عندما وصلت "أونغ سان سو كي" والرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية لسدة الحكم في ميانمار مارس الماضي، ورثت ثلاثة تحديات شاقة، أولها، اقتصاد دمرته عقود من سوء الإدارة والعقوبات، وثانيا، المشاعر المعادية للمسلمين، وثالثا عملية سلام محتضرة تكافح لإنهاء ما يقرب من سبعة عقود من التمرد العرقي في العديد من الولايات الحدودية.
الوضع في ولاية راخين، حيث اندلع الصراع بين البوذيين والأغلبية المسلمة "الروهينجيا" أثار قلقا خاصا، ففي 9 أكتوبر وقعت سلسلة من الهجمات على مراكز للشرطة، وصفها نشطاء بأنها "أعمال انتقامية بسبب ممارسة السلطات".
مثل هذه الحوادث - بحسب مجلة فورين أفيرز الأمريكية - تهدد بتأجيج التوترات، وإغراق المنطقة مرة أخرى في طوفان من العنف الطائفي على نطاق لم يسبق له مثيل منذ أعمال العنف التي اندلعت في 2012 وقتل خلالها 200 وشرد 140 ألف شخص من الروهينجيا.
وقالت المجلة، رغم أن سوكي كانت غير مهتمة بهذه المشاكل قبل توليها السلطة، إلا أنها قالت إنها تسعى إلى إحلال السلام في هذا البلد الذي يمزقه العنف الطائفي.
وبحسب المجلة، حتى وقت قريب، سياسة الولايات المتحدة تجاه ميانمار لم تكن جيدة لمساعدة حكومة سوكي في التصدي لهذه التحديات، إلا أن العلاقات بين البلدين مثقلة بعقوبات فرضت قبل 20 عاما لمعاقبة المجلس العسكري الحاكم في ميانمار حينها، لفشله في نقل السلطة لحكومة منتخبة.
هذه العقوبات أصبحت مشكلة أمام التنمية الاقتصادية خاصة أن البلد تحتاج لرفعها الآن لتعزيز المكاسب الديمقراطية، قرار إدارة أوباما في 7 أكتوبر، لإزالة بعض العقوبات على ميانمار يمثل فرصة لإعادة تركيز اهتمام الولايات المتحدة، ومساعدة أونغ سان سو كي على مواجهة هذه التحديات.
واعترفا أوباما وسو كي أنه لا يزال هناك الكثير الذي يتعين القيام به من أجل توطيد العلاقات.
وأوضحت المجلة، أن إزالة ميانمار من قائمة العقوبات لا يقدم روشتة علاج لكل ما تعانيه البلاد، لا يزال هناك ارتفاع كبير في معدلات التضخم، وشكوك حول قوانين القضاء، ولم توضح سو كي كيف تعتزم حل هذه المشاكل، بغض النظر عن العقوبات الأمريكية.
وبعد التنمية الاقتصادية، يجب على سو كي القيام بشيئين، أولهما تقليل التوترات العرقية والطائفية، وإبرام اتفاق سلام الجماعات العرقية المسلحة التي تقاتل الحكومة المركزية منذ الاستقلال عام 1948.
قضية التوتر الطائفي، ربما الأكثر إلحاحا، ميانمار بوذية بنسبة 87 %، بجانب أن ميانمار كانت لفترة طويلة موطنا للأقلية المسلمة، التي تشكل نحو 4 % من السكان.
ورغم أن العائلات المسلمة تعيش في البلاد لأجيال، خلال السنوات الأخيرة أثار تنامي أعداد المسلمين مخاوف البوذيين من أن يصبحوا أقلية في نهاية المطاف.
الخطاب المعادي للمسلمين كان له عواقب مميتة، ففي 2013، هاجم البوذيون الأحياء المسلمة في العديد من المدن وسط ميانمار، مما أسفر عن مقتل العشرات.
في ذلك الوقت، المسؤولين في كل من الحكومة السابقة، والرابطة الوطنية للديمقراطية، والمعارضة، رفضوا إدانة هذه الإحداث خوفا من ردود فعل قومية، ومع ذلك بذلت حكومة الرابطة الجديدة بعض التقدم.
فقد أعلنت أكبر هيئة دينية في البلاد يوليو الماضي أن "ما با ثا" (جماعة عرقية بوذية) تشكلت بشكل غير صحيح، مما ينزع عنها الشرعية.
وبحسب المجلة، الخطاب المعادي للمسلمين والعنف الطائفي لا يزال مشكلة كبيرة، ولكن عدد من الزعماء البوذيين فهموا أن الحكومة الجديدة تحتاج للانسجام الطائفي إذا رغبت في تحقيق أهدافها، والاحتفاظ بالشرعية الدولية، وعدم إثارة الاضطرابات.
الوضع أكثر صعوبة في ولاية راخين غربي البلاد، حيث تنتهك حقوق الروهينجيا بشكل منتظم من حكومة الولاية، والحكومة المركزية، والعام الماضي نحو مليون مسلم يواجهون ظروفا قاسية، وسعى عشرات الآلاف منهم للهروب.
ورغم أن الحكومة الجديدة حاولت قمع التوترات الطائفية في مناطق أخرى من البلاد، محنة الروهينجيا تجذب التعاطف في ميانمار، حتى بين المجموعات العرقية الأخرى، حيث لا تصنف الروهينجيا على أنهم واحدة من الأقليات العرقية الرسمية 135، وبالتالي نزعت عنهم الجنسية رغم أن السجلات البريطانية تصنف الروهينجيا على أنهم من سكان البلاد منذ عام 1799.
معظم قادة البلاد، بمن فيهم سان سو كي ترفض حتى استخدام مصطلح "روهينجيا"، وقراراها بتعيين لجنة لبحث مسألة ولاية راخين، رئيسها الأمين العام السابق للأمم المتحدة "كوفي عنان" بقيادة الولايات المتحدة، قد تكون خطوة أولى نحو تحقيق السلام.
وفي بادرة أمل، سوكي تمكنت من جذب جميع الجماعات العرقية المسلحة لحضور ما وصفته للسلام في نهاية أغسطس الماضي، إلا أن الجزء الصعب يكمن في المستقبل.