطية مدعمة في شهر أكتوبر، ما أثار مخاوف من تدهور العلاقات مع  حليف دعم مصر بأكثر من 25 مليار دولار منذ صعود السيسي إلى السلطة عام 2014.  

السكر ليس السلعة الأساسية الوحيدة الشحيحة في السوق، إذ أن أزمة العملة أثرت على القوى الشرائية الاستيرادية.  

زيت الطهي اختفى من الأسواق لفترة هذا العام، بحسب بعض السكان، وكذلك لبن الأطفال، كما أن هنالك نقصا في إمدادات الأرز.  

بعض الناس عبروا عن شكواهم من عدم استطاعتهم العثور على أدوية معينة، أو  من الارتفاع الصاروخي لتكلفة الدواء.  

امرأة  مصرية تجهز كوب شاي محلى بالسكر  

السيسي، الذي يقبع تحت ضغوط إصلاح الاقتصاد، يتعرض للوم،  جراء النقص في السكر ،والسلع الغذائية الأخرى المدعمة التي يعتمد عليها المصريون منذ الحرب العالمية الأولى.  

لقد خفض  السيسي حصة الدعم في الموازنة هذا العام بنسبة  14 %،  لتتراجع إلى مستوى  8.7 مليار دولار، بحسب أهرام أونلاين.  

وقال الرئيس في مقابلة حديثة مع الصحف القومية: "هذه التخفيضات وقرارات أخرى كانت حتمية لإنقاذ الوضع الاقتصادي".  

ووصف السيسي الوضع الراهن بـ "عنق الزجاجة" ووعد بالخروج منه.  

بيد أن الشعب ليس صبورا، وتعتريه حالة من اليأس.  

السعر الرسمي للسكر تجاوز ما يعادل 15 سنتا للرطل، بعد أن كان يلامس مستوى 6 سنتات فقط قبل عامين، وفي السوق السوداء يزيد ثلاثة أضعاف.  

ونفد السكر في المتاجر الصغيرة منذ أسابيع، بينما تحدد المتاجر الكبيرة كيلو جراما واحدا  لكل شخص.  

وأنشأت الحكومة خطا ساخنا للمواطنين للإبلاغ عن المكتنزين لتلك السلعة، وألقت الشرطة القبض على رجل لحيازته 10 كيلوجرامات من السكر، وفقا لصحيفة الأهرام القومية.  

إتش. إيه هيلر، الباحث بـ "أتلانتك كاونسل" علق قائلا: "إنها الأزمة الأسوأ التي أستطيع تذكرها على مدار حياتي، أعتقد أن الجميع يعتريه القلق من تكرار انتفاضة الخبز التي اندلعت عام 1977".  

هيلر يقصد الاحتجاجات الشهيرة التي أعقبت محاولات الرئيس الراحل محمد أنور السادات إلغاء نظام الدعم.  

من جانبه، قال عمرو علي، أستاذ الاجتماع في الجامعة الأمريكية بالقاهرة :" لقد كانت المحاولة الوحيدة، الدعوم غير قابلة للمساس، إنها بمثابة "كريبتونايت".  

88 % من المصريين، أو 80 مليون نسمة مشتركون بنظام البطاقات التموينية الإلكترونية.  

وفي دولة ربع سكانها فقراء، ويدبر فيها ملايين العاملين بالكاد احتياجاتهم الأساسية، تمثل البطاقات التموينية حبل إنقاذ.  

الحكومة كذلك تدعم الماء والكهرباء والغاز للجميع.  

أحمد كمال، مساعد الوزير المسؤول عن الدعوم،  ألقى باللوم على القطاع الخاص، ونقص العملة الصعبة، وزيادة الأسعار العالمية للسكر.  

كمال  لفت إلى أن مستوردي القطاع الخاص كان يتوقع  منهم جلب جزء من إجمالي 800 ألف طن سكر ينبغي على  مصر شرائها سنويا، ما يمثل ربع الاحتياجات السنوية للشعب من السكر، البالغة 3.2 مليون طن، إلا أن الهدف لم يتحقق هذا العام.  

وأردف كمال أن المشكلة تفاقمت جراء تخزين أصحاب البيزنس للسكر، ووسائل الإعلام التي تؤجج الذعر، مضيفا أن الحكومة ما زالت تمتلك احتياطيا من السكر يكفيها 4 شهور.  

بيد أن القليل من ذلك متوفر في بولاق، حيث قال الجبالي صاحب متجر السلع المدعمة الوحيد بالمنطقة، والذي يضطر لصرف الزبائن بعيدا: "كل ما أقوله طوال اليوم، مفيش سكر، مفيش سكر، بكرة، بكرة، بكرة".  

وخاطبه رجل كبير السن بدا عليه التذمر: "انت ما عندكش غير كلمة بكرة بكرة!".  

ستة متاجر سلع تموينية مدعمة مرخصة أغلقت أبوابها بالمنطقة، بحسب السكان،  تفاديا لقمع الشرطة، لكنها تفتح أحيانا لبيع السكر بصورة غير مشروعة لتجار الحلوى  والمقاهي والمواطنين.  

وألقت مباحث التموين  القبض على اثنين من تجار السكر بالمنطقة، وفقا لمواطنين.  

سمية عويس،37 عاما، ذكرت أنها توقفت عن إعداد الأرز باللبن، وجبتها المحببة، وقللت معدل شربها للشاي.  

وفي صباح أحد الأيام، قامت سمية عويس بضرب ابنها الصغير ذي الأعوام الأربعة، بسبب إمساكه بوعاء السكر، لكن ماذا عساها أن تفعل مع زوجها؟  

واستطردت وهي تلطم على وجهها: "ربنا يخرب بيته، إنه يضع السكر في كل شيء".  

وبالنسبة لتلك المرأة، شأنها شأن المواطنين الآخرين، يأتي النقص في السكر بعد شهور من الصعوبات المتزايدة، لا سيما وأن زوجها عامل متجول يجد الأمرين لتوفير ما يعادل دولارين يوميا. وقللت العائلة معدلات طعامهم لعدم القدرة على تحمل أسعار الغذاء المتزايدة، مثل البطاطس، التي تكلف ما يعادل 26 سنتا أمريكيا للرطل، بعد أن كان سعرها 5 سنتات منذ أسابيع عديدة.  

ومضت تقول، بينما تشير إل ذراعيها النحيفتين: "أفقد بعضا من وزني".  

حبوب منع الحمل المدعمة التي تستخدمها سمية اختفت من الأرفف لمدة أسابيع هذا العام، وبعد ظهورها مجددا ارتفعت تكلفة إمدادات شهر منها  إلى ما يعادل دولارين بعد أن كانت لا تتجاوز 1.3 دولارا.  

السياسي الليبرالي محمد نصير كتب قائلا: "نقص السكر ربما يكون نعمة نظرا لمشكلات مصر مع البدانة وداء السكري".  

وواصل نصير في افتتاحية بموقع ديلي نيوز إيجيبت: "العجز في السكر المقدر بـ 80 % قد يمثل الكمية التي نحتاج إلى تقليصها فيما يتعلق بالاستهلاك".

 

وأضاف: "إذا تمكنوا من استهلاك كميات معقولة، قد يستطيع المصريون تحمل شراء سكر غير مدعم".  

وقال مراهق أمام متجر الجبالي في بولاق: "لقد اكتشفت سر عدم وجود سكر، حتى لا يصاب أحدا بمرض السكر"، لكن تعليقه وجد تجاهلا من المتواجدين.  

الفيديوهات المتعلقة بتلك الأزمة جرى مشاركتها بشكل واسع النطاق على السوشيال ميديا.  

وفي أحد هذه الفيديوهات، انتقد سائق توكتوك، يدعى مصطفى عبده، الرئيس السيسي قائلا: "قبل الانتخابات الرئاسية كان عندنا سكر يكفينا".  

وسرعان ما حذفت قناة الحياة  الفيديو من صفحتها على فيسبوك، لكنه حظى بـ 4.7 مليون مشاهدة في صفحة أخرى.  

وتابع سائق التوكتوك: "بيطلعوا على التلفزيون وبيقولوا مصر بتنهض.. والمواطن الفقير مش لاقي كيلو  رز في الشارع".  

وفي فيديو آخر، أضرم رجل النيران في جسده بالإسكندرية، صارخا: "مش لاقي آكل".  

عمرو علي، أستاذ الاجتماع، نوه إلى أن حالة المواطن السكندري أول محاولة انتحار حرقا على الملأ منذ الثورة التي أسقطت الرئيس مبارك عام 2011.  

واختتم قائلا: "يظهر ذلك أن المشكلات الرئيسية لم تجد حلولا بعد".

 

مقالات متعلقة