“المصريون يفقدون صبرهم تجاه السيسي بينما يتدهور الاقتصاد".
عنوان تقرير بوكالة أنباء رويترز يتحدث عن الأزمات التي يعيشها المجتمع المصري. وإلى النص الكاملرسم كاريكاتيري على مواقع التواصل الاجتماعي يظهر مصريا غريقا لا يظهر على السطح إلا يديه، ويلوح طالبا النجدة، فيما يظهر الجزء الثاني الرئيس السيسي يأخذ ساعته ويذهب بعيدا.
الكارتون يلتقط حالة اليأس والغضب بين المصريين الذين ضربهم ارتفاع الضرائب وأسعار الطعام وزيادة معدلات التضخم، وانخفاض الدعم الحكومي دعوم الدولة.
البعض يخشى تكرارا لاحتجاجات شوارع جماعية دفعت رئيسين سابقين للسيسي خارج السلطة.
معدل التضخم بلغ حوالي 14 %، وهو أعلى مستوى له في 7 سنوات، كما أن نقص العملات الأجنبية وارتفاع الرسوم الجمركية يضرب بشدة دولة تستورد كل شيء من السكر إلى السيارات الفارهة.
وفي أغسطس الماضي، رفعت الحكومة أسعار الكهرباء بين 25-40 %، مع تطبيق متدرج لضريبة القيمة المضافة التي وافق عليها البرلمان في ذات الشهر.
كجزء من الإصلاحات التي تستهدف حسم قرض صندوق النقد الدولي لتقليل فجوة الموازنة، يتوقع أن تخفض الحكومة دعوم البنزين، وتقلل من قيمة الجنيه، ما يدفع للدخول في دائرة تضخم إضافية في مصر التي يعتمد فيها عشرات الملايين على الخبز المدعم من الدولة.
وقال جمال درويش، موظف حكومي، كان يقف في صف لشراء سكر مدعم: “الأسعار ترتفع يوميا لا شهريا، هذا الوضع سيدفع الناس لفعل أشياء سيئة قد تخرج عن نطاق سيطرة الحكومة، لأنه إذا لم يجد الفقراء ما يأكلونه سيضطرون إلى السرقة. إذا كان شخص ماذا عساه أن يفعل؟" وحاولت الحكومة الحصول على دعم شعبي لإجراءات التقشف من خلال حملات إعلانية وإعلامية ذكرت أنها ستوسع نطاق برامج الدعوم الاجتماعية لحماية الفقراء من تأثير ارتفاع الأسعار.
بيد أن العديد من المصريين غير المؤهلين لتلك الخطط أعربوا عن تذمرهم بأنهم لم يعودوا قادرين على تحمل تكلفة اللحوم، كما أثار العجز في السكر مخاوف من أزمة غذاء وشيكة الحدوث.
العدالة الاجتماعية كانت أحد المطالب الأساسية لمحتجي ثورة 2011 التي أنهت 30 عاما من حكم مبارك.
وفي 2013، ملأ المصريون الشوارع مجددا ضد الرئيس الإخواني محمد مرسي، الذي انتخب بشكل ديمقراطي ، لكن عامه في الحكم اتسم بانقطاع الكهرباء ونقص البنزين والاضطراب الاقتصادي.
وبعد 3 سنوات من قيام السيسي بعزل مرسي، والسيطرة على الحكم، ما زال وعده باستعادة الاستقرار هشا.
وصول شاحنة سكر حكومية تسبب في حالة من الجنون في حي السيدة زينب الثلاثاء الماضي، حيث تكدس الناس، وفي يد كل منهم 10 جنيهات مقابل حصة 2 كجم لكل فرد.
عبد العادل حسيب أحمد محمد، موظف محكمة في منتصف العمر، قال وهو يراقب الزحام الكثيف على السكر: “بعد ثورتين، سار الشعب للخلف وليس إلى الأمام، نتجه لنقطة الانفجار في أي وقت، ولن يكون ذلك سلميا".
لا إجابات سهلةوبالنسبة للحكومة، فإن حالة الإصلاحات الاقتصادية، والحاجة إلى تنفيذ برنامج اقتراض مع صنوق النقد الدولي مدته 3 سنوات بات أمرا واضحا.
ومن المحتمل أن يبلغ معدل النمو الاقتصادي في السنة المالية 2016-17 مستوى 3.5 %، وفقا لاستطلاع رويترز الخميس الماضي، بما يقل عن هدف الـ 5 % الذي وضعته الحكومة، وأقل من معدل العام الماضي.
عجز الموازنة يساوي تقريبا 10 % من الدخل القومي، وتسبب نقص الصرف الأجنبي في زيادة الصعوبة بالنسبة للشركات والمستثمرين الأجانب بترحيل الأرباح، بل أن البعض أغلق أنشطته جراء عامين من القيود على رأس المال والتوريد.
ترشيد الدولار في البنوك دفع الشركات صوب السوق السوداء، الذي يباع فيه الجنيه بأكثر من 15.5 جنيها، ما يتجاوز بشكل هائل سعره الرسمي البالغ 8.8 جنيها.
ولم يمنح صندوق النقد الدولي الموافقة النهائية على القرض، لأن الحكومة المصرية تحتاج أولا إلى جمع 6 مليارات دولار تمويلات ثنائية لتأمين الأموال المطلوبة.
وذكرت الحكومة هذا الأسبوع أنها أمنت 60 % من التمويلات الثنائية المطلوبة، بما رفع الاحتياطي الأجنبي إلى 19.6 مليار دولار في سبتمبر.
محافظ البنك المركزي طارق عامر قال إنه سوف يدرس تعويم الجنيه إذا لامس الاحتياطي الأجنبي حاجز 25 مليار دولار.
الأسعار المتزايدة والعجز الدوري في الغذاء المدعم حكوميا أجبر الحكومة على زيادة مشترياتها، بما يتسبب في الحرق السريع للدولارات المكتسبة.
الانخفاض المستمر لقيمة الجنيه في السوق السوداء منذ إعلان الاتفاق مع صندوق النقد الدولي في أغسطس يشكل أيضا تحديدا كبيرا.
إذا اتخذ البنك المركزي تعديلا هزيلا في سعر الصرف، يتوقع الاقتصاديون أن يستمر الضغط الهبوطي على الجنيه.
وإذا أجرى البنك المركزي تعديلات بين 6- 8 جنيها، قد يكون التأثير السياسي والاقتصادي متفجرا.
التخفيض الكبير للجنيه قد يكلف الحكومة الكثير لا سيما وأنها تستورد آلاف الأطنان شهريا من السلع الحيوية، مثل القمح والنفط من أجل تغذية برامج الدعم الغذائي، وكذلك توفير الوقود في محطات البنزين.
وانتشرت شائعات بأن 11 نوفبر سيكون يوما احتجاجيا على الظروف الاقتصادية.
واعتقلت الشرطة بالفعل 70 شخصا بتهمة التحريض على التظاهر، واتهمت العديد منهم بالولاء للإخوان، التي حظرها السيسي واعتبرها جماعة إرهابية، لكنها تنكر تلك الادعاءات.
من جهته، قال أنجوس بلير، المسؤول بشركة "فاروس القابضة" للاستثمارات المالية : “تضخم سعر الغذاء انخفض قليلا في سبتمبر، لكن بالنسبة للفقير، ما زال في مستوى سام سياسيا، الأمر مقلق لا سيما في ظل دعوات التظاهر في 11 نوفمبر.
افتقاد الرؤيةفي خطاباته، يسعى السيسي إلى إقناع المصريين بأن التضحية الجماعية ضرورية لإنقاذ الاقتصاد من الدمار المالي، حتى أنه حث الناس بالتبرع بالفكة، في تصريح قوبل بسخرية على الإنترنت.
السيسي ، الذي سحق الإخوان المسلمين، وحبس المعارضين العلمانيين، حذر أيضا من أن الجيش يستطيع الانتشار في 6 ساعات حال وجود مشكلات في الشوارع.
لا توجد ثمة علامات حتى الآن بإمكانية حدوث احتجاجات حاشدة مثل 2011 و2013، بالرغم من أن الغضب من زيادة تكلفة الإسكان الاجتماعي تحول إلى مظاهرة شوارع شارك فيها المئات الأسبوع الماضي في بورسعيد، ثغر قناة السويس الإستراتيجية.
المخاوف من المستقبل لا تنحصر على الطبقات الأفقر من المصريين، أو رجال الأعمال الذين يعانون يوميا من أزمة الدولار.
أشرف مرقص، الذي يدير شركة استيراد وتصدير رأى أن أزمة الدولار تجعل البضائع تنتظر في الميناء لفترات طويلة دون القدرة على خروجها إلى الخارج، وتابع: “الدولارات ليست متوفرة، والوضع يتدهور".
بعض السياسات الجديدة تبدو في خصومة مع السياسات الإصلاحية الحكومية، مثل تصريح وزير التموين هذا الأسبوع بأن الحكومة ستزيد ولن تخفض الدعوم المتعلقة بالبطاقات الذكية.
واختتم مرقص: “هذه الحكومة تفتقد أي رؤية، وتتسم بعدم الشفافية حول سياساتها، في هذا الوقت، لا تحتاج الدولة إلى خطابات، بل احتياجاتهم الأساسية من الطعام والشراب".