كشف الصحفي الإسرائيلي "أنشيل بيبر" عن صعوبات تواجه قوات البشمركة الكردية في الحرب لتحرير مدينة الموصل العراقية من أيدي تنظيم "الدولة الإسلامية " (داعش).
وقال "بيبر" الذي يرافق قوات البشمركة في العراق :”رغم التفاؤل، فإن طريق القوات الكردية للموصل مفروش بالمعارك الصعبة. والمعدات والأسلحة قديمة، وليس لدى المقاتلين ذخيرة كافية".
وأشار المراسل الإسرائيلي إلى أن أهداف البشمركة في هذه المرحلة هي "تطهير" القرى والبلدات في محيط الموصل، ثاني أكبر مدينة عراقية، ومركز صناعة النفط، التي احتلها مقاتلو داعش قبل أكثر من عامين.
وتابع :”معظم الجيش العراقي شيعة، ويقاتل المقاتلون الأكراد لإحداث تغيير ضد عدو مشترك، لكن الخصومة العميقة، بل والكراهية بينهم، لم تبارح مكانها. يدرس كل طرف عن كثب نشاطات الطرف الثاني، فيما يتقدمون ببطء إلى مشارف الموصل، على جبهات منفصلة".
إحدى المعارك الضارية التي خاضتها القوات الكردية خلال الأسبوع الأول لانطلاق عملية "تحرير الموصل" تركزت في مدينة بعشيقة الواقعة على بعد 12 كم شمال شرق الموصل. فبينما اختفى داعش من معظم القرى في محيط الموصل، ظلت بعشيقة ثروة استراتيجية بالنسبة له.
ويلقي المراسل الإسرائيلي بالضوء على تفاصيل معارك بعشيقة التي كان يسكنها نحو 100 ألف شخص، معظمهم من الأزيديين والمسيحيين الذين فروا بعد سيطرة التنظيم على مدينتهم التي تطل على الطريق الرئيس للموصل وعلى محور النفط.
كانت تقديرات البشمركة أن مئات من مقاتلي داعش ظلوا في المدينة مع بدء المعركة، وأنهم جاهزون لاستخدام السيارات المفخخة والعمليات الانتحارية ضد القوات المهاجمة.
في ساعات الصباح الباكر من يوم الأحد، كانت قوات البشمركة جاهزة في منطقة قاحلة، تبعد 3 كيلومترات عن بعشيقة. خطف بعض المقاتلين عدة ساعات من النوم داخل المنازل المهجورة في قرية مجاورة. ومع بزوغ الفجر، وقف بشكل مرتجل رتل من حاملات الجنود القديمة وسيارات الجيب، وبدأت في التحرك تجاه فتحة حفرتها الجرافات في حاجز يحمي القوات.
الكثير من المقاتلين ساروا مترجلين، نظرا لعدم وجود أماكن كافية لهم على السيارات. يرتدي البشمركة عددا من الأزياء العسكرية، تستخدم فيها مجموعة من ألوان التمويه. يلف بعض الجنود رقابهم بأعلام إقليم كردستان، ويرتدي الكثيرون وخاصة المقاتلين الأكبر سنا السراويل الواسعة التي تميز سكان الإقليم.
وبشكل متزامن لتقدم القوات، تهاجم المقاتلات الأمريكية أهدافا مختارة، وتحدث مدافع البشمركة وقاذفة صواريخ جراد ضجة مدفعية ضئيلة. ترافق معدات هندسية ضخمة الرتل، تبني خلال دقائق معدودة "دشم" توضع فيها سيارات تحمل مدافع سوفيتية ثقيلة من طراز "دوشكا"، لتقديم الحماية للقوات المتقدمة من أي هجوم مباغت من الخلف.
على مسافة كيلومتر واحد من بعشيقة، يلاحظ أحد طواقم المدفعية سيارتين مفخختين تتحركان تجاه القوات، فتبادر بإطلاق النيران تجاههما وتقتل سائقيها قبل أن يقتربا بشكل كاف.
يقترب الرتل من مشارف المدينة، وفجأة تنطلق نيران قناصة كثيفة تجاهه من مخزن زراعي كبير يطل على بعشيقة، فيتمدد عشرات المقاتلين الأكراد في خندق تم حفره ويردون على مصدر النيران، لكن كان القناصة يتخندق بعيدا عن مدى نيران بنادق الكلاشينكوف التي يحملها الأكراد.
يجهز مقاتلو البشمركة مدافع ثقيلة، لكنهم يفشلون مجددا في استهداف مواقع القناصة. وفي قمة الإحباط، يركض مقاتل كردي تجاه سيارة بيك آب مغلقة، ويفتح صندوقها ويستل أنبوب طويل مغلف بورق فضي، يستغرق دقيقة في إزالة الغطاء الثقيل، ليظهر صاروخ مضاد للدبابات من نوع "تاو"، سلمه الأمريكان للأكراد مؤخرا.
يهم المقاتل الكردي بإطلاق الصاروخ تجاه المبنى، لن يصرخ فيه أحد الضباط بألا يهدر الصاروخ الثمين، فيستجيب له على مضض. بدلا من ذلك يأتي المقاتلون بقذائف 60 ملم صدئة، لكن إطلاق 5 قذائف منها لم ينجح في النيل من الهدف.
وأخيرا، كان الوحيد الذي نجح في استهداف قناصة داعش، مقاتل كردي، دربه الأمريكان مؤخرا على بندقية القنص" باريت" ذات العيار الثقيل.
في الأفق كانت مروحيات الأباتشي الأمريكي تحدد الأهداف بالكاشفات الضوئية من على بعد عدة كيلومترات وتطلق صواريخ هيلفاير، بينما كانت المعارك مستعرة على الأرض باستخدام أسلحة سوفيتية عمرها 50 عاما. بنادق كلاشينكوف، مدافع PK ودوشكا محمولة على سيارات بيك آب يابانية، وصواريخ جراد، ومدافع صغيرة متحركة.
توقفت نيران القناصة من المخزن الزراعي، لكنها بدأت مجددا من مبنى مجاور. توقف تقدم الرتل لساعتين، لحين وصول طائرات أمريكية جديدة استهدفت موقع داعش.
في هذه المرحلة، كانت البشمركة قد خسرت 4 مقاتلين، لكن مقاتليها لم يستعجلوا التقدم وتحصنوا خلال الدشم والخنادق وبدأوا في تناول وجبة الغذاء. كان وقتها عدد من الضباط على الخطوط الأمامية، يحاولون تحديد مواقع العدو، ويكتفون بتناول التونة المعلبة والبسكوت.
نائب قائد قوات البشمركة في كركوك، قال للمراسل الإسرائيلي إن رجاله "مستنزفون"، مضيفا "قبل 24 ساعة كنا نطهر مدينتنا من خربي داعش الذين هاجموها. الآن نقاتل أيضا في بعشيقة". ليس لدى الضابط الكردي الكبير تفسير للتقدم البطيء لقواته. ويتابع "لم يعد هناك مدنيون في بعشيقة، كل الموجودين هناك إرهابيون".
ويقول صحفي "هآرتس" إن بطء التقدم ناجم عن عدم وجود اتفاق بين الشركاء المختلفين في التحالف ضد داعش بشأن كيفية التقدم في القتال. بشكل رسمي فإن الجيش العراقي هو الجهة المفترض أن تدخل الموصل، بعد تطهير محيط المدينة من مقاتلي داعش. لكن الروح القتالية للجيش، بعد عامين من هزيمته المذلة في الموصل ومدن أخرى لا تزال موضع شك. كذلك هناك مخاوف من حدوث توترات بين الجنود الشيعة في غالبيتهم، وبين نحو مليون سني يعيشون في الموصل.
لا يتوقع أن تشارك البشمركة في القتال داخل المدينة، لكن يرى الكثير من الضباط الأكراد، أنه ليست هناك قوة عسكرية أخرى في العراق غيرهم قادرة على تنفيذ المهمة. ويتحدث بعض الضباط علانية عن المقابل الذي يتعين على الحكومة العراقية تقديمه للاكراد نظير مشاركتهم في القتال. يقول أحدهم للإسرائيلي "بيبر":عليهم أن يسمحوا لنا أن نطور بأنفسنا حقول البترول وأن نبيعه لتركيا". ويضيف "وإذا ما أراد سكان منطقة الموصل الانضمام للحكومة الكردية الإقليمية، فيجب أن نسمح لهم بذلك".
السيطرة على عائدات النفط الذي ينتجه إقليم كردستان في العراق هو مصدر التوتر الرئيسي بين بغداد وإربيل عاصمة الحكم الذاتي الكردي. صحيح أنه ليست هناك علاقة مباشرة بين الخلاف المستمر على النفط والحرب على داعش، لكن مما لا شك فيه أنه إذا كانت العلاقات أفضل بين الأكراد وحكومة بغداد، لانعكست أيضا على التعاون بينهما والتنسيق في ساحة القتال.
وختم مراسل الصحيفة الإسرائيلية تقريره من قلب المعركة بالقول :”في الأثناء تزعم بغداد وإربيل أن المعركة تجري وفقا للخطة، وأن الأهداف حتى الآن جرى احتلالها وفقا لجدول زمني، بل حتى قبل الموعد المحدد. لكن الحقيقة على الأرض أن الأكراد يتقدمون بشكل بطيء، وتستمر معركة بعشيقة منذ أكثر من ثلاثة أيام، وجرى تحرير جزء صغير من المدينة فقط من وجود داعش. هذه معركة واحدة، من بين جولة واحدة، من معارك كثيرة في الحرب، لكن اندلاع المعركة الحقيقية على الموصل لا يزال بعيدا".
الخبر من المصدر..