تحرير الموصل ودور تركيا السلبي في تحريرها

عملية تحرير الموصل

تصدرت عملية تحرير الموصل الأحداث على الساحة المحلية والاقليمية والدولية وباتت الحدث الأهم حتى بات السياسيون والمحللين يقولون الكثير عن الموصل وتداعيات ما بعد التحرير وما هي حصة كل الأطراف المتنازعة على كعكة الموصل. تثير قضية تحرير نينوى أو الموصل جدلاً كبيراً محلياً واقليمياُ دولياً لما للموصل أهمية جيبوليتيكة وتاريخية بالنسبة للأطراف المتصارعة أو المتنافسة، إن كانت العراق المعني الأساسي بالتحرير أو أمريكا وقوات التحالف أو ايران أو تركيا.

يمكن توصيف حالة الموصل ما بعد التحرير على أنها لن تختلف كثيراً عما كانت عليه قبل السقوط، إذ، كانت الصراعات المذهبية والعرقية على أشدها في المدينة قبل سقوطها ولكن الكثير لم يسمع عن ذلك بسبب تجاهل الآلة الإعلامية الدولية والاقليمية لذلك، وذلك لحسابات بتنا الآن ندركها أفضل. والان يتكرر ما كان يحدث ولكن بتهويل كبير من الاعلام وتنافس الأطراف على الأخوة الفرقاء. الكل يتفق ويساند الآخر وبنفس الوقت الكل يحارب الآخر، يعني أن الكل يتفق ويتحارب مع الكل وهي أس ظاهرة الفوضى الخلاقة، مع خلاف بسيط ومعقد. حيث أن كما قيل من قبل "الكل يحارب الكل"، الاضافة البسيطة والمعقدة هي كلمة أو مصطلح الاتفاق أي أن "الكل يتفق ويحارب الكل".

 سقطت الموصل بأيدي الارهابيين من داعش والأطراف الداعمة لها في العاشر من الشهر السادس من عام 2014 وذلك خلال أيام قليلة، ربما كانت توحي أنه ثمة مخطط أو سيناريو تم اعداده خارجياً لهذا السقوط في هذه السرعة الكبيرة، بالرغم من وجود عشرات الآلاف من أفراد من الجيش العراقي المسلح بكافة صنوف الأسلحة الخفيفة والثقيلة. وبعد سقوط الموصل تم إعلانها من قبل أمير داعش أبو بكر البغدادي بأنها عاصمة الخلافة وأمر الجميع بتقديم ولاء الطاعة على من هو موجود في المدينة، أما المسيحيين ففرض عليهم الجزية أو الطرد أو دخول الاسلام، وحصل ما حصل من تشريد للمسيحيين والكرد والشبك وقتل وتنكيل ممن بقي منهم.

بدأت حملة تحرير الموصل في السادس عشر من الشهر الحالي وذلك بعد تحضيرات كبيرة من الناحية العسكرية والاعلامية والحرب النفسية التي تم تسييرها من قبل الحكومة العراقية وذلك بانشاء إذاعة خاصة لشعب الموصل باسم "صوت الغد" وكذلك إلقاء ملايين المنشورات على الموصل والبلدات والأقضية التابعة لها. كذلك تساندها قوة من عشرات الآلاف من أفراد البيشمركة.

خلال الأيام السبع إن تتبعنا سير عملية تحرير الموصل فأننا نرى أنها تسير وفق ما خُطط له من قبل القيادة العسكرية العراقية والامريكية والقوات المساندة لهم. إذ تم تحرير أكثر من 300 كم مربع من القرى والأقضية في ريف الموصل وخاصة تحرير برطلة والحمدانية المدينة المسيحية وبعشيقة المدينة التي يقطنها الكرد الايزيديين وبعض البلدات الأخرى.

إلا أن الملفت للأمر هو اصرار الجانب التركي على إقحام نفسه وقواته في هذه العملية رغماً عن الحكومة العراقية، بالرغم من اصرار الحكومة العراقية وكذلك البرلمان والسيد العبادي من رفضهم القاطع في مشاركة القوات التركية في عملية تحرير الموصل. وبالرغم من تدخل أمريكا مباشرة لتقريب وجهات النظر ورأب الصدع بين الطرفين، إلا أن العبادي قالها بكل وضوح للمبعوث الامريكي بأنهم لا يرحبون بالقوات التركية على الاراضي العراقية والمتمركزة بالقرب من قضاء بعشيقة تحت حجة تدريب عناصر من الحشد الوطني.

إلا أن نية الحكومة التركية ليست تحرير الموصل وإن كانت تدعي ذلك إعلامياً، إلا أن للحكومة التركية كما صرح بها السيد أردوغان بوضوح حين قال: "أنهم يسعون لإحياء الميثاق المللي (الذي يعتبر الموصل وكركوك والبصرة ولايات عثمانية ويجب أن ترجع للوطن الآم وهي تركيا) وأنهم لا يعترفون باتفاقية لوزان والاتفاقيات التي تمت عام 1926 والتي على أساسها تم ترسيم الحدود بين البلدين".

إذاً، تركيا تريد ابتلاع العراق تحت حجة محاربة الارهاب وخوفها من الحرب المذهبية فيما بعد تحرير الموصل. كما فعلتها في الشمال السوري باحتلالها لمدن جرابلس والراعي واعزاز تحت حجة محاربة داعش. مع أن الكل يعلم أن تركيا تشكل بالنسبة لداعش الممر الحيوي لوجودها واستمرارها. إذ أن كافة المساعدات اللوجستية والعسكرية وحتى المنضمين الاجانب لداعش جميعهم جاؤوا عبر تركيا، وكذلك البترول المسروق من قبل داعش كان يباع عن طريق تركيا بأبخس الأثمان. فلا يمكن لعاقل أن يصدق الرواية التركية بأنها تحارب داعش. حتى أنه هناك الكثير من الوثائق المنشورة على صفحات التواصل الاجتماعي تؤكد بأن تركيا تصر على مشاركتها في تحرير الموصل بهدف تخليص عناصرها المتواجدين ضمن صفوف داعش، وهذا ما حصل في جرابلس والراعي واعزاز بالضبط، حيث تم تحرير هذه المدن خلال سويعات من دون جرحى أو جثث لقتلى أو تدمير للمدينة، وأن عناصر داعش خلال هذه السويعات قاموا بتغيير ألبستهم وحلق لحاهم لا أكثر وفقاً لصورهم المنشورة قبل وبعد دخول القوات التركية لجرابلس. وهذا ما سيحدث إن شاركت تركيا في الموصل أيضاً، لأن تركيا تعتبر الأمر الحاضن الشرعي لداعش وباقي الفصائل المدعية على أنها معارضة.

كلمة أخيرة لا بد منها، وهي أن أساس المشكلة في "العراق" الموصل و"سوريا" الرقة هي بينية وذهنية وما داعش إلا حالة وظيفية سينتهي دورها بانتهاء دورها في هذا المكان حتى يتم ارسالها إلى بقعة جغرافية أخرى لأهداف ومطامع أخرى يحددها له الباطرون الرأسمالي.

مقالات متعلقة