أثارت التصريحات الأخيرة لرئيس حزب الحركة القومية "دولت بهجلي" جدلا كبيرا في الأوساط السياسية التركية، مُجددّاً حالة النقاش حول تحول تركيا من النظام البرلماني إلى نظام رئاسي بعد توقف الحديث في هذا الشأن إثر محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو الماضي.
ومما زاد المشهد جدلًا؛ سرعة تجاوب حزب العدالة والتنمية الحاكم لتصريحات بهجلي، مما دعا أحزابا معارضة كحزب الشعب الجمهوري إلى اتهام بهجلى بأن دعوته جاءت بالتنسيق مع حزب الحرية والعدلة الحاكم، كما أن هذا التجاوب السريع يعكس رغبة العدالة والتنمية في سرعة إقرار النظام الرئاسي.
بهجلي قال "إن الواقع الحالي للسياسية التركية يتعارض مع الدستور؛ حيث ينص الدستور على أن النظام في البلاد برلماني بينما يتمتع الرئيس التركي فعلياً بصلاحيات واسعة في ما يشبه النظام الرئاسي وهو ما يعد انتهاكا للدستور.
استفتاء الشعب
وكرر "بهجلي" تصريحات مشابهة الثلاثاء الماضي، في كلمة أمام الكتلة النيابية لحزبه قائلا: " الحركة القومية يؤيد الإبقاء على النظام البرلماني مع إجراء إصلاحات فيه، إلا أنه لا يرى بأسا في اللجوء الى استفتاء الشعب التركي بخصوص الانتقال إلى النظام الرئاسي".
كما اقترح بهجلي، تعديلات دستورية تعيد البلاد لنظام برلماني أو تحويل الواقع الحالي إلى أمر رسمي بإقرار النظام الرئاسي في البلاد، مطالبًا حزب العدالة والتنمية الحاكم بتقديم مقترح حول النظام الرئاسي للبرلمان، وهو الأمر الذي تجاوب معه رئيس الحكومة بن علي يلدريم واعداً بتقديم المقترح خلال عشرة أيام.
وردًا على تصريحات رئيس حزب الحركة القومية المعارض دولت بهجلي، قال رئيس الوزراء التركي بن على يلدريم الثلاثاء الماضي، إنه لا يعارض اللجوء إلى الشعب عبر الاستفتاء، لأخذ رأيه "بخصوص الانتقال إلى النظام الرئاسي."
بن على يلدرم رئيس الحكومة وحزب العدالة والتنمية الحاكم
وحول ما إذا كان قد تم التوصل إلى اتفاق بشأن الاستفتاء على الانتقال للنظام الرئاسي، قال يلدريم: إن الكتلة النيابية لحزب العدالة والتنمية، ستعرض على البرلمان التركي مقترحات تشمل تعديلات دستورية وموضوع النظام الرئاسي، وسيكون القرار بيد البرلمان. مؤكدا أن موعد الاستفتاء سيكون في أقرب وقت ممكن.
حزبا الشعب الجمهوري والشعوب الديمقراطية -القومي الكردي- اعتبرا تجاوب العدالة والتنمية لتصريحات بهجلى بناءً على صفقة سرية تمت بينهما وهو ما زاد المشهد إرباكا.
كمال قليتش دار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري
أكثر استقرارا
الخبير في الشأن التركي مصطفى زهران يقول: إن المشهد التركي الحالي ومآلاته تتجه نحو نظام رئاسي سيما بعد محاولة الانقلاب الفاشلة على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مضيفًا، أنّ النظام السياسي الحالي يعاني خللاً في العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، حيث يشكو البرلمان من سيطرة الحكومة، وهو ما يحله الانتقال إلى النظام الرئاسي كما أنه سيجعله أكثر استقرارا.
وأضاف زهران لـ"مصر العربية" أن حزب العدالة والتنمية الحاكم سيستغل كل مكتسباته وما حققه في البلاد من تنمية لإقرار النظام الرئاسي وإقناع الشعب به.
وتابع: بالطبع سيواجه أردوغان معارضة وانتقادات من قبل حزب الشعب الجمهوري وحزب الشعوب الديمقراطي، لكن هذه المعارضة لن تحول أردوغان من إقرار النظام الرئاسي، فالمعارضة لم تعد كالماضي فالانقلاب الفاشل في تركيا كان نقطة فاصلة في تاريخ تركيا الحديثة.
وبحسب تصريحات زهران يرى الحزب الحاكم أن إقرار النظام الرئاسي سيكون للحيلولة دون وقوع أي انقلاب عسكري في المستقبل كما أنه سيسهل العمل بين مؤسسات الدولة.
سيأخذ وقتا
من جانبه، قال الدكتور صلاح لبيب المتخصص في الشأن التركي: إن هناك إشكالية فى الدستور التركي من حيث الصلاحيات التى يمنحها للرئيس فهي محدودة، وهو ما لا يتوافق مع طبيعة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وأضاف خلال تصريحاته لـ"مصر العربية"، أن السياق العام الآن يدفعنا إلى التساؤل، هل يتم إقرار النظام الرئاسي بشكل سريع؟ مجاوبا.. لا أظن بل سيأخذ وقتا، فهناك أكثر من إشكالية تتعلق بتعديل الدستور أو تغييره خاصة فيما يتعلق بوضع الأقليات في الدستور الجديد، كما يجب الأخذ في الاعتبار أن حزب العدالة والتنمية لا يملك من مقاعد البرلمان ما يؤهله للقيام بالتعديل منفردا، لكن على أي حال هناك مؤشرات كثيرة تقول إن التعديل قادم لا محالة.
ويرى لبيب أنه لن يكون هناك توافق كامل بين جميع الأحزاب حول إقرار النظام الرئاسي كاتفاقهم في رفض الانقلاب العسكري، لكن سيكون هناك توافق جزئي بين الأحزاب فى مقابل امتيازات سياسية.
وتابع: أردوغان مارس صلاحيات رئاسة الحكومة لمدت فترتين وهو ما يجعله غير قادر على تقبل أن يكون رئيسا شرفيًا، وهو ما يحدث الآن، فرئيس الحكومة بن على يلدريم منخرط أكثر فى الشأن الداخلى التركي وأردوغان وحيد في المشهد.
وأكّد، أن من أهم أهداف أردوغان أن يكون رئيس تركيا في الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية وأن ينجز مشاريع عديدة تجعل تركيا أكبر قوة إقليمية وهذه الذكرى توافق عام 2023، وهو ما يفسر إصراره على إقرار نظام رئاسي يتيح له صلاحيات واسعة.
وأضاف، أردوغان ترشح لرئاسة الجمهورية في انتخابات 2014 وتم اختياره كأول رئيس منتخب من قبل الشعب مباشرة لمدة خمس سنوات، فإذا تم إعادة انتخابه لفترة رئاسية أخرى وهو ما سعى إليه فسيكون حينئذ رئيس للجمهورية إلى عام 2024 ليدرك عام 2023.
يعجل سير العمل
وفي أكثر من مرة طرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان دعوته إلى انتقال بلاده من النظام البرلماني إلى الرئاسي وإصدار دستور جديد يضمن تحقيق ذلك.
الرئيس التركي رجب طيب اردوغان
وبالرجوع إلى آخر تصريحات أردوغان في هذا الشأن قال في لقاء مع التليفزيون التركي "إن سعي بلاده للانتقال إلى النظام الرئاسي يأتي في إطار تسريع نمو وتطوير الدولة التركية مضيفا أن"النظام الرئاسي سوف يعجل سير العمل ويسرع عملية التنسيق والاتصال بين مؤسسات الدولة".
والنظام الرئاسي هو نظام حكم تكون فيه السلطة التنفيذية مستقلة عن السلطة التشريعية ولا تقع تحت محاسبتها ولا يمكن أن تقوم بحلها، بينما النظام البرلماني هو نوع من أنظمة الحكم ينقسم فيه الحكم بين هيئتين إحداهما الحكومة أو وثانيهما البرلمان الذي يتم انتخاب أعضائه من قبل الشعب مباشرة ومنه تنبثق الحكومة. ويجوز فيه البرلمان سحب الثقة من الحكومة، كما أن دور الرئيس فى النظام البرلماني شرفي إلى حد كبير.