رصدت مراكز دراسات وإحصاء عالمية، مؤخراً، أرقاماً تشير إلى فشل غزو أمريكا وحلفائها لأفغانستان، في تحقيق أهدافه المعلنة، بعد مرور 15 عاماً عليه، أهمها الفشل العسكري والتنموي وعودة محاصيل الأفيون للانتشار.
فبعد شهر على أحداث 11 سبتمبر 2001، كانت القوات الأمريكية قد بدأت بالانتشار على الأرض في مناطق أفغانية عديدة، ولم يلبث أن يمر شهر آخر حتى سقطت العاصمة، كابل، في 14 نوفمبر بالتحديد، ليعلن الرئيس الأمريكي، في ذلك الحين، جورج بوش الابن، الإطاحة بحكم حركة "طالبان".
فشل أمنيانقضت ولايتا بوش دون القضاء على القاعدة أو طالبان، أو تحقيق استقرار للنظام الجديد في كابل، وجاء باراك أوباما إلى البيت الأبيض بوعود سحب القوات الأمريكية من أفغانستان بعد تحقيق إنجاز ما، وها هي سنواته الثماني على وشك الانقضاء دون تحقيق الحد الأدنى من وعوده، المتمثلة بخفض القوات الأمريكية، البالغة 9800 حالياً، إلى 5500 مع نهاية ولايته.
وبالتزامن مع الانسحاب الأمريكي من العراق، الذي بدأ أواخر 2007 وانتهى أواخر 2011، فإن عدد القوات الأمريكية في أفغانستان أخذ يسجل ارتفاعاً كبيراً، بحسب تقرير لصحيفة "ذي واشنطن بوست" (The Washington Post) الأمريكية، بتاريخ 15 أكتوبر 2015 فقد ذكر التقرير بأن عدد القوات الأمريكية في أفغانستان بلغ 100 ألفاً في الفترة بين منتصف 2010 ومنتصف 2011، مقارنة بـ30 ألفاً حتى عام 2008، قبل أن تبدأ تلك الأرقام بالتراجع مجدداً بعد 2011، مع فشل في تغيير الحقائق على الأرض.
في المقابل، حافظت حركة طالبان على مستوى شبه ثابت من النشاط العسكري، فبحسب مؤسسة دراسات الحرب الأمريكية، المعروفة اختصاراً بـ"ISW"، حافظت الحركة خلال السنوات الماضية، وحتى أكتوبر/تشرين أول الجاري، على نشاط عسكري كبير في أكثر من ثلث مساحة البلاد، وإن اختلفت المناطق التي شهدت ذلك النشاط.
فشل تنمويذكر تقرير نشره مركز الإحصاء التابع لجامعة "أكسفورد" البريطانية، في 18 أكتوبر الجاري، بأن مجموع ما أنفقته واشنطن في أفغانستان منذ مطلع 2011 وحتى نهاية 2015، بلغ أكثر من 8.5 مليار دولار، خصص أكثر من نصفها لمجالات تنموية، خصوصاً في السنوات الثلاثة الماضية.
في المقابل، أشار التقرير إلى الارتفاع غير المسبوق لأعداد اللاجئين الأفغان منذ مطلع عام 2014، فقد فاق عدد طالبي اللجوء الأفغان في أوروبا نظراءهم العراقيين، وقارب أعداد السوريين في بعض المراحل، بالرغم من المسافة المضاعفة التي تفصل بينهم وبين أوروبا مقارنة بالعراق وسوريا.
انتشار محاصيل الأفيونذكر تقرير لمكتب الجرائم والمخدرات التابع للأمم المتحدة (UNODC)، في 5 أكتوبر الجاري، بأن إنتاج الأفيون، الذي يستخدم في صناعة مادة الهيروين المخدرة، قد سجل ارتفاعاً سنوياً "قياسياً"، وذلك منذ أن بدأ المكتب بإصدار تقاريره السنوية عام 1994.
يعد ذلك فشلاً آخر للولايات المتحدة والدول التي شاركت معها في غزو أفغانستان، خصوصاً مع الأخذ بالاعتبار إشارة التقرير إلى أن ما تم إتلافه من تلك المحاصيل يقارب الصفر، بالرغم من وجود حقول كبيرة للأفيون على مقربة من العاصمة الأفغانية كابل.
يمثل ذلك مفارقة كبيرة، ففي مطلع عام 2001، إذ كانت طالبان تسيطر على البلاد، ذكر تقرير للـ(UNODC)، بأن "جميع محاصيل الأفيون في أفغانستان قد تم القضاء عليها"، وهي التي قدرت بـ82 ألف هكتار قبل القضاء عليها، في حين قدرت بـ224 ألف هكتار عام 2014، ويتوقع أن تسجل أرقاماً أكبر هذا العام.
وقد أثار نجاح طالبان في القضاء على إنتاج البلاد من المادة المخدرة، في حينه، ضجة كبيرة في أوساط إعلامية عالمية، حيث عنونت صحيفة "ذي غارديان" (The guardian) البريطانية، في الأول من أبريل/نيسان 2001، الخبر بـ"مصدر الأفيون العالمي قد تم تدميره"، بينما نسبت صحيفة "نيويورك تايمز" (New York Times) إلى مؤسسة "U.S. Aids" الإغاثية، التابعة للحكومة الأمريكية، في 20 مايو 2001، وذلك في خبر حمل عنوان: "نجاح حظر طالبان للخشخاش".
يذكر أن حديثاً عن مفاوضات سرية جرت بين الأمريكيين وطالبان برعاية قطرية، أواخر نوفمبر 2011، لم تلبث أن أصبحت علنيةً مطلع 2012، وشملت دولاً إقليمية في مراحل متقدمة، إلا أنها لم تقدم نتائج تذكر، سوى تقديم دليل آخر على فشل السياسة التي اتبعتها واشنطن منذ 2001، ولم تتسبب سوى بعشرات آلاف القتلى والجرى والمشردين، والدفع نحو المزيد من التطرف في أفغانستان.