خلاف كبير مكتوم بين مصر والمغرب على خلفية استقبال الأولى وفد جبهة البوليساريو التي تطالب باستقلال الصحراء الغربية التي يعتبرها المغرب جزءا أصيلا من أراضيه وله حق السيادة عليها، فإلى أين يصل الخلاف بين القاهرة والرباط؟ وكيف تحل أزمة الصحراء الغربية التي وضعت المغرب في صدام مع المجتمع الدولي عدة مرات؟
كما تدور تساؤلات عديدة حول الوضع الداخلي المغربي فحزب "العدالة والتنمية الإسلامي" حقق نجاحا كبيرا في الانتخابات البرلمانية رغم حملة التشويه التي أصابته.. فما سر تفوقه؟ وما حقيقة تعاون الملك حسن مع إسرائيل كما كشف قادة إسرائيليين سابقين؟
الدكتور عبدالفتاح الفاتحي الباحث الأكاديمي المغربي والخبير في قضايا الساحل والصحراء تطرق لكل هذه النقاط وأكثر في حوار مطول لـ"مصر العربية"..
إلى نص الحوار..
أثار استقبال وفد "البوليساريو" ضغينة بين المغرب ومصر .. كيف رأيت الأمر؟
بدا استقبال مصر لوفد جمهورية وهمية تسمى البوليساريو غريبا ومفاجئا جدا؛ لأنه جاء مخالفا لما يقتضيه التحالف التاريخي الرسمي والدبلوماسي والشعبي بين المغرب ومصر، الأمر الذي يجعل نفي رئيس لجنة الإعلام والثقافة بمجلس النواب المصري غير كاف؛ لأن مسؤولية إساءة مصر إلى مشاعر الملايين من المغاربة قائمة، بدليل أن تأشيرات دخول وفد البوليساريو تمت بجوازات سفر لجمهورية وهمية.
إن عمق علاقات المغرب ومصر أكبر من جماعة انفصالية حتى تكسر تاريخية التنسيق الأخوي بين مصر والمغرب، في وقت لا يسمح لمصر أو للمغرب إثارة أي ما من شأنه إثارة مشكلة سياسية حيال بلد حليف موثوق منه بالنظر إلى سجل تعاونهم التاريخي القديم.
وإذا كانت مصر الرسمية لا ترى في حضور وفد البوليساريو ضمن المشاركين من البرلمان الإفريقي أي مسؤولية، فقد كان عليها أن تصدر بيانا رسميا تتبرأ فيه من مشاركة وفد البوليساريو ومن وجوده أصلا فوق التراب المصري.
هل هذه أول مرة يحدث فيها مثل هذا الخلاف؟
لا النظام المصري أثار نفس الأزمة الدبلوماسية بين البلدين السنة الماضية رغم حساسية التعامل مع جبهة البوليساريو رسميا ومدنيا، حيث كانت وفود البوليساريو السياسية والمدنية تحظى باستقبالات متوالية، ويعرف الجميع حدة الأزمة التي حدثت إلى أن تم احتوائها بتوقف مصر عن دعمها السياسي والإعلامي لجبهة البوليساريو في مصر أو خارجها، فلماذا إذن تعاود مصر ذات الأسلوب المستفز.
إلى أين تصل الأزمة بين المغرب ومصر؟
مهما تكن الجهة التي وجهة الدعوة للبوليساريو، فإن مصر في نظر المغاربة لم تلتزم بما تعهدت به بعد أزمة السنة الفائتة؛ لأنها إجرائيا أشرت على جوازات سفر وصفات أعضاء البوليساريو، ولمكنت وفد دولة -لا تعترف بها الأمم المتحدة ولا أي تنظيم قاري أو إقليمي- من إجراء لقاءات رسمية ووضع يافطة باسم جمهورية وهمية.
إن استقبال وفد البوليساريو مرة أخرى يجعل المغاربة مقتنعين بأن مصر قد تكون بصدد تغيير أجندة سياستها الخارجية، ولا سيما حينما سبق لها أن استدعت الحوثيين رغم عدم ترحيب التحالف العربي بذلك.
وإذا كان المغاربة قد لملموا أزمة السنة الماضية بما لا يسيء إلى تاريخ من التعاون الدبلوماسي والاقتصادي والثقافي بين المغرب ومصر بطريقة براغماتية، فإنهم تفاجؤوا بعودة مصر إلى عادتها السابقة حول ملف الوحدة الترابية للمغرب.
ولماذا كل هذا السخط؟
الصحراء هي الموجه لعقيدة السياسة الخارجية المغربية، فإن مصر أساءت إلى المغرب والمغاربة في قضية مقدسة، وهو ما يولد مشاعر غضب عارمة ويؤدي إلى احتقان سياسي تجاه كل ما هو مغربي، لا سيما أن المغاربة يعتبرون هذه الإساءة من دولة حليفة وصديقة منذ زمن بعيد، ولها بهم علاقات أقوى من تسوء بشرذمة انفصالية.
وأرجو أن تتفهم مصر الموقف وتعبر عن موقفها صراحة حول سياق وخلفيات استقبال وفد البوليساريو، وسواء أجابت أم لم تجب فالمغاربة يعولون على حكمة وزن مصر السياسي لدعم عودة المغرب إلى منظمة الاتحاد الإفريقي حلال يناير المقبل بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا.
وكيف تحل مشكلة الصحراء الغربية المتأزمة منذ أمد بعيد من وجهة نظرك؟
قضية الصحراء اليوم معروضة على الأمم المتحدة، والملف يناقش بصورة منتظمة في مجلس الأمن الدولية والجمعية العامة للأمم المتحدة، وقد دعا مجلس الأمن الدولي الأطراف إلى إيجاد حل سياسي متوافق عليه. وفعلا يخوض المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة بمشاورات سياسية لتحقيق هذا المبتغى.
وحتى يتم حسم هذه القضية فإن المغرب تقدم بمبادرة واقعية تقوم على أساس منح حكم ذاتي في الصحراء، واعتبر أن هذا أقصى ما يمكن للمغرب أن يقدمه، وتم تقديم هذا المقترح بناء على مشاورات موسعة مع دول مؤثرة في الملف ومنها دول أصدقاء الصحراء (دول مجلس الأمن الدولي الدائمين ناقص الصين زائد اسبانيا).
وأكدت قرارات مجلس الأمن الدولي أن هذا المقترح واقعي وجدي وذي مصداقية، كما أن العديد من الدول قد اعتبرته بأن حل جد ممكن لا غالب ولا مغلوب، وفي النهاية لا يمكن تصور القبول بمقص سايس بيكو في المغرب، خاصة أن الصحراء مؤهلة أن تكون فضاء للإرهاب والإخلال بأمن واستقرار منطقة الساحل والصحراء.
رغم الهجوم المتكرر على حزب العدالة والتنمية خاصة عقب تورط قيادات مقربة منه في قضايا أخلاقية ومخدرات إلا أنه حصد الأغلبية في الانتخابات البرلمانية، لماذا؟
تبقى تجربة حزب العدالة والتنمية فتية، ولذلك يضع عليها المغاربة الكثير من الآمال لتحسين الأوضاع الاجتماعية بعد أن جربوا عدة أحزاب، وهم بذلك يسعون إلى منحهم فرصة لمواصلة ما قالوا أنها إصلاحات لقيت تحديات كبرى من لدن ما أسماهم رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران بـ "التماسيح والعفاريت أو بالدولة العميقة أو نظام المخزن).
ومن جهة أخرى فلأن حزب العدالة والتنمية انطلق من المساجد لبناء الحزب وتكثيف شعبيته، وهو ما مكنه من الارتباط بالعمق الشعبي، واستفاد من أيديولوجيته المرتبطة بقيم الدين وهو ما جعل المغاربة يرون فيه حزبا وطنيا حقيقيا، وأن حزب الأصالة والمعاصرة ذي المرجعية اليسارية حزب فاسد أيديولويجيا لأنه تغريبي ويدعم المثليين ويشجع على بيع الخمور ويدعو إلى تجديد نظام الإرث وغيرها من القضايا المخالفة لإجماع المغاربة الديني.
إن هذا التصور الغالب في ذهنية المغاربة بالنسبة لحزب العدالة والتنمية تجعلهم يعتقدون أن جهاز الدولة الفاسد هو الذي يختلق قضايا أخلاقية للإساءة إلى الحزب، وكل هذا الإحساس يزيد من التأييد الأعمى للطبقة الشعبية في تجربة حزب العدالة والتنمية.
كما أن المغاربة يعتقدون أن المشكلة الأخلاقية هي سبب الفساد، وحيث إن أعضاء حزب العدالة والتنمية يحرصون على الفرائض فإن ذلك يجعلهم لا يسرقون المال العام، وأنهم سيخدمون البلد بنزاهة.
العدالة والتنمية أعلن عزمه تشكيل حكومة ائتلافية ولكن دون الأصالة .. كيف ترى الموقف؟
إن الاختلاف الجوهري إيديولوجيا يفرض على العدالة والتنمية البحث عن تشكيل حكومته مع الأحزاب التي تشترك معه نفس المرجعية، كما هو الحال بالنسبة لحزب الاستقلال الذي أعلن قبول دخوله في الائتلاف الحكومي لرئيس الحكومة عبد الإله بنكيران.
ويكمل بناء ائتلافه الحكومي على باقي الأحزاب التي شاركته في الائتلاف السابق، باعتبارها أحزاب مجربة وموثوق فيها، وأنه يعول عليها من أجل مزيد من الانسجام الحكومي المطلوب.
ما التحديات أمام الحكومة الجديدة بحسب رأيك؟
ينتظر من حكومة العدالة والتنمية الإجابة العملية على الكثير من التحديات الاجتماعية وعلى رأسها مسألة إصلاح منظومة التعليم والإدارة وحل مشكلات الصحة، وتخفيض مديونية الدولة، وهي إشكاليات تشير التقارير إلى أنها استفحلت كثيرا، الأمر الذي يجعل مهمة الأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران غاية في الصعوبة، فضلا عن مدى امكانية البحث عن شركاء للتعاون والإسناد كلما ألمت بالمغرب ضائقة مالية.
رواندا تعتبر أن “الوقت حان” لعودة المغرب إلى الاتحاد الافريقي .. هل يتغير موقف الاتحاد الإفريقي قريبا؟ ولماذا؟
إن المنطق السياسي اليوم يجعل إفريقيا في حاجة إلى كامل دولها لتقوية موقفها السياسي في العلاقات الدولية، وأن الاتحاد الإفريقي كتنظيم قاري مدعو لتعزيز وزنه السياسي كفاعل جد مؤثر، وهو ما يفرض عليه استثمار كل الإمكانيات لتعزيز هذه المكانة، بخاصة أن عودة المغرب لها وزن سياسي قوي جدا في العلاقات الدولية وهو ما سيعطي نفسا قويا للموقف السياسي الإفريقي.
إن عودة المغرب إلى منظمة الاتحاد من شأنها أن تعزز دمقرطة المؤسسة فيما يخص تنفيذ قرارات الاتحاد الإفريقي، ويعطي لقراراته وزنا سياسيا للإنفاذ، ويُمكن التنظيم الإفريقي من حسم الخلافات بين الدول الإفريقي على أسس موضوعية. وهو ما يقلص التدخلات الخارجية في القرار الإفريقي.
ولا بد من التأكيد أن المغرب العائد إلى الاتحاد الإفريقي هو أول بلد مستثمر في إفريقيا الغربية من الدول الإفريقية وثاني مستثمر في إفريقيا بعد دولة جنوب إفريقيا، لذلك فإن المغرب وهو يتوجه بطلب العودة ينطلق من برغماتية واحتياجات الواقع الإفريقي، ولذلك ابتدع الملك محمد السادس استراتيجية تعاون جنوب – جنوب يعبئ لها في المحافل الدولية دفاعا عن إفريقيا، أساسها شراكة تعاونية ندية بين الدول الإفريقية، خلافا للنظرة الاستغلالية للدول الكبرى إلى إفريقيا.
ما تفسيرك للحديث قادة إسرائيليين حول مد الملك الحسن لهم بمعلومات مهمة أدت إلى نكسة 1967؟ ولماذا الآن؟.
تؤكد مسيرة الحسن الثاني السياسية أن الرجل كان واقعيا وبراغماتيا في زمن عربي كانت تسيطر فيها العاطفة والشعارات، وحيث إن الواقع العربي والإسلامي آنذاك كان في حاجة إلى أفعال وليس إلى شعارات بدا أسلوب الراحل الحسن الثاني بأنه مخالف لإجماع الشعبوية العربية والإسلامية آنذاك أمام حجم التحديات التي فرضتها قوة إسرائيل أمام الضعف العربي.
إن هذه المعادلة غير المتوازنة لأسباب بنوية متداخلة، هي التي توجهت بالحسن الثاني إلى تحركات دبلوماسية أكثر جدة، ومنها التحرك من أجل تقوية روابط العمل العربي والإسلامي المشترك بالعمل على تأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي بالرباط في 25 أيلول 1969، والمساهمة في تأسيس لجنة القدس التي ترأسها منذ سنة 1975 إلى أن وافته المنية وهي اليوم يرأسها الملك محمد السادس.
وبالنظر إلى الكثير من الأدوار الدولية للحسن الثاني جعلته يتبوأ مكانة سياسية مرموقة بين العديد من الملوك والرؤساء، وهذا هو السبب الذي جعل البعض يتهمه بلعب أدوار لصالح اسرائيل أو أمريكا، وبالعمل على قيادة تطبيع سري مع الكيان الإسرائيلي من خلال مشاورات واتصالات مع قيادات إسرائيل وهي اتهامات شعبية أكثر منها رسمية، ولا تختلف هذه الاتهامات الجديدة عن تمكين الحسن الثاني للإسرائليين من معلومات مفصلة لما دار بين الزعماء العرب في فندق بمدينة الدارالبيضاء سنة 1965، قد يكون سببا رئيسا لانتكاسة 1967.
إن اتهامات على إطلاقيتها بدون إسناد موضوعي يجعل من الصعوبة بمكان تصديقها من الناحية السياسية لحرص الحسن الثاني على مصالح العرب والمسلمين بدليل سجله التاريخي في ذلك، ومن الناحية العسكرية والاستخباراتية فإن المعلومات التي قيل أنها اسرائيل تحصلت عليها ليست هي سببا لنكسة 1967.
حدث توتر كبير بين أمريكا والمغرب على خلفية انتقادات للمملكة بخصوص انتهاكات لسكان الصحراء أعقبها زيارة الملك محمد لروسيا.. هل تتحول تحالفات المغرب؟
إن العلاقات المغربية الأمريكية أقوى من أن تتأثر بقضية تحتمل تسييسا مهددا لقضية الوحدة الترابية، ولذلك بدا بعض التوتر حين تقدمت الولايات المتحدة بمبادرة على مستوى مجلس الأمن الدولي تقضي بتوسيع صلاحيات بعثة المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان، قبل أن يتم التخلي عن لما كانت تلك الخطوة تمس رمزية السيادة المغربية على المحافظات الصحراوية.
ولأن الاستفتاء أسباب هذه المواقف الأمريكية، يجدها مشخصنة في كثير من الأحيان أو مسيسة، وتتعامل مع ملف هيكلي بطريقة تقنية أي جعل المسألة الحقوقية المحفز الأوحد لضمان تطور نحو إيجاد حل لمشكل الصحراء، فإن المغرب لم يقبل بذلك لأن الخطة تساوي بين المغرب كدولة معترف بها أمميا مع تنظيم سياسي انفصالي.
كما أن منطق جون كيري الذي ساهم في فصل الجنوب السوداني لا يمكن أن يكون مرجعا حاسما لحل قضية الصحراء على ذلك النسق لاختلاف جوهري بين القضيتين، وأن إدخال مقص "سايس بيكو" لا يجب أن تسمح به الدول العربية والإفريقية، ولذلك نشدد القول على أن تحالفنا مع مصر يجب أن يقدس حفظ وصون الوحدة الترابية للدول، وهو ما يجعل استقبال وفد جبهة البوليساريو أمرا نشازا، ومهما تكن المسوغات المُساقة في وسائل الإعلام لتبرير ذلك.
أما عن توسيع دائرة العلاقات المغربية فهذا توجه استراتيجي، حيث أن الخيارات التي حافظت بها المملكة على استقرارها السياسي والاقتصادي وضمنت بمها الحفاظ على التوازنات الماكرواقتصادية التي مكنت من تجاوز تداعيات الأزمة الاقتصادية والمالية، يدعو إلى هذه الشراكات مع الهند والصين وروسيا، ولا يمكن أن تكون روسيا بديلا للشركاء التقليدين للمملكة لمغربية الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي بحكم قوة واقع العلاقات التاريخية والسياسية والقرب الجغرافي.
أكبر محطة لإنتاج الطاقة الشمسية في المغرب.. كيف سيفيد ذلك الدولة اقتصاديا؟
تكلف المسألة الطاقية الكثير من ميزانية الدولية، وهي بذلك ترفع من نسبة العجز وانخفاض الاستثمار العمومي وما يترتب عنه من انخفاض في فرص التشغيل، وحيث إن كامل مصادر الطاقة تستورداه المملكة من الخارج في وقت ترتفع فيها أسعار النفط، و كان التوجه إلى الطاقة البديلة خيارا استراتيجيا، وقد انخرط المغرب في هذا بشكل قوي، حتى أنه حقق نتائج طيبة وقد بدأ فعليا في الاستفادة من ذلك، وأن نجاحه في ذلك فتح له الأفق واسع لتوسيع حقول إنتاج الطاقة الشمسية، مما حول مدينة ورززات إلى غابة من الألواح الشمسية.
وينتظر أن تسرع وتيرة التعاون الدولي مع المغرب بعد الإشادة بالنتائج الجيدة المحققة، مما يجعل استفادة المغرب مزدوجة بين تقليص كلفة استيراد المواد الطاقية والمساهمة في المحافظة على البيئة، وعلى هذا التخطيط الإستراتيجي تحتضن مدينة مراكش المغربية قمة كوب 22 للمناخ.