كان مستغربًا أن يوجه إعلامي مصري محسوب على النظام، انتقادًا مباشرًا إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، بشأن "الحريات وحبس الصحفيين"، رغم أن الإعلامي ذاته كان من أشد المؤيدين لترشحه للرئاسة.
الإعلامي المصري إبراهيم عيسى"، الذي برز اسمه منتصف 2014، في برامج "التوك شو" مؤيدًا للسيسي، انتقد الأخير ونظامه قبل يومين في مؤتمر للشباب بمنتجع شرم الشيخ مخاطبا من على منصة المؤتمر الرئيس الذي كان يجلس امامه في الصف الاول: "الدول المتقدمة لا تتبع أي نظام عقوبات سالب للحريات، وغيرها دول مستبدة وديكتاتورية".
ويأتي انتقاد "عيسى" للسيسي متماشيًا مع انتقادات إعلامية أخرى، من داخل النظام نفسه تجاه سياسات "الرئيس" في الفترة الأخيرة، وأبرزها كتابات للكاتب الصحفي عبد الله السناوي، المقرب من مؤسسة الرئاسة.
وفي مقال نشره قبل نحو شهر، في صحيفة "الشروق" استنكر "السناوي"، حديث سابق للسيسي عن قدرة الجيش على الانتشار خلال 6 ساعات، في مصر كلها "للسيطرة عليها" في حال أي طارئ، موجهًا حديثه للرئيس: "بكل احترام أرجو ألا يعود مرة أخرى إلى الحديث عن تدخل الجيش لضبط الأمور من أن تفلت، الحديث نفسه يومئ إلى قلق بالغ بدوائر السلطة العليا من انقضاض محتمل لاختصار مدة الرئاسة الحالية (رئاسة السيسي)".
وفي كتاباته يرى السناوي، أن "المجتمع مهدد في صلب تماسكه، وهناك حالة من الاستهتار والاحتقار للقوى السياسية، ولا يوجد رأس سياسي والدولة تفتقد القدرة على صناعة التوافقات السياسية".
هذا الاتجاه في نقد الرئيس المصري، من داخل أركان نظامه، اتفق على تصاعده أكاديميان ومعارضان بارزان، بينما تباينت بينهم فكرة وجود "تمثيلية"؛ في المعارضة الإعلامية لـ"التنفيس عن الغضب الشعبي"، او تفسير ذلك بوجود صراعات بين أجندة السلطة في مصر قد تسفر عن "انقلاب ناعم" من احد هذه الاجنحة.
واختلف الأكاديميان والمعارضان في تفسيرهم لأسباب تصاعد اللهجة الإعلامية المعارضة، غير أنها ارتبطت بشكل مباشر بـ"عدم وصول السيسي إلى ما كان يأمله أنصاره من طموحات".
ولم يكن "عيسى" و"السناوي" هما فقط من يغردان خارج سرب الإعلام المؤيد للنظام، حيث أظهر أخرون كان أبرزهم الإعلامي يوسف الحسيني، مؤخرًا، انتقادات للنظام في تعامله مع بعض الملفات الإقليمية، على رأسها العلاقات بين مصر والسعودية.
غير أن الهجوم الإعلامي على السيسي، قابله الأخيرة بهجوم مضاد، فخرج على مدار الأيام الثلاثة الماضية، محملاً الإعلام في بلاده، مسؤولية توتر العلاقات بين القاهرة وعدة دول أخرى، لم يسمها، واعتبره "منفصلا عن الواقع".
وفي أكثر من مناسبة، أعلن السيسي، الذي تولى الرئاسة في يونيو 2014، أنه لن يستطيع أن يعالج أزمات مصر المزمنة إن لم يجد عونا من الشعب، ودعمًا من الإعلام المصري، الذي يعد أغلبه مؤيدًا له.
وبحسب ما رصدته وكالة "الأناضول" وتصريحات لمراقبين وخبراء، فإنه يبدو أن حالة الانتقادات الموجهة للنظام، تعد "تنفيسًا" عن حالة الغضب الشعبي المتصاعد تجاه الأزمات الاقتصادية والسياسية الراهنة التي تحياها مصر، وقبل أيام من تظاهرات 11 نوفمبر المقبل، والتي دعا لإطلاقها معارضون لـ"إسقاط النظام"، في مقابل من يراها "صراعات داخلية" قد ترقى لدرجة "الانقلاب الناعم" لاسيما مع الأزمات التي ظهرت فجأة، مؤخرًا.
وتتحدث تقارير محلية عن تخوف من وصول السيسي إلى مصير سلفيه حسني مبارك ومحمد مرسي، والذين أطاحت بهما مظاهرات شعبية حاشدة في 25 يناير 2011، و30 يونيو 2013، على التوالي.
رؤى مختلفة
المحلل السياسي حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، يرى أن ما يحدث "رؤى مختلفة"، مستدركا "لكن أي شخص يتحدث عن صراع داخل الأجهزة فهذه استنتاجات وليست معلومات، رغم كونها أمر غير مستبعد".
وأوضح، لـ"الأناضول" أن "شعبية السيسي تآكلت وليس هناك اقتناع بسياسات النظام حاليًا والذين يقودون الدولة الآن من شبكة المصالح المرتبطة بنظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، فنحن أمام ثورة مضادة".
واستبعد أن يكون النقد الإعلامي لسياسات الرئيس "مجرد تمثيلية"، مستدركا "من ينتقدون الرئيس حاليًا لا يطالبون برحيله، خوفًا من الفوضى".
وأمس الأربعاء، ظهر مكرم محمد أحمد نقيب الصحفيين السابق، وأحد أبرز الرموز في نظام مبارك، خلال إحدى الجلسات، مدافعا عن السيسي، معتبرا أن الحريات في عهده غير مسبوقة في أي وطن غربي آخر.
إفاقة متأخرة
"فشل السيسي كان صدمة لبعض الذين راهنوا عليه"، كان ذلك تفسير أيمن نور، المعارض المصري البارز المقيم في الخارج، لحالة المعارضة الإعلامية الموجهة من داخل النظام نحو السيسي.
وفي حديث عبر الهاتف لـ"لأناضول"، وصَّفَ "نور"، تلك الحالة من المعارضة بأنها "حالة إفاقة متأخرة، لبعض الإعلاميين والسياسيين الذين خدعوا في مشروع السيسي، وصدموا نتيجة فشله".
وقال نور "قد يكون هناك من يساند فكرة القيام بتمثيلية المعارضة للنظام، من داخل النظام نفسه"، إلا أنه رأى أن "فكرة التمثيلية والمؤامرة تفكير متأخر لما وصلت إليه مصر".
وربط نور بين المعارضة الحالية من داخل النظام للسيسي، وصراع الأجهزة، قائلا: "جزء من الحكاية صراع أجهزة، وداخل المؤسسة الواحدة، لأن صدمة فشل السيسي صدمة لكل من ساندوه سواء داخل الجيش أو الثورة المضادة".
نزعة نقدية للسلطة
وفي المقابل، اتفق ياسر عبد العزيز، الأكاديمي المتخصص في السياسيات الإعلامية، مع بعض الأطروحات السابقة، في استبعاد وجود "مؤامرة" و"تمثيلية" في الهجوم الإعلامي على الرئيس.
وقال لـ"الأناضول"، إنه "لا تصاعد للهجة إعلامية موجهة ضد النظام في الفترة الأخيرة، ولو كان، فلن يصنع فارقًا في الحياة السياسية".
"هي حالة راهنة تعكس وتيرة طبيعية للمحاججة والنقاش العام لأداء السلطة، وهي نزعة نقدية للسلطة لما يحدث في مصر"، يضيف عبد العزيز.
وأشار إلى أن "الرئيس أظهر اهتمامًا بما يتطرق إليه الإعلام مؤخرًا، وسعى في حل الأزمات التي تناولها، ومن بينها متابعة أحوال المعتقلين في السجون"، في إشارة لتشكيل لجنة رئاسية للعفو عنهم خلال أسبوعين.
تنفيس عن الغضب
في المقابل، قال ثروت نافع، المعارض المصري البارز، إن "المعارضة الإعلامية المحسوبة على النظام حاليًا، تعتبر عودة لاستراتيجية الرئيس الأسبق مبارك في التنفيس" أو السماح لمعارضيه بانتقاده بشدة دون أن يعبأ بتنفيذ مطالبهم.
وفي حديثه لـ"الأناضول"، أضاف "يتم تقديم بعض الوجوه وكأنها معارضه وناقده للنظام، حتي يشعر الناس ببعض الرضى، لأن هناك من يثأر لهم ويعبر عن معاناتهم، وفي تقديري أن السيسي استنفذ استراتيجية البطش الكامل وخرس الألسنة، وأصبح نظامه مرتعداً من تزايد حدة الغضب لدى الشارع".
وتابع "النظام يريد أن يدفع بهذه الوجوه الإعلامية والتي مهما أبدت من معارضة فقد فقدت مصداقيتها لدى الكثير من الشباب الثوري، بعد أن كانت أحد أهم أذرع عودة الاستبداد".
"ليس تمردًا على النظام"، يقول نافع حول دلالات المعارضة الإعلامية الراهنة، مضيفًا "هو محافظةً على النظام من الانهيار الذي بات يستشعرونه قريبا، أو بمعنى آخر هو نقد مخلص ليس من أجل الثوار والثورة ولكن نصحاً للديكتاتور لكي يتجنب حدوثها".