بعد أسبوع من بدء المعارك في موصل العراق، بين تنظيم الدولة "داعش"، والجيش العراقي وحلفائه من الملشيات الشيعية والإيرانية، بدأت تزداد حدة التصريحات التركية العراقية، ما ينذر قرب مواجهة عسكرية بين أنقرة وبغداد. بحسب مراقبين.
العلاقات التركية العراقية دخلت دائرة التوتر بصورة متسارعة، مع إعلان بغداد عملياتها العسكرية في الموصل وتهديدات حلفائها من الملشيات الشيعية بالانتقام من سنة الموصل، قبل أن يبدأ التوتر بأسابيع، أرسلت تركيا قوات عسكرية إلى بعشيقة العراق يزيد تعدادها عن ألفي جندي وضابط.
التوتر بين بغداد وأنقرة بدأ مع تصريحات الرئيس التركي عن مشاركة القوات التركية في معركة الموصل، ورفضها لمشاركة الحشد الشعبي الشيعي، واجهه رفض وتهديدات شيعية باستهداف مصالح تركيا داخليا وخارجيا.
المواجهة العسكرية تزداد وتيرتها يوما بعد يوم، والحرب الإقليمية بين تركيا والعراق باتت وشيكة، فالأتراك مصرون على دعم السنة في العراق، كما أنهم يريدون تحقيق مكاسب عسكرية ضمانة لعدم توغل إيران أكثر في المنطقة، بهذا بدأ الخبير العسكري العراقي طه رمضان أبو ثائر حديثه لـ"مصر العربية"، مضيفا أن وجود القوات العراقية في معسكر بعشيقة العسكري في شمال العراق، ضمانة لعدم تمدد الحشد الشعبي في كامل العراق، وأيضا لعدم الانتقام من المدنيين السنة، بعد طرد تنظيم داعش من مدينة الموصل.
وأوضح أن القوات العسكرية التركية كان يجب أن تدخل العراق بموافقة حكومة بغداد، لكن الوضع هنا استثنائيا، خاصة بعد توعد ميليشيات الحشد الشعبي في العراق تركيا برد مزلزل، وما سبقه من تهديدات أيضا ضد المدنيين في الموصل.
وأشار إلى أن المواجهة العسكرية صعبة، فالأمر سيقتصر على توتر العلاقات بين أنقرة وبغداد دبلوماسياً فقط، فالمواجهة الآن بعيدة، ونشوبها حربا إقليمية.
بدوره، أكد الخبير العسكري السوري المقدم إبراهيم الطقش، احتمالية مواجهة عسكرية في العراق ممثلة في إيران وتركيا والجيش العراقي والملشيات المتحالفة معه، مضيفا أن المواجهة ستكون سنية شيعية في منطقة الشرق الأوسط.
وأوضح الخبير العسكري السوري لـ"مصر العربية" أن تركيا تعرف جيدا أنها لم ولن تكون في مأمن، فما يحصل في المنطقة يؤكد أنها تحاول إبعاد شبح الحرب عنها، ولكنها ستقع في هذا المطب.
أما بالنسبة لتأثير الدعم التركي على المعارضة السورية حال مواجهة أنقرة للعراق فلن يتأثر، خاصة وأن أنقرة لم تدعمنا محبة بنا، بل للدفاع عن نفسها، وإبعاد الخطر عنها.
وأشار الطقش إلى أن ما يحدث في المنطقة، كله إرهاصات لما هو قادم، فالحديث الشريف واضح وصريح حين قال رسول الله "ص" فيما معناه (في آخر الزمان سيتم تحالف صليبي مسلم ضد بني أصفر) إلى آخر الحديث، حيث مكان المعركة من مرج دابق في سوريا إلى الأعماق في الأراضي التركية، فهذا يعني أنها ستنجر "تركيا" إلى معركة لا محالة.
وتابع: "الحرب في سوريا بدأت ولن تنتهي إلا بتحالف دولي ذا قطبين، وهذا ما لاح في الأفق، قطب يدعم السنة، وقطب يدعم الشيعة، وهذا كل ما يحصل في سوريا، بداية لحرب شاملة لا يعلم بنهايتها إلا الله.
وتصاعدت الحرب الكلامية بين المسئولين العراقيين والأتراك بشأن وجود قوة تركية على الأراضي العراقية ومدى مساهمة تركيا في العملية الجارية لاستعادة مدينة الموصل من أيدي تنظيم الدولة الإسلامية.
في السياق، حذّر السفير الأمريكي السابق في العراق، زلماي خليل زاده، من إمكانية نشوب حرب بين العراق وتركيا على خلفية معركة استعادة مدينة الموصل من قبضة تنظيم "داعش"، مشيراً إلى أن وفداً عراقياً زار أنقرة مؤخراً، واتفق على مساهمة تركيا في المعركة، وليس أي شيء آخر.
وأوضح زاده في مقال نُشر بموقع ناشينال إنتريست الأمريكي، أنه التقى خلال الأسبوع الماضي بمسئولين أتراك، ووقف على أسباب مخاوفهم، وحقيقة الخلاف التركي العراقي، مؤكداً أن أهم أسباب الخلاف هي:
التنافس بين إيران وتركيا للهيمنة على المنطقة في ظل الحروب الأهلية التي تشهدها حالياً، وخاصة في العراق وسوريا، أظهر حجم التباين الطائفي بينهما، على الرغم من أن العلاقات التركية - الإيرانية جيدة في مواضع أخرى، فالقوات التركية الموجودة في بعشيقة شمال العراق جاءت باتفاق مع حكومة بغداد، ولكن المشكلة أن هذه الحكومة تخضع للإملاءات الإيرانية.
ولفت زاده إلى أن الأتراك يعتقدون أن الحكومة العراقية فقدت شرعيتها بسبب الحروب الأهلية التي شنتها، ومنهجها السياسي والطائفي تجاه العرب السنة، والتركمان، وأيضاً في التعامل بشكل انتقائي بين حزبي إقليم كردستان، الحزب الوطني الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني.
الأمر الآخر، يقول زلماي خليل زاده، إن تركيا ليست مهتمة فقط بالموصل، وإنما أيضاً بالمناطق المجاورة التي تريد إيران الاستفادة منها، مروراً بمناطق الأكراد في سوريا، وهي بذلك تستفيد من هذا الربط في فرض الهيمنة من خلال تعاونها مع حكومة بشار الأسد، الأمر الذي سيمنح إيران -بحسب زاده- فرصة للتأثير في الأكراد، وخاصة الحزب الديمقراطي، الذي يعتبر حليفاً لتركيا، فالأتراك يؤمنون أن إيران تريد إنشاء أقصر الطرق التي توصلهم إلى السواحل السورية واللبنانية، وتركيا تعتزم الوقوف بوجه هذا المخطط.
الأمر الثالث، أن تركيا تربطها علاقات ثقافية وتاريخية مع العرب السنة والتركمان، وهي علاقات تعتبرها أنقرة أحد أسباب التوازن مع من تدعمهم وتؤثر فيهم إيران في العراق، بالإضافة إلى الخوف على التركمان في تلعفر؛ بسبب تصرفات إيران التي تسعى لإجراء تغيير ديمغرافي على أرض الواقع، وطرد التركمان السنة منها.
أما الأمر الرابع، فهو أن تركيا كانت أبرمت اتفاقات للدفاع عن الحزب الديمقراطي الكردي في أربيل، وهذه الاتفاقات تعني أن تركيا ملزمة بالدفاع عن أربيل حتى إذا هاجمتها حكومة بغداد عسكرياً، لذا فإن الوجود التركي ليس في بعشيقة، إنما في شمال العراق.
الأمر الخامس الذي فجر الخلاف الكبير بين بغداد وأنقرة، وفق ما يرى السفير السابق، هو أن تركيا تريد منع حزب العمال الكردستاني من التمدد شمال العراق، حيث إن عناصر هذا الحزب موجودون حالياً في سنجار بشمال العراق، إذ أصرت تركيا على عدم السماح لهذه القوات بالمشاركة في تحرير الموصل.
ويقول خليل زاده: "في ظل هذه الأوضاع المعقدة فإن الولايات المتحدة الأمريكية أعطت دعماً قوياً لرئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، وذلك لتقليل اعتماده على إيران، بل إن واشنطن طلبت من الأكراد في إقليم كردستان، الطلب من تركيا سحب قواتها من بعشيقة، أو البقاء بعيداً عن معركة الموصل، غير أن هذا الكلام لم ينجح في تغيير موقف تركيا".
ولفت السفير الأمريكي السابق في العراق إلى "أن واشنطن تتفق مع أنقرة في نقطة؛ هي أن إيران تسعى لإجراء تغيير ديمغرافي على أرض الواقع بعد هزيمة تنظيم داعش في معركة الموصل".
ويوصي زلماي خليل زاده بأن على الولايات المتحدة اللجوء إلى الدبلوماسية لحل المشاكل بين أنقرة وبغداد، وبذات الوقت تراقب إيران ومن تدعمهم؛ خوفاً من إجراء أي تغيير ديموغرافي، وأن على الإدارة الأمريكية أن تدعم القاعدة التركية في بعشيقة، واستخدامها لوجود جنود التحالف، والمقاتلين السنة المتطوعين، وهو ما سيعطي الولايات المتحدة ميزة كبيرة ضد القوات الشيعية قرب الموصل، ويمنع حدوث مشاكل بين تركيا والعراق، وحدوث أي حرب داخلية ضمن معركة الموصل.