الدوافع الحقيقية وراء الاستضافة المصرية لوفد البوليساريو

الملك المغربي«محمد السادس» والرئيس المصري «عبدالفتاح السيسي»

أثار الاستقبال الحافل لمصر وفدًا من جبهة البوليساريو –الجبهة التي تطالب باستقلال الصحراء الغربية عن المغرب– الأسبوع الماضي للمشاركة في المؤتمر البرلماني العربي الإفريقي، الذي عقد في شرم الشيخ بمناسبة الاحتفال بمرور 150 سنة على أول برلمان مصري، غضبًا واسعًا في المغرب التي اعتبرته خطوة استفزازية من القاهرة للنيل من وحدة التراب المغربية.

 

ورغم محاولة القاهرة تهدئة الغضب المغربي بتصريح لرئيس لجنة الإعلام والثقافة بمجلس الشعب أسامه هيكل بأن القاهرة لم توجه أي دعوة لجبهة البوليساريو للحضور في الاحتفالية، كما أنه ليس لمصر أي علاقة باختيار الوفود المشاركة في البرلمان الأفريقي، هي فقط مستضيفة لجلساته.  

إلا أن الإعلام المغربي أشار إلى أن الوفد الصحراوي لقي حفاوة بالغة في استقباله والتقى مسؤولين مصريين، من بينهم رئيس البرلمان المصري أثناء الزيارة، وربط هذه التحركات بتوتر العلاقات المصرية الخليجية، ومحاولة النظام المصري توجيه رسالة إلى دول الخليج التي دعمت موقف المغرب في قضية الصحراء الغربية في القمة المغربية-الخليجية العام الماضي. كما اعتبرت وسائل إعلام مغربية أن الحكومة المصرية تعمدت إحراج المغرب، لصالح تقوية علاقاتها بالجزائر، وهو الافتراض الذي يدعمه تواتر الأخبار عن دعم الجزائر لمصر في ملف الواردات النفطية.  

طرح هذا الخلاف العديد من التساؤلات حول دلالات هذه الزيارة، وطبيعة العلاقات المصرية المغربية ومستقبلها، ما هو موضع التقارب المصري الجزائري من هذه الزيارة؟، وهل للعلاقات المصرية السعودية وأزمتها الأخيرة علاقة بهذا الشأن؟.  

البوليساريو وأزمة الصحراء الغربية  

«بوليساريو» هي اختصار يجمع الحروف الأولى لجملة إسبانية تعني «الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب»، هي حركة تحررية تأسست فى سبعينيات القرن الماضي، وتسعى لتحرير الصحراء الغربية من الاستعمار الإسباني والذى تحول بعد ذلك –على حد قولهم– إلى استعمار مغربي. (فالأمم المتحدة لا تعترف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية) وتأسيس دولة مستقلة جنوب المغرب وغرب الجزائر وشمال موريتانيا تحت اسم الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية.                                                

بدأ النشاط العسكري للبوليساريو فى 20 مايو/آيار 1973م -إبان الاستعمار الإسباني للصحراء- في الهجوم على الحامية الإسبانية، وقامت الجزائر وليبيا بتقديم العون العسكري والمادي للجبهة، وقد انتشرت معسكرات تدريب الصحراويين في الدولتين في السبعينيات.  

حاولت إسبانيا أن تقمع المقاومة العسكرية في الصحراء الغربية ولكنها فشلت في ذلك؛ ما جعلها تقرر الخروج من الصحراء الغربية نهائيًّا سنة 1975م، وهنا بدأ الصراع على ملكية الصحراء الغربية بين المغرب وموريتانيا، فكل منهما يؤكد على تبعيتها له. بينما رأت جبهة البوليساريو أن المغرب وموريتانيا لم تبذلا جهدًا عسكريًا لمقاومة الاستعمار، ومن حقهم إذن إعلان منطقة الصحراء الغربية دولة مستقلة لا تتبع أيًا من الدولتين.  

بدأت جبهة البوليساريو مرحلة جديدة  من كفاحها، هذه المرة ضد المغرب وموريتانيا، ووقعت الكثير من المعارك العسكرية بين المتصارعين انتهت الجولة الأولى منها بإضعاف موريتانيا وتوقيعها اتفاقًا في الجزائر مع البوليساريو في 1979م تخلت بموجبه الأولى عن وادي الذهب «الإقليم الصحراوي الذي كان تحت حوزتها»، واعترافها بالجمهورية الصحراوية الشعبية الديمقراطية في  فبراير/شباط 1984م.

استمر الصراع العسكري بين البوليساريو والمغرب حتى سنة 1988م، عندما قام الطرفان بالموافقة على طلب الأمم المتحدة بالتفاوض للوصول لحل سلمي للقضية، فعقدا ما يسمى باتفاق المبادئ والذى نص على قيام استفتاء لسكان الصحراء لتقرير مصيرهم، هذا الاستفتاء الذى لم ينعقد بعد ثلاثة قرون من الاتفاق على إقامته دون الاتفاق على كيفية إقامته ومن يحق لهم التصويت؛ ليدخل المغرب والبوليساريو في دائرة مغلقة لا تنتهي من المفاوضات والمباحثات آلت جميعها للفشل دون الوصول إلى إنهاء هذا النزاع!.  

النزاع في ملف الصحراء الغربية رغم أنه بين المغرب وجبهة البوليساريو، إلا أن اسم الجزائر دائمًا ما كان حاضرًا كلما ذُكر هذا النزاع، فالجزائر هي من احتضنت جبهة البوليساريو منذ إنشائها وقامت بدعمها ماليًا وعسكريًا واستضافت معسكرات تدريب الجبهة في «تندوف»، كما لعبت الدبلوماسية الجزائرية دورًا نشطًا، فجعلت منظمة الوحدة الأفريقية تعترف بالحكومة الصحراوية عضوًا فيها ما دفع بالمغرب إلى الانسحاب من هذه المنظمة عام 1984م.  

تقارب مصري جزائري يلوح في الأفق  

أعادت الخطوة الأخيرة للقاهرة باستقبال وفد البوليساريو التساؤل عن طبيعة العلاقات المصرية الجزائرية وتجاوزها لخلافاتها الأخيرة حول الملف الليبي، وما إذا كانت تلك الخطوة مقايضة تقوم بها القاهرة لأجل إعادة العلاقات المصرية الجزائرية لسابق عهدها من القوة والمتانة في خضم توتر العلاقات المصرية الإقليمية على أكثر من جهة وحاجتها للدعم الجزائري في بعض القضايا والملفات ومنها حاجة مصر إلى إيجاد بديل عن السعودية –بعد توقف أرامكو عن إمداد مصر بالبترول- يوفر لها حاجاتها من المنتجات البترولية بتكلفة منخفضة. ربما وجدت القاهرة ضالتها في الجزائر خاصةً بعد استقبال ميناء الإسكندرية منذ أسبوعين باخرة قادمة من الجزائر تحمل 30 ألف طن سولار، كدعم منها للأزمة المصرية.

ليس البترول وحده الذي قد يدفع القاهرة للتقرب من الجزائر، فالتوتر الذي حدث مؤخرًا بين مصر وإثيوبيا واتهام إثيوبيا رسميًا لمصر بتمويل وتدريب عناصر إرهابية تسببت في أحداث أوروميا، يجعل القاهرة تحتاج إلى وساطة الجزائر –القريبة من إثيوبيا- لتخفيف التوتر وإزالة الاحتقان بين البلدين، وهو دور ليس بجديد على الجزائر، فقد قامت من قبل بدور كبير في سبيل إعادة مصر إلى الاتحاد الأفريقي بعد تعليق عضويتها عقب انقلاب الثالث من يوليو/تموز.  

هل توجه مصر رسالة إلى محور الرباط/الخليج؟  

علاقات تاريخية وثيقة وقوية بين المغرب ودول منظمة التعاون الخليجي وعلى رأسها السعودية، توثقها الاخبار التي لا تنفك تتردد بين حين وآخر عن انضمام المغرب لعضوية المجلس. علاقات تاريخية تمثلت في شراكة إستراتيجية قوية في السنوات الماضية عبر الإعلان عن تكتل مغربي خليجي لدعم المغرب في قضية الصحراء الغربية في مقابل دعم مغربي عسكري واستخباراتي للسعودية في عاصفة الحزم، على أمل بعيد أن تكون المغرب هي الضالة التي تبحث عنها بدلًا من مصر التي تأبي أن تكون طوع بنانها كداعم عسكري غير محدود في مغامراتها العسكرية في اليمن وسوريا.  

ولهذا يُتفهم من استقبال القاهرة لوفد البوليساريو أنّه إما ردة فعل تعكس تخوف القاهرة من مستقبل العلاقة المغربية الخليجية وإلى أي مدى قد تنجح السعودية في الاعتماد على المغرب كبديل للقاهرة، أو مكايدة سياسية -اعتادت القاهرة القيام بها مؤخرًا– للسعودية وشريكتها المغرب، من خلال التقرب من الجزائر التي ليست على وفاق مع السعودية على خلفية رفضها الصريح للمشاركة في عاصفة الحزم وتبادلها الزيارات الدبلوماسية مع النظام السوري واستضافتها لوزير الخارجية السوري وليد المعلم، ورفضها المتكرر لمطالب السعودية بتصنيف حزب الله كمنظمة إرهابية.

مقالات متعلقة