الشيعة والتعاون مع الغرب: قليله مقبول وكثيره مرفوض

من المتوقع أن يتوافد الملايين من المسلمين الشيعة الى مدينة كربلاء جنوب العراق خلال الأسابيع الباقية على ٢١ نوفمبر، بمناسبة حج أربعينية الإمام الحسين. ولا تزال هذه المناسبة غير معروفة تقريبا في الغرب رغم أن عدد الحجاج الذين يتوافدون من جميع أنحاء العالم لزيارة ضريح حفيد الرسول سيرا على الأقدام للاحتفال، بعد أربعين يوم من استشهاده، قد تضخم مؤخرا إلى حوالي عشرة أضعاف حجم من يؤدون فريضة الحج. ويمثل الحدث ذكرى لحظة محورية في الانقسام بين السنة والشيعة، وقد تم تحجيمه إلى حد كبير خلال حكم صدام حسين، الذي رأى في الحشد الشيعي الضخم تهديدا ضمنيا لنظامه.

ومنذ سقوط نظام صدام حسين، ارتفع المشاركة في مثل هذه المهرجانات الدينية بشكل حاد. حيث فتحت الحكومة العراقية الجديدة الحدود أمام الشيعة من جميع أنحاء العالم، وفي عام 2004، ذهب أكثر من مليون حاج، من بينهم مائة ألف إيراني، إلى كربلاء في "الزيارة" الأربعينية. وبعد مرور عشر سنوات، وعلى الرغم من استيلاء داعش على الموصل، قدم للحج 17 مليون حاج في خريف عام 2014، من بينهم أكثر من مليون إيراني، تمكنوا من الدخول نتيجة لرفع القيود على تأشيرات الحج. وفي العام الماضي استغل ثلاثة باحثين فرصة الحج الأربعينية في العام الماضي، الذي تردد أنه استقطب ما يزيد عن 22 مليون من الحجاج، لإجراء مسح ضم أكثر من أربعة آلاف من الرجال والنساء الملتزمين من اثنين من أكبر الدول الشيعية وأكثرها تأثيرا: إيران والعراق.

وتكونت مجموعة البحث من فوتيني كريستيا، الأستاذ المشارك في العلوم السياسية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، التي أجرت البحث عندما كانت زميلة بمؤسسة أندرو كارنيجي، وإليزابيث ديكيزر المرشحة للحصول على الدكتوراه في العلوم السياسية من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ودين نوكس المرشح أيضا للحصول على الدكتوراه من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. ونشرت مجلة "فورين أفيرز" موضوعا استعرض فيه الباحثون الثلاثة نتائج البحث الذي غطى مجموعة واسعة من الموضوعات ـ من الدين والجنس إلى التدخل الغربي والاتفاق  النووي الايراني ـ  في وقت حساس، بينما تحارب الولايات المتحدة داعش في العراق وسوريا، وتعمل على تطبيق الاتفاق النووي مع إيران، وتكافح الصراع الطائفي العنيف في سوريا واليمن. واكتشف الباحثون أن الولاءات العابرة للحدود كبيرة بين المتدينين الشيعة، فضلا عن البراجماتية حول فوائد العمل مع الولايات المتحدة لتطوير شرق أوسط أكثر استقرارا وازدهارا.

ويمثل الشيعة ما يقرب من 20 % من المسلمين في العالم، كما يشكلون الغالبية أو يتولون الحكم  في بعض المناطق الأكثر إثارة للجدل في منطقة الشرق الأوسط، مثل العراق وسوريا واليمن. بيد أن المعلومات حتى الآن محدودة جدا حول الطريقة التي ترى بها كل جماعة منهم حكامها، والقوى الإقليمية في المنطقة، والعالم الغربي. ويرجع ذلك جزئيا إلى عدم وجود استطلاعات للرأي العام في الشرق الأوسط، نتيجة للقيود التي تضعها الأنظمة، والصراعات المستعرة، وتشريد المدنيين هذا. وكان لضعف المعرفة عواقب كبيرة بالنسبة للولايات المتحدة، التي لم تقدر أهمية الولاء الطائفي والقيادة الدينية الشيعية.

 

وربما كان المثال الأبرز على سوء التقدير، دعم الولايات المتحدة لشاه إيران، فما زالت تداعياته تؤثر على مشاركتها في الإقليم اليوم. ومن الأمثلة الأخيرة على سوء التقدير، فشل الغرب في توقع صعود الحوثيين في اليمن ومرونة الحكومة العلوية في سوريا.

ويجمع حج الأربعينية بين المتدينين الشيعة من مختلف ألوان الطيف الاجتماعي والاقتصادي. يعتبر الحجاج أكثر تدينا من بقية مواطنيها، وغالبا ما ينظر إليهم على أنهم العمود الفقري لدعم حكوماتهم. ولدى  الحجاج العراقيين، بسبب الصراع السني الشيعي الدائر في الداخل، بعدا طائفيا أخر يتجاوز الأهمية الدينية.

وظهر في هذا الإستطلاع أهمية ممارسة الشعائر الدينية، والروابط الشيعية العابرة للقومية، للأفراد من جميع الأعمار والأجناس، والطبقات الاجتماعية والاقتصادية والدينية. وغالبا ما ينظر إلى الصراعات في منطقة الشرق الأوسط، على أنها حروب بالوكالة بين إيران الشيعية والمملكة العربية السعودية السنية. وكان من الصعب في الماضي التعرف على كيفية دعم المتدينين من الدولتين لهذه التدخلات، وكيف يرون دور إيران في النزاعات.

كما اتضح، أن أغلبية ساحقة من المبحوثين العراقيين والإيرانيين، تدعم استراتيجية إيران في الشرق الأوسط، حيث اعتبر ما يزيد عن 90 % من الإيرانيين وأكثر من ثلاثة أرباع العراقيين تدخلات إيران إيجابية، في أفغانستان، البحرين، العراق، لبنان، سوريا واليمن. ويدعم أكثر من 80 % من المستطلعين أيضا تقديم المساعدة المالية للجماعات الشيعة المحاصرين في هذه الصراعات. وردا على السؤال عن هدف السياسة الخارجية الإيرانية.

وذكرت غالبية العراقيين أنه لحماية المجتمعات الشيعية الضعيفة في جميع أنحاء الشرق الأوسط. الإيرانيون، ومن ناحية أخرى، رجح الإيرانيون القول بأن الهدف الرئيسي لإيران هو ضمان أمنها القومي. ويزيد من إبراز أهمية العلاقات الشيعية المواقف تجاه الممارسات الدينية الشيعية، التي تركز على تقليد أو اتباع تعاليم رجل دين معين رفيع المستوى. ويعتقد أكثر من 90 % من المشاركين إن هذه التبعية واجبا. وذكرت غالبية العراقيين الذين شملهم الاستطلاع أنهم يتبعون آية الله علي السيستاني، وأغلبية الإيرانيين يتبعون المرشد الأعلى الإيراني السيد علي خامنئي، بينما يوالي السيستاني عدد كبير بين الإيرانيين أيضا. ويعتقد أكثر من 80 % من الإيرانيين والعراقيين في أن التصريحات السياسية لهؤلاء العلماء " ملزمة مثل آرائهم الدينية". ورغم وحدة التدين العام لهذه الجماعة، ولكن هذا الاستطلاع أظهر التنوع في المعتقدات حول العلاقة بين الدين والسياسة، حيث يرى نحو 40 %  من العراقيين و 20 % من الإيرانيين أن الدين لا ينبغي ان يوجه قرارات الحكومة. وانقسم العراقيون أيضا حول ما إذا كانت الأحزاب الإسلامية أفضل أو أسوأ من الأحزاب السياسية الأخرى، كما انقسم المبحوثين من البلدين حول ما إذا كانت الديمقراطية متوافقة مع الإسلام.

واختلفت وجهات نظر المشاركين بعض الشيء تجاه الولايات المتحدة والغرب. فأعرب معظم الإيرانيين عن تقديرهم لسعي بلادهم إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من خلال اندماجها في المجتمع الدولي، ورأوا أن هناك مصالح متشعبة بين الولايات المتحدة وإيران.  

فضلا عن أن غالبية المستطلعين يعتبرون الولايات المتحدة لم تتعامل بنزاهة مع البلدان الشيعية وكانت أكثر صدقا ونزاهة مع أعداء الشيعة، لكنهم أقروا أيضا بضرورة التعاون.

ويفضل كل من العراقيين والإيرانيين أن يكون تدخل الولايات المتحدة في العراق وجميع أنحاء الشرق الأوسط في حده الأدنى، بما في ذلك الخيارات غير العسكرية، لكنهم أقروا أيضا بضرورة التعاون في الصراعات الأكثر اشتعالا. فعلى سبيل المثال، أيد ما يقرب من 65 % من الإيرانيين التعاون بين الولايات المتحدة وإيران في محاربة داعش، وانقسم الإيرانيون حول دعم التفاعل مع الولايات المتحدة من خلال السياحة، والمحادثات، والصحفيين، والتبادل الثقافي.

وامتد هذا الاختلاف الطفيف، إلى الآراء الإيرانية حول البرنامج النووي لبلادهم. فعلى الرغم من أن الأغلبية كانت مؤيدة لتطوير الطاقة النووية، انقسم المستجيبون بالتساوي حول ما إذا كان ينبغي أن تنتج بلادهم أسلحة نووية. وأيد نحو 80 في المئة أيضا اتفاق مجموعة الخمسة + واحد، بينما أعرب 70 % عن تفاؤلهم بنجاحها.

غير أن الشيعة الإيرانيين والعراقيين، اختلفت وجهات نظرهم بشأن نظام الحكم في كل منهما. فقد ذكر 70 في المائة من الإيرانيين أن المرشد الأعلى خامنئي وحده ينبغي أن يقود إيران.

 

وذكر نحو 30 % من الإيرانيين بأنهم لا يستطيعون انتقاد النظام من دون خوف، في حين ذكر ثمانية في المائة فقط من العراقيين الشيء نفسه.

وأعرب العراقيون عن الإحباط العام إزاء نظامهم السياسي، وأفاد 60 % من الشيعة بأنه لا يوجد طرف مناسب لقيادة بلادهم. وفضل أكثرهم أن يقود البلاد شخص جديد، حتى لو كان ذلك يعني أن الزعيم الجديد سيكون عديم الخبرة. وعلى الرغم من عدم الرضا العام تجاه السلطة، ظل أكثر من نصف العراقيين مؤيدين للديمقراطية ككل، واختلفوا مع التصريحات التي تربط بين الديمقراطية و تدهور القيم الاجتماعية والأخلاقية، والاقتصاد، والاستقرار. ورغم أن الإيرانيين، يدعمون نظامهم الديني، كان تأييدهم للديمقراطية، يقل بدرجة طفيفة عن نظرائهم العراقيين.

 

وكان العراقيون أيضا في صالح الحفاظ على دولة عراقية ذات سيادة موحدة. وعلى وجه التحديد، أ يؤيدون محاربة داعش لتحرير المناطق السنية ويعارضون إنشاء منطقة حكم ذاتي سنية أو دولة كردية مستقلة.

 

ويوضح الباحثون أن الدروس المستخلصة من هذه الدراسة تشير إلى وجود رغبة في تقليل التدخل الغربي، ولكن في مشاركة أكثر إيجابية مع إيران والعراق. وتوضح أن على الولايات المتحدة بذل المزيد من الجهد لمعالجة اتهامها بالانحياز للسنة.

 

مقالات متعلقة