عهد عربى جديد

أحمد بهجت صابر

قال ضاغطاً على حروفه وبلغته العربية المعهودة " انتهى عهد عربى ويبدأ عهد عربى جديد ", ذلك ما أكده السيد عمرو موسى الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية فى الحفل الذى أُقيم بنقابة الصحفيين يوم 12 من الشهر الجارى لكتاب السيد نبيل شعث.

لا تزال الدول العربية مجتمعة وفرادى تصارع للبقاء على السطح وسط انقسامات تضرب بعضها ( سوريا, اليمن, العراق, ليبيا ) بشدة والبعض الآخر بوطأة أخف, فى ظل غياب بوصلة حقيقية توجه النخب الحاكمة نحو طريق أفضل وسبيل أرشد للحكم, وما يحدث ليس بالجديد على المجتمعات التى تشهد تحولات ضخمة.. ففى مقال للدكتور فواز جرجس أستاذ العلاقات الدولية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسة بجامعة لندن فى عدد يوليو من العام الحالى بمجلة المستقبل العربى التى تصدر عن مركز دراسات الوحدة العربية والذى حمل عنوان " مشهد التمزق فى الوطن العربى " قال " وبالنظر إلى هشاشة المؤسسات فى الساحة العربية وأزمة البنية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية هناك فإن الاضطراب الاجتماعى والسياسى وحتى الحروب الأهلية مما أحاط بالمنطقة بعد الانتفاضات العربية لهو أمر طبيعى ومتوقع وبعض آلام  المخاض فى عالم جديد ", المخيف ما ذكره بأن هذه الحالة من الممكن أن تستمر لعقدين مقبلين, وبالتالى فعلى الجميع – من وجهة نظره – توطين أنفسهم على المزيد من الأزمات !

التعثر الذى تعيشه المجتمعات العربية لم يكن بالطبع وليد الصدفة وإنما نتيجة لتراكمات من التخبط والسياسات الحمقاء ممن أداروا دفة الأمور فى الدول العربية بعد الاستقلال وغياب إجماع حقيقى من " النخب " على سلمية الانتقال والتحول, ولعلّ هذا ما جاء فى الكتاب الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية والمعنون "لماذا انتقل الآخرون إلى الديمقراطية وتأخر العرب ؟ " وهو عبارة عن الأوراق المقدمة باللقاء السنوى الثامن عشر لمشروع دراسات الديمقراطية فى الدول العربية الذى انعقد فى كلية سانت كاثرين بجامعة أوكسفورد فى يوليو 2008 , ففى ورقة قارنت بين بعض التجارب الناجحة لبعض الدول للانتقال الديمقراطى وذلك نتيجة للتوافق بين القوى السياسية التى تنشد التغيير السلمى على نظام حكم ديمقراطى بأسسه ومبادئه وآلياته وضوابطه وضماناته المتعارف عليها, وبين الدول العربية, رأت الورقة ما يلى " ولعل غياب هذا التوافق من أبرز العقبات التى تحول دون إتمام الانتقال إلى الديمقراطية فى عدد من الدول العربية التى شهدت نوعاً من الانفتاح السياسى فى السابق " .

الأخطر فيما تشهده بعض الدول العربية أن يُكرس ذلك للوجود العسكرى الأجنبى على أراضيها نظراً لحالة الاضطراب المتنامى, فالروس موجودون بكثافة فى سوريا ويجرى الحديث عن قاعدة أمريكية بعين العرب " كوبانى ", فضلاً عن القوات الأجنبية ( غربية أو إيرانية ) على أرض العراق, وتواجد قوات أوروبية بشرق ليبيا لمساعدة القوات المنشقة عن حكومة التوافق الوطنى, كل هذا وذاك وسط استمرار الحالة الإقصائية  التى يُنادى بها البعض فى دول عربية أخرى للتخلص من أطراف سياسية بعينها نظراً لتبنيها مشروعاً سياسىاً محدداً, وأيضاً وعدم إنضاج فكرة تجنب استخدام السلاح لحسم القضايا والخلافات, وعلى الرغم من مراوحة تونس والمغرب مكانهما فما تزال بعض الأصوات هناك تنادى بإقصاء تام وكامل لمعارضيهم لا لشىء إلا إنهم لا يتفقون معهم فى الرؤية والفكرة .

ربما لم يتمكن الشباب العربى من تحقيق طموحاته فى اللحظة الآنية وسط أمواج عاتية من الأفكار التى تضرب المجتمعات فى شتى أنحاء العالم, لكن لا يجب أن يُمثل ذلك دافعاً لليأس أو الإحباط, فما تزال الدول العربية بحاجة للمزيد من تغليب صوت العقل والحوار على صوت البندقية, عليهم أيضاً أن يُدركوا بأن أوروبا لم يتسن لها التقدم والرقى والعيش فى حالة من السلام إلا عندما أيقنت تماماً بخطورة استباحة الدماء, ولعل حالة الهلع التى أصابت البعض هناك بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى خير دليل على ذلك, فقد تخوفت هذه الأصوات من عودة الحروب, على الجميع فى الدول العربية إعلاء صوت العقل والتأكيد على حرمة الدماء .

مقالات متعلقة