مع بداية موسم الأمطار تتصاعد الأنفاس ترقبا وخوفا من تكرار الأزمات التي حلت بالإسكندرية العام الماضي منذ نوة 25 أكتوبر التي أطاحت بالمحافظ الأسبق هاني المسيري. وحينها غرقت مناطق كاملة، وتلفت بعض شبكات الصرف الصحي، وغرقت آراضي زراعية، وصولا لتهدم العقارات أوقعت ضحايا، ولم يمر يوم في شتاء 2015 دون سقوط كامل لأحد المنازل، أو انهيار جزئي لآخر.
إحصائيات كثيرة رصدت أعداد المنازل الآيلة للسقوط في الإسكندرية والتي وصل عددها إلى ما يقرب من 27 ألف، ويتركز العدد الأكبر منها في مناطق تعد بأكملها آيلة للسقوط مثل"اللبان، الجمرك، وغيرها" والتي كان لها النصيب الأكبر في سقوط المنازل والضحايا في شتاء 2015.
28 أكتوبر 2015 في ذلك اليوم شهدت منطقة أبو قير تهدم كامل لأحد العقارات والذي راح ضحيته 3 أشخاص وأصيب آخرون، في واقعة أثارت الخوف في قلوب سكان قرية الصيادين التي ضمت العقار المنهار ومئات من العقارات المماثلة له، ومع أول قطرات شتاء 2016 بدأت استغاثات السكان بعدما سيطر عليهم الخوف من ملاقاة المصير ذاته.
على بعد أمتار من مركز شباب أبو قير تصطف عدد من العقارات المتماسكة والتي تطل على الشارع الرئيسي بينما يشقها حارة صغيرة تؤدي إلى قرية الصيادين والتي تعد الوجه الآخر لهذه العقارات، فبين منازل متهدمة تنخفض مداخلها عن مستوى شبكة الصرف الصحي تتخذ بعض الطيور"البط" مكانها بحثا عن الطعام، بينما تجلس سيدة في مدخل حجرتها المسبوقة بـ "حوش" غير مسقوف يضم بعض الأدوات المنزلية ودورة مياة، شاكية من الصرف الصحي الذي يغرق حجرتها مع أول موجة أمطار.
"تعبت من صدري وركابي، بس حاجة تتاويني"كلمات لخصت مطلب"نادية حسن علي" الأساسي في الحياة، وهي السيدة الخمسينية التي تعيش بمفردها في حجرة تهشمت أرضيتها بسبب مياه الأمطار التي أغرقتها العام الماضي، فلجأت لأوراق الكرتون وضعتها تحت "الحصيرة"وخطت جدرانها الشقوق نتيجة تسرب المياه من السقف الخشبي.
في العام الماضي وعقب سقوط الأمطار في النوة الأولى لم تتمكن نادية من دخول غرفتها التي ملأتها المياه، وكان الجيران يحضرون لها الطعام أمام الباب الخارجي للمنزل، بينما تقضي هي ليلتها في بيت أحدهم، فتقول أنها استعانت بأطفال الجيران لإخراج المياه من الغرفة مقابل جنيه لكل منهم.
ومع بداية شتاء هذا العام تجلس نادية يوميا على باب الغرفة نهارا تخوفا من سقوط سقف الغرفة عليها، وتبيت ليلتها عند ابنة خالتها وتعود في صباح اليوم التالي، فتقول "بخاف أنام.. السقف يقع عليا".
وفي"بالكون" متهالك تقف ماجدة عبد الرحيم طالبة نجدتها هي وأسرتها من بيت محكوم عليه بالانهيار، فتقول إنها لا تتمكن من النوم طوال فصل الشتاء حيث تقضي ليلتها في نزح المياه التي تغرق حجرة نومها فتضع "كروانة" بلاستيكية على السرير لتمنع المياه من الوصول إليه.
وأوضحت أن المياه تنزل من السقف على غرفتها فتسببت في إحراق أكثر من جهاز "تلفاز"، وأنهم يخافون من البقاء في المنزل معلقة "يجي الليل علينا نطلع نبات برة بنخاف ننام فيه"، مشيرة إلى المنزل المجاور لهم الذي سقط سقفه بسبب مياه الأمطار، وأنهم يتخوفون من انهياره تماما في شتاء هذا العام، مؤكدة أن انهياره سيؤثر بالسلب على منزلهم.
ا
نخفاض أرضية "الصالة" وتهالك البالكون أكثر ما يخيف ماجدة فتقول "كل اللي يعدي يقولي يا حاجة خلي بالك من البلكونة"، مشيرة إلى أحد العقارات المجاورة لهم والتي تحتوي على عدد كبير من أسلاك الكهرباء مما جعلها سبب ذعر حال تعرضها لمياه الأمطار، وهو الأمر الذي يتكرر في أكثر من شارع من شوارع المنطقة، حيث تلامس أسلاك الكهرباء رؤوس المارة. وتقول ماجدة"العمارة دي مع كل شتاء السلوك اللي على الحيطان تفرقع ونخاف من منظر الشتاء فننزل من بيوتنا"
وفي الطابق الأخير لمنزل تهالكت درجات سلمه تجلس أم يوسف مع أطفالها، فتقول أن منزلها يكون عكس غيره في الشتاء، ففي الوقت الذي يكون الجميع فارشا الأرضيات لمقاومة البرد، تقوم هي بنزح المياه وإزالة فرش الأرضية وتركها"على البلاط" مضيفة"طول ما في شتا بالليل مفيش نوم"
وأشارت إلى أن الشتاء أصبح معاناة بالنسبة لأطفالها الذي يصابون بنزلات البرد وأمراض الشتاء بشكل مستمر، وأنهم يقضون يومهم في نزح المياه من أعلى سطح المنزل والذي يلاصق سقف شقتها، إضافة إلى معاناتهم من قطع الكهرباء بشكل مستمر، وتخوفهم مما قد تسببه أسلاك الكهرباء وقت سقوط الأمطار من القضاء على حياة أحدهم، معلقة"السنة اللي فاتت في ناس ماتت من عواميد الكهرباء فبنخافوا"
وأوضحت أنهم يحلمون بترميم سقف المنزل، حتى تنعم بحياة هادئة مع أولادها، مشيرة إلى أن زوجها يعمل باليومية وأجرته في اليوم 50 جنيه، تنفق منها على تعليم الأولاد والطعام والشراب ولن تتمكن من توفير نفقات ترميم السقف، معلقة"مش عارفة الشتا اللي جاي ده مصيره إيه؟"
وفي غرفة مجاورة لمنزلها يجلس علي محمد بدر صياد، انتقل إلى هذه الغرفة عقب سقوط سقف منزله نتيجة تراكم مياه الأمطار عليه، والذي يقول أن أكثر ما يخيفه من الشتاء القادم هو الموت معلقا"لو وقع عليا السقف حنموت أنا وعيالي" مشيرا إلى أن عدد كبير من منازل المنطقة يعاني من التهدم، إضافة إلى وجود عدد كبير من أسلاك الكهرباء معلقا"السلوك عريانة لو وقع طرف سلك يضيع اللي في الشارع كلهم وماحدش مدور".
وأكد أنهم لم يجدوا اهتماما من أي مسئول، مضيفًا: "ماحدش بيدور على الطبقة الغلابة دي والفقيرة اللي في الزقايق دي"، مشيرًا إلى أن مطلبهم الوحيد هو العيش في بيوت آمنة، معلقا: "الحي بيجيب علينا غرامة ويلدعنا في الكهرباء أحنا بندفع 50 جنيه على لمبة واحدة، ولا لينا دخل ولا حاجة لو اشتغلنا أكلنا ما اشتغلناش خلاص"
من جانبه قال اللواء عادل سلامة رئيس حي منتزه ثان أن الحي قام بحصر المنازل المطلوب ترميمها كي يتسلمها السكان للبدء في أعمال الترميم فرفضوا تسلمها مؤكدين أنهم لا يملكون الأموال اللازمة لذلك الأمر.
وأضاف في تصريحاته لـ "مصر العربية" أنه تم الاتفاق مع بعض الجهات من المجتمع المدني للتكفل بنفقات الترميم، فرفض الأهالي تسلم قرارت الترميم تخوفا مما أشاعه البعض بأن الشركة التي جاءت للترميم ستقوم بشراء الأرض لإقامة مشروع سياحي، مؤكدا أن القرارت الصادرة من الحي هي قرارات ترميم وليست قرارات إزالة.
وأكد أنه يسعى حاليا لإقناع السكان بأن الشركة تتولى المشروع لمساعدة الأهالي وليس للاستيلاء على أرضهم، كما أشاع عدد من المقاولين، معلقا"أحنا في معاناة بنحاول نقنع الناس علشان نبدأ في أعمال الترميم" وطالب الأهالي بتسلم قرارت الإزالة كي تتمكن الشركة من البدء في أعمال الترميم.
وأوضح أن الشركة مشددة على أن تعمل بشكل سليم وألا تبدأ في العمل قبل أن يتسلم الأهالي قرارت الإزالة، مشددا على ضرورة التوافق توفيرا للوقت معلقا"أحنا مش بنخسرهم إحنا عاوزين مصلحتهم"
وأشار إلى صدور 40 قرار إزالة، وأن بعض أصحاب المنازل يعرقلون العمل لأجل مصالحهم الشخصية، مؤكدا أن العمل يتم بتمويل الشركة ومهندسيها وإشراف الحي، موضحا أن بعض السكان اقتنعوا ببساطة ووافقوا على استلام قرارت الإزالة، مضيفا أنه سيتواصل مع الأهالي اليوم ويستمر في ذلك حتى غدا للوصول إلى حل توافقي خلال يومين.
شاهد الفيديو..