تنتظر مصر خلال الفترة المقبلة قرارًا بمنح الحكومة قرضا بقيمة 12 مليار دولار على ثلاث دفعات حيث أصبح الحديث عن القرض خلال الفترة الأخيرة هو الشغل الشاغل سواء للمجموعة الاقتصادية في حكومة شريف إسماعيل
أو الأوساط الإعلامية الاقتصادية..
"مصر العربية" توضح خلال التقرير التالي القصة الكاملة حول قرض صندوق النقد الدولي عبر توضيح دور الصندوق ومراحل الاتفاق وأسباب حاجتنا إليه وآثاره الإيجابية والسلبية ولماذا تأجل حتى اليوم..
ما هو صندوق النقد؟
وكالة دولية متخصصة تشرف على السياسات الاقتصادية للبلدان الأعضاء الـ 189 وتهتم بأداء عناصر الاقتصاد الأساسية مثل الإنفاق الاستهلاكي واستثمارات الأعمال والناتج وتوظيف العمالة والتضخم، وميزان معاملات الدولة مع بقية العالم.
وتولى رئاسة الصندوق 12 مديرًا، بداية من البلجيكي كميل جوت الذي تولى رئاسته من عام 1946 حتى 1951، حتى الفرنسية كريستين لاجارد من 5 يوليو 2011 حتى الآن.
الاتفاق مع الصندوق
بعد 5 سنوات متواصلة من المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بدأت عقب الثورة، تمكنت الحكومة المصرية الحالية رغم نفيها أكثر من مرة المفاوضات من إتمام اتفاق مبدئي للحصول على قرض بقيمة إجمالية 12 مليار دولار على 3 سنوات.
لماذا نحن مضطرون للصندوق؟
مع تفاقم الدين العام وتوقف المساعدات الخليجية وتراجع النظرة المستقبلية لمؤسسات التصنيف العالمية، أصبح السبيل الوحيدة هو اللجوء لمؤسسات التمويل الدولية لمواجهة الواقع الاقتصادي.
الحكومة المصرية من وجهة نظرها تقول إن موافقة الصندوق على القرض هو بمثابة شهادة ثقة أو شهادة ضمان للاقتصاد المصري، وأن قيمة القرض لا تمثل الكثير ولكن الجوانب المرتبطة بالقرض تمثل الكثير للاقتصاد المصري، الذي يبحث عن استثمارات أجنبية مباشرة.
"الأبواب أغلقت وفشلنا في كل طرق التمويل".. هكذا وصف الدكتور وائل النحاس، الخبير المالي والاقتصادي، لجوء مصر للحصول على قرض صندوق النقد الدولي البالغ 12 مليار دولار، حيث أكد أن الحكومة فشلت في جميع وسائل التمويل فاقتصرت الطريق وتوجهت للقروض في ظل انعدام كافة موارد العملة الصعبة.
وأضاف النحاس في تصريح لـ "مصر العربية": أن الحكومة ضخت مليارات الدولارات في مشاريع كبرى مثل قناة السويس الجديدة، وأنشئت كباري وطرق جديدة في الصحراء لجذب المستثمرين، بدعم مادي وسياسي خليجي لكن المستثمرين لم يأتوا والمشاريع لم تجن ثمارها هذا فضلًا عن توقف الخليج عن تمويل مصر منذ أبريل 2014 قائلًا "الحكومة لم تستطع تنفيذ التزاماتها تجاه مواطنيها".
وأوضح الخبير الاقتصادي أن الحكومة تحتاج لأموال القرض لعلاج التشوهات داخل الموازنة العامة، وخفض عجزها، وإعطاء ثقة للمستثمرين في الخارج.
ماذا حدث للاقتصاد المصري بعد الاتفاق مع صندوق النقد الدولي؟
الجنيه يهبط لأدنى مستوياته
واجهت مصر تدهورًا كبيرًا وسريعًا في عملتها المحلية فور إعلان تقدمها لصندوق النقد للحصول على القرض بسبب تلميح حكومي بتخفيض قيمة الجنيه أمام الدولار، حيث ارتفع سعر الدولار في السوق السوداء ووصل من 10 جنيهات تدريجيًا إلى 12.50 جنيه، ثم ارتفع بنحو 4 جنيهات خلال أسبوعين ليسجل 16 جنيها في السوق الموازي.
ارتفاع الأسعار
ارتفعت أسعار العديد من المنتجات في الفترة الأخيرة بصورة رآها البعض مبالغا فيها ولا يستطيع الغالبية تحملها خاصة في ظل ثبات للدخل بما لا يلائم الغلاء المستمر.
أسعار الكهرباء
وارتفعت أسعار الكهرباء على كافة الشرائح بنسب تتراوح بين 13-41 % وزادت في الفترة الأخيرة شكاوى المواطنين من أسعار الفواتير التي اعتبروها مبالغًا فيها.
التضخم
ارتفعت معدلات التضخم إلى أعلى مستوياتها حيث وصلت إلى 16.4% في أغسطس من العام الجاري، وهو أعلى معدل منذ ديسمبر 2008 والذي سجل 19.1%، وسط توقعات اقتصاديين بموجة تضخمية أكبر.
شروط صندوق النقد؟
ووضع صندوق النقد الدولي عدة شروط تأتي أغلبها على حساب المواطن البسيط..
-خفض العجز بموازنة الدولة
– خفض أو إلغاء دعم الطاقة
خفض فاتورة أجور موظفى الحكومة إلى ٧.٥٪ من الناتج المحلى
– توحيد سوق الصرف وإلغاء السوق السوداء
-كما اشترط صندوق النقد الدولي حصول مصر على 6 مليارات دولار من الخارج دعما ثنائيا دون الاقتراض من "صناديق التنمية" بكافة أنواعها و"البنك الدولي".
القيمة المضافة
ولخفض عجز الموازنة وزيادة الإيرادات، أقر مجلس النواب المصري نهاية أغسطس الماضي قانون ضريبة القيمة المضافة بنسبة 13% على أن تزيد النسبة إلى 14% بداية من السنة المالية المقبلة 2017-2018.
وتستهدف الحكومة حصيلة تصل إلى 25 مليار جنيه من الضريبة الجديدة التي زادت الحمل على كاهل المواطن المصري البسيط في ظل تطبيقها وسط انعدام الرقابة على الأسواق والسيطرة على جشع التجار.
الخدمة المدنية
وكان من ضمن شرزط النقد الدولي خفض فاتورة أجور موظفى الحكومة إلى ٧.٥٪ من الناتج المحلى وهو ما حدث بعدما
وافق مجلس النواب مطلع الشهر الجاري على قانون “الخدمة المدنية” المثير للجدل، والذي يمسّ نحو 7 ملايين موظف بالجهاز الإداري للدولة بعد سجالات استمرت 9 أشهر كاملة، بين رفض القانون وتعديله ثم الموافقة عليه.
بعد كل هذا.. لماذا تم تأجيل القرض؟
سعر الصرف
من أهم شروط صندوق النقد لمنح مصر القرض قيام البنك المركزي بـ تعويم الجنيه أو على الأقل خفض الجنيه أمام الدولا بحيث يقترب سعره من السعر الحقيقي أمام الدولار.
إلا أن تخوف الحكومة من موجة تضخمية قد تعصف بالمواطن البسيط وتؤدي إلى حالة كساد في الأسواق يدفع البنك المركزي المصري إلى تأجيل القرار حتى توفر سيولة دولارية كافية لإجراء هذه الخطوة.
وهو ما طالبت به كريستين لاجارد، مديرة صندوق النقد الدولى، حيث أكدت : "هناك حاليا أزمة لأنه بالنظر إلى السعر الرسمى للعملة المحلية وسعر السوق الموازى، فهناك اختلاف 100%، يجب معالجته سريعا".
6 مليارات
يشترط صندوق النقد الدولي توفير مصر لـ 6 مليارات دولار من الخارج دعما ثنائيا دون الاقتراض من "صناديق التنمية" بكافة أنواعها و"البنك الدولي" قبل منحها القرض وهو ما فشلت فيه القاهرة حتى اليوم وتحاول عبر..
طرح شركات بالبورصة
وتستهدف الحكومةزيادة إيرادتها عبر طرح حصص من الشركات المملوكة لها في البورصة ضمن برنامج للإصلاح الاقتصادي تتبناه الحكومة.
سندات دولارية
وزير المالية عمرو الجارحي قال إن "الحكومة تعتزم طرح سندات دولارية بنحو 2 مليار دولار خلال النصف الثاني من الشهر المقبل"، مشيراً إلى "أحداث عدة فرضت نفسها على تحديد موعد الترويج لتلك السندات، أبرزها المفاوضات مع صندوق النقد الدولي والانتخابات الأميركية وطرح السعودية سندات دولارية".
ولفت الجارحي إلى أن "الجولات الترويجية للطرح الدولاري ستتم بين الأسبوع الثالث والرابع من الشهر المقبل، بآجال 5 و10 و30 سنة".
مشاكل متعثرة..
ديون الشركات الأجنبية
ارتفعت مستحقات شركات البترول الأجنبية المتأخرة لدى الحكومة المصرية، إلى 6.5 مليار دولار بنهاية أغسطس الماضي.
وقال مسؤول في هيئة البترول المصرية، إن مستحقات شركات البترول الأجنبية لدى الحكومة المصرية ارتفعت بمقدار 200 مليون دولار بنهاية أغسطس الماضي لتسجل نحو 6.5 مليار دولار مقابل 6.3 مليار دولار بنهاية يوليو الماضي بنسبة زيادة 3.17 بالمئة.
قرض الصين
منتصف الشهر الماضي، قال وزيرة التعاون الدولي المصرية، سحر نصر ، إن القاهرة تتفاوض على قرض بقيمة ملياري دولار مع الصين.
وأضافت الوزيرة، على هامش مؤتمر "اليورومني" المنعقد بالقاهرة، أن مصر قطعت شوطا كبيرا بالمفاوضات مع الجانب الصيني للحصول على القرض بالقريب العاجل لدعم الاحتياطات الأجنبية.
إلا أنه حتى اليوم لم يطرأ جديد حول القرض أو ميعاده.
ما هي البدائل؟
بعد توقف المساعدات الخليجية والتي وصلت خلال السنوات الخمسة الأخيرة أكثر من 30 مليار دولار لم تستغلها القاهرة في إصلاح اقتصادي حقيقي لا توجد بدائل تسعف الاقتصاد المصري إلا قرض النقد الدولي الذي سيكون ذو شقين حيث سيكون بمثابة شهادة ثقة أو شهادة ضمان للاقتصاد المصري، الذي يبحث عن استثمارات أجنبية مباشرة، بالإضافة إلى إنعاش السوق بالعملة الصعبة.
إلا أن خبراء أكدوا أنه حال عدم وجود خطة لتحقيق أعلى استفادة من أموال قرض النقد الدولي سيكون نقمة على مصر.
تاريخ مصر مع النقد الدولي
كانت أول محاولة مصرية للاقتراض من البنك الدولي في عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات، ففي عام1977 أقدمت مصر على اقتراض185.7 مليون دولار من صندوق النقد الدولي.
وفي 17 يناير (كانون الثاني) 1977، أعلن عبد المنعم القيسوني، رئيس المجموعة الاقتصادية لحكومة السادات، أمام البرلمان اتخاذ قرارات اقتصادية »ضرورية«، تتضمن زيادة أسعار بعض السلع لنسبة 50%؛ مما أدى لموجة احتجاجات شعبية أجبرت السادات على التراجع عن تلك القرارات.
وفي عام 1991، أثناء فترة حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك، اقترضت حكومة عاطف صدقي375.2 مليون دولار من صندوق النقد الدولي، وفتح هذا الاتفاق الباب لخصخصة القطاع العام، امتثالًا لشروط صندوق النقد الدولي.