القناطر الخيرية.. مشروع محمد علي باشا، الأضخم في تاريخ حكمه لمصر، نفذه مهندس فرنسي بإيعاز من الباشا، ليتم التحكم في حركة المياه والري التي تصل فرعي رشيد ومياط.
والقناطر مدينة عرفت طيلة 173 عامًا بأنها مدينة بهية جميلة، لكنها في هذه السنوات احتلها الإهمال وانتشرت بها القمامة حتى أنها سدت مداخلها وكباريها وغطت وجهها الجميل الذي اكتست به قرابة المئتي عام.
"مصر العربية" رصدت عدد من وجوه الإهمال السيئة التي أفسدت وجه القناطر البهيّ، ورصدت أيضا بعض مشاهد المدينة الباهرة. حين تهبط لمدينة المناشي وهي المدينة التي يبدأ منها مشروع القناطر، ويستقبل وجهك كوبري المشاة، تستقبلك القمامة بروائحها القذرة وهي تسد الكوبري، غير أنك تجد صعوبة في الوصول لمدخل الكوبري حيث تحول المدخل إلى موقف سيارات.
دخلنا الكوبري وجدناه معتمًا فقد خلا من أي كهرباء بخلاف "كلوب" أوحد ثُبّت في سقف قبة الكوبري، لكننا اهتدينا بنور القمر الذي كان أخّاذ في تلك الليلة.
كوبري المشاة هو الرابط الذي يوصل بين المدينة وبين سجن القناطر وهو آية عظمى في تصميمه الهندسي بقبابه المجوفة عند مدخليه وتصميمات عمدانه بسيطة الشكل والزخرفة، وأرضيته الحديد.
على الكوبري تكمن بيوت للصيد أشبه بالجحور لا ندري إن كان في أصل تصميمها عمد المهندس في نيته أن تستخدم لصيد الأسماك أم كانت مجرد شكل تجويف جمالي داخل الكوبري ثم استخدمها المصريون في الصيد.
عند خروجك من الكوبري تجد قاهرة أخرى غير تلك المزدحمة الخانقة التي نعرفها، تدخل عالم آخر تُحلّيه الهدوء. شجر كثيف. أصوات عصافير تعبق الأجواء، ثم لا تجد أثرًا لتلك القمامة التي استقبلتنا لدى دخولنا القناطر فهناك تكمن استراحة الرؤساء ـ التي بناها جمال عبدالناصرـ وادعة وجميلة وكل ما حولها حدائق غنّاء وشجر كثيف.
على دفات النيل يتدلى شجر من داخل تلك القصور سقوطا في الماء في مشهد شاعري ساحر.
في القناطر معديتان أحدهما للمشاة والأخرى للسيارات، تحدان المدينة، فحين خرجنا من الأولى واتجهنا للأخرى واجهتنا القمامة بوجهها القبيح مرة أخرى، ويتعذر على الساري بقدميه الوصول للكوبري الآخر إلا بصعوبة بالغة حيث الرصيف الذي من المفترض مهيأ لسير المشاة زرعت فيه أشجار صفصاف تعود للخلف لمئات السنين وفروع الشجر ترهلت على الأرض وأعاقت حركة المشاة ولم تلتفت الوحدة المحلية لتلك المشكلة ولا قلّمت الشجر، فيضطر الساري أن يجاري القمامة المنتشرة على جنات الطريق خوفا من الاصطدام بالسيارات المتكدسة بالشارع الضيق، حيث رائحة القمامة تزكم الأنوف في مشهد "غريب" اختلطت فيه ساحرية التاريخ بجمال المكان بقذارة روائح تركة الوقت الحالي.
حين تصل الكوبري الآخر تصمت كل أركان المدينة لتنطلق صوت غدير المياه المتدفق لفرعي دمياط ورشيد مشهد خلاب. غامرنا ونزلنا على سلالم أسفل الكوبري وجلسنا على لسان حجري زرع في الماء بعيدا عن الكوبري يجاور العيون التي يتدفق فيها الماء، وهنا لا صوت يسمع حتى إن كان المتحدث يقف بجوارك فقط تغطي الأجواء صوت غدير المياه المتدفق بقوة في مشهد مرعب للناظر لكنه مبهر في آن واحد.