بعد النجاح الذي ﻻقته رواية "في بلاط الخليفة" للكاتب محمد إبراهيم، أصدرت دار كيان للنشر والتوزيع الطبعة السابعة لها، وطرحتها بالمكتبات. من أجواء بلاط الخليفة نقرأ:- "استند عمر إلى فخذ ابنه عبد الله وقد كان واهنًا بحق.. بصوت علاه الألم قال: إن أنا قُبضت، فاحملونى ميتًا واذهبوا بي إلى عائشة، وقولوا لها إن عمر يستأذن أن يُدفن إلى جوار رسول الله وأبي بكر، فإن أذنت فبها، وإلا فردّوني إلى البقيع. غالب عبد الله بن عمر دموعًا مارقة انسلّت على خده: - هوّن عليك يا أبي.. فقد وعينا قولك. - ويلي وويل أمي إن لم يغفر الله لي. بدا حزن دفين على محيا عبيد الله، وقد رأى ما يقاسيه أبوه وإن عجز لسانه عن النطق، فأجال بصره بينهما. بودٍّ قال عمر: - لتبلغ أم المؤمنين حفصة أني راضٍ عنها، وأسأل الله أن أفارق وهي راضية عني. بدا الإشفاق في لهجة عبد الله: - آتي لك بها يا أبي؟ - الوقت جد قصير يا بني.. وما بقي مثل ما فات. ثم تابع وكأنما يغالب نفسه على النطق: - أشهد الله أني راضٍ عن عاتكة.. نِعم الزوج ونعم ابنة العم.. اللهم إني راضٍ عن أم كلثوم، إليها أصل إلى رسول الله. غالب عبد الله دمعه وقال ملهوفًا: - وأنا يا أبي؟ جال عمر ببصره في ملامح عبد الله وكأنما يتأملها مرته الأخيرة: - أنت يا عبد الله.. والله إني لأزهو بك في الآباء يا بني. تأمل وجه عبيد الله، فقال بود: - وأنت يا عبيد الله أفلا يهمك أن يرضى عنك أبوك؟ أطرق عبيد الله وقد أعياه الجواب، فقال عمر بلهفة: - أتظن حقًا أني أغضب عليك يا بني؟! غالب عمر دمعه وتابع: - أفلا تعلم أباك حقًا؟ والله ما نالكم مني إلا إن أردت أن تخرجوا منها بخير.. والله لو خرجت منها كفافًا لا أجر ولا وزر، إني إذن لسعيد..تأمل اللهفة على وجه ابنه، فقال: والله إني راضٍ عنك يا عبيد الله. لم يستطع عبيد الله أن يغالب دموعه، فتأمل أباه مليًا، ثم انسحب صامتًا. أراد عمر أن يستطلع نظرة أخرى إلى عبد الله، وهو يساله: - هل غربت الشمس؟ - كلا يا أبت لم تغب بعد. - فضع خدي بالأرض. - وهل فخذى والأرض إلا سواء؟ - ضع خدى بالأرض. - يا أبت. (تململ عبد الله). - ضع خدي في الأرض لا أم لك! وما إن استقر خدّه على الأرض حتى علته الشفقة وطاف بذهنه ما طاف، في حين ردد لسانه بصدق، كما كان أبدًا: - ويلي وويل أمي إن لم يغفر الله لي.. ويلي وويل أمي إن لم يغفر الله لي.. - ويلى وويل أمي إن لم يغفر الله لي. ثم غربت الشمس.. فقد كسر الباب.. إلى يوم القيامة".
محمد إبراهيم، روائي وصيدلي مصري، من مواليد محافظة سوهاج ، مدينة طهطا، تخرج من كلية الصيدلة عام 2014، صدرت له روايته الأولى "في بلاط الخليفة" في معرض القاهرة 2015 عن دار كيان.