فورين أفيرز: تقارب دافئ بين إيران والصين

الصين تسعى للتطلع إلى المستقبل

في أواخر سبتمبر الماضي، ظهر حفنة من تجار السجاد الإيراني، تناثرت بضاعتهم بين مئات الأكشاك التي تشكل معرضا ضخما لسلع الصين وأوراسيا في مدينة أورومتشي غرب الصين.

 

ورغم أن المراقبين لاحظوا أنهم لا يحققون مبيعات كبيرة، إلا أنهم لم يكونوا قلقين، ويفسر "إيلان بيرمان" نائب رئيس مجلس السياسة الخارجية الأمريكية، و"جوناثان سكاينزير" نائب رئيس مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات لشئون البحوث ـ في مقال بمجلة فورين أفيرز ـ موقف التجار، بأنهم مثل الحكومة الإيرانية نفسها، يستشرفون المستقبل، وهناك الكثير من الفرص في هذه الأيام، خاصة في الصين.

 

وأصبح المعرض السنوي جزءا من مبادرة الرئيس الصيني شي جين بينج "حزام واحد، طريق واحد".

 

وكانت المبادرة ثمرة التوسع في السياسة الخارجية الذي رافق صعود شي إلى السلطة عام 2013، كمحاولة طموحة لإحياء الطريق التجاري القديم المعروف باسم طريق الحرير من خلال الشراكة الاقتصادية (والسياسية في نهاية المطاف) مع بلدان غرب الصين.

 

وبعد أن كانت الجمهورية الإسلامية منبوذة دوليا، تتطلع الآن إلى تحقيق انتعاش اقتصادي مستدام، بفضل الاتفاق النووي المثير للجدل العام الماضي مع مجموعة دول 5+1، الذي بفضله كسبت البلاد أكثر من مائة مليار دولار من تخفيف العقوبات المباشرة وتنازلات غربية أخرى في مقابل وقف مؤقت لبرنامجها النووي. وخلال المفاوضات، أثنت الدول الأخرى على دور الصين في تشجيع إيران للجلوس على طاولة الدبلوماسية. ففي نوفمبر 2014، على سبيل المثال، أشاد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري "بمشاركة الصين الجادة كشريك كامل في مفاوضات 5+1.

 

غير أن الكاتبين يعتبران أن إيران في الواقع، هي التي ينبغي أن توجه الشكر للصين، فقد خلص تقرير صدر مؤخرا عن بعثة صندوق النقد الدولي لتقصي الحقائق في البلاد إلى أن الظروف الاقتصادية "تتحسن بشكل كبير" في إيران، بفضل ثمار الاتفاق النووي، مع توقع ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.5 % على الأقل، السنة القادمة. كما ينتظر أن يحصل الانتعاش الاقتصادي على دفعة أخرى للأمام نتيجة انفتاح الصين غربا، وفي يناير، قام شي بزيارة رفيعة المستوى إلى طهران أثمرت ما لا يقل عن 17 اتفاقية تجارية صناعية. كما سجلت الزيارة بداية تقارب صيني قوي نحو  إيران، مع تعهد الرئيس الصيني بزيادة التجارة الثنائية بأكثر من عشرة أضعاف، إلى 600 مليار دولار، على مدى العقد المقبل.

وتسير تلك الخطة على قدم وساق. ويقر مسئولون حكوميون في بكين الآن صراحة بأن إيران ـ التي تشهد الآن تدفق النقد وضخامة احتياجات البنية التحتيةـ ستظل شريكا تجاريا مهما. وهذا الصيف، أعلنت شركة صينية لم يكشف عنها التزامها بإنفاق نحو 550 مليون دولار لبناء محطة بترول جديدة فوق مضيق هرمز في مشروع يرتبط بشكل واضح بانفتاح الصين غربا.

 

وخلال الأسابيع الأخيرة، وقعت شركة سينوبيك النفطية الصينية العملاقة المملوكة للدولة صفقة بقيمة 1.2 مليار دولار مع وزارة البترول الإيرانية لبناء مصفاة جديدة ضخمة في عبدان كجزء من حصة بكين المزدهرة في مجال الطاقة في الجمهورية الإسلامية.

 

ويشهد الاستهلاك الصيني من البترول الإيراني ارتفاعا كذلك، وعقب إبرام الاتفاق النووي، سرعان ما تصاعدت واردات البترول الخام من الجمهورية الإسلامية. واستمر هذا التوجه منذ صيف عام 2014. وأشارت التقارير الصحفية الإيرانية إلى أنه في ربيع هذا العام واردات الصين البترولية من إيران ارتفعت بنحو 20 % عن العام السابق.

 

فماذا عن موقف البيت الأبيض؟ منذ بداية العام، قد اتخذت وزارة الخزانة الأمريكية سلسلة من الترتيبات لمتابعة تبادل الصواريخ الباليستية الصينية مع طهران، مما يدل على الاهتمام الأمريكي الرسمي بالعلاقات المتنامية المستمرة بين الصين والجمهورية الإسلامية، غير أن إدارة أوباما ظلت رسميا، ملتزمة الصمت إزاء الجانب المظلم من تعميق هذا التعاون الثنائي.

 

 

ومن جانبهم، مازال واضعي السياسات الصينية يتحدثون خطابا خشنا. ويدلل الكاتبان على ذلك بما قاله لهما أحد المسئولين الصينيين من ان بكين مستعدة لإعادة العقوبات على إيران إذا انتهكت لاتفاق نووي. ومع ذلك، فمن الناحية العملية، ليس من الواضح على الإطلاق أن الصين تستطيع ذلك. فمع زيادة استثمارات الصين أكثر وأكثر في إيران، مثلما تفعل الدول الأخرى ذلك أيضا، تتناقص شهية بكين لفرض ضغط اقتصادي. وفي الواقع، على حد تعبير أحد المراقبين للعلاقة الصينية الإيرانية هو أن بكين "ليس لديها تأثير كبير على السلوك الإيراني."

 

كما لا يبدو أن الصين تريد ذلك أيضا، وأكد أكثر من مسؤول صيني بعد اجتماع في العاصمة الصينية بكين، أن سياسة حكومتهم هي عدم التدخل في شئون الآخرين. ولكن الفكرة الأكثر إثارة للارتباك والتي أثارها محلل شئون الشرق الأوسط في بكين الذي اعترف بأن سياسة الصين تجاه إيران سوف تحقق أرباحا لبكين بغض النظر عن نتيجة الصفقة النووية. فإذا التزمت إيران بشروط الاتفاق واستمر تخفيف العقوبات، سوف تحصل بكين على سوق أوسع والمزيد من الفرص الاستثمارية، أما إذا لم تلتزم إيران وفرضت عقوبات جديدة، سيكون للصين، التي أثبتت استعدادها لاستيعاب مخاطر العمل مع دولة مارقة، نصيب الأسد من فطيرة صغيرة، وفي كلتا الحالتين، تفوز بكين.

 

ويعزز هذا النوع من التوقعات المخاوف في واشنطن والعواصم الأجنبية حول تداعيات صعود الصين كقوة عالمية، ويثير تساؤلات حول استعدادها لتحمل دور بناء في حل بعض المشاكل الأكثر إلحاحا في النظام الدولي. وعلى أي حال، لدى بكين الآن أسباب عديدة لغض الطرف عن المخالفات الإيرانية، إذا حدثت. كما أن إيران، من جانبها، تشعر بالراحة لثتها ان الصين تقف في صفها سواء استمر الاتفاق النووي او لم يستمر.

مقالات متعلقة