موجة طبع النقود حل المفلسين.. القصة الكاملة

7.6 مليار جنيه خلال زيادة في طباعة النقود بيوليو

طباعة النقود أو إصدار البنكنوت كما يطلق عليها الاقتصاديون، هي من الأمور الشائكة  جدا على المستوى الاقتصادي، وفي السنوات الأخيرة اتجهت الدولة لطباعة النقود بقوة، حيث تضاعفت النقود المطبوعة بعد ثورة يناير بصورة غير مسبوقة، وهو ما يراه خبراء الاقتصاد يشكل خطرا كبيرا على الاقتصاد، معتبرين أن اللجوء إلى المبالغة في الطباعة هو إفلاس بمثابة إفلاس في الحلول الاقتصادية.

 

تاريخيا ظلت العملات الذهبية تمثل وسيلة التعامل في مصر حتى عام 1898 عندما تم إنشاء البنك الأهلي المصرى ومنح من جانب الحكومة امتياز إصدار الأوراق النقدية القابلة للتحويل إلى ذهب لمدة 50 عاماً، وبدأ البنك الأهلى المصري في إصدار أوراق النقد لأول مرة في الثالث من إبريل عام 1899. 

 

وفي 1914 صدر مرسوم خاص جعل أوراق النقد المصرية أداة الإبراء القانوني والعملة الرسمية لمصر، وأوقف قابلية تحويلها إلى ذهب وبالتالي أصبح الجنية المصري (الورقي) هو الوحدة الأساسية للعملة، وتغيرت قاعدة النظام النقدي المصري إلى الجنية الورقي ولم تعد العملات الذهبية تستخدم في التداول ونجم عن هذا زيادة حجم النقد المصدر من 11.6 مليون جنيه في نهاية عام 1915 إلى 3557,0 مليون جنيه في نهاية عام 1980، وإلى 38320.0 مليون جنيه في نهاية عام 1999.

 

وفى عام 1960 صدر قانون بإنشاء البنك المركزي المصري ويمنحه حق إصدار أوراق النقد المصرية ولقد تم إدخال عدة تغييرات على العلامة المائية وتصميم الأوراق والألوان، وتوج المركزي جهوده في مجال إصدار النقد بإنشاء دار لطباعة النقد بدلاً من طباعتها في الخارج.

 

إلى أين وصلت طباعة النقود في مصر؟

 

كشف التقرير الشهري للبنك المركزي المصري، تواصل الارتفاع في قيمة النقد المصدر -البنكنوت المطبوع- خلال شهر يوليو الماضي، بنحو 7.6 مليار جنيه خلال شهر، مقابل زيادة بلغت 16.33 مليار جنيه خلال شهر يونيو السابق له.

 

وقال التقرير إن النقد المصدر بلغ نحو 376.9 مليار جنيه بنهاية يوليو الماضي، مقابل 328.2 مليار جنيه في يوليو 2015، بارتفاع قدره 15% تعادل 48.7 مليار جنيه على أساس سنوي.

 

شروط طبع النقود

 

عملية طباعة النقود معقدة اقتصاديًا، ولكن لها شروط أساسية يجب أن يلتزم بها المركزي، وهي أن كل وحدة نقدية مطبوعة يجب أن يقابلها، إما رصيد من احتياطي النقد الأجنبي أو رصيد ذهبي، وإما سلع وخدمات تم إنتاجها في المجتمع، وبدون هذه الشروط تصبح النقود المتداولة في السوق بدون قيمة حقيقية بل مجرد أوراق مطبوعة.

 

ولكن على مستوى الدول النامية يتم التجاوز عن هذه الشروط ويتم طباعة نقود بمعدلات تفوق المسموح به، وهو ما يجعل معدلات التضخم المرتفعة إحدى الظواهر الاقتصادية التي تتميز الدول النامية عن غيرها من دول العالم.

 

ما الحاجة لطباعة النقود؟

 

دور الحكومات أو البنوك المركزية بالتحديد، العمل على استقرار قيمة العملة من خلال ضخ سيولة تتناسب مع حجم الاقتصاد وحجم النمو، حيث تلجأ الدولة للطباعة في حالات ثلاثة، أولها: إحلال الهالك من العملات بعملة أخرى تحل محلها، وهذا إجراء اقتصادي طبيعي ليس له أثر على الاقتصاد.

 

أما السبب الثاني يتمثل في تحفيز النمو الاقتصادي، وذلك لتحفز الطلب على السلع والخدمات لإنعاش الاقتصاد، وذلك مع مراعاة وجود إنتاج مقابل الوحدات المطبوعة، فيما يعتبر السبب الثالث للطباعة هو التسهيل الكمي أو التمويل بالعجز، وذلك من خلال إصدار النقود لتغطية النفقات العامة للدولة بسبب نضوب الإيرادات.

 

المبالغة في الطباعة

 

أكد الدكتور أحمد ذكرالله، الخبير الاقتصادي، أن الحكومات المتتابعة استمرت في طبع النقود للهروب من الازمة الاقتصادية، موضحا أن العام الحالي بالغ البنك المركزي في طبع النقود ليطبع 48,7 مليار جنيه بمتوسط شهري يتجاوز الأربعة مليارات شهريا.

 

وقال "ذكرالله" خلال تصريحات خاصة لـ "مصر العربية" إن ما يجب التنويه إليه في مسألة طبع النقود أنها مسئولية البنك المركزي أياً كان نظام الحكم القائم حيث يتمتع البنك المركزي باستقلالية كبيرة وفق قانون البنك المركزي والجهاز المركزي والنقد رقم 88 لسنة 2003.

 

وأوضح استاذ الاقتصاد أن هذا الطبع المبالغ فيه للنقود يفسر جزءا من التضخم الواقع على كاهل المصريين ويظهر عجز الحكومة عن مواجهة المشكلة الاقتصادية وأيا كانت الذريعة فالمسئول الوحيد هو البنك المركزي المستقل بحكم القانون عن السلطة التنفيذية.

 

وأضاف "ذكرالله" أن السؤال الذي يجب أن تجيب عليه الحكومة، هو ماذا فعلت بكل هذه الأموال خلاف الاستدانة بحوالي 300 مليار جنيه هي قيمة عجز الموازنة بخلاف القروض الخارجية والمنح من الدول الشقيقة ورغم ذلك يبدو جليا التدهور الاقتصادي.

 

عواقب وخيمة

 

اتجاه الدولة لزيادة الطباعة بشكل لا يراعي النمو الاقتصادي قد يؤدي لزيادة الطلب بصورة كبيرة، وهو ما لا يستطيع المنتجون الاستجابة إليه بالسرعة المطلوبة، مما يؤدي لحدوث ارتفاع هائل في الأسعار، ويفقد الناس الثقة في العملة.

 

ولعل  زيمبابوي من أكثر الأمثلة الصارخة في تجربة المبالغة في طبع النقود، حيث وصل التضخم فيها لأكثر من ستة آلاف مليار مليار، وتمت طباعة أوراق نقدية قيمة الواحدة منها 100 مليار، وهذا نتيجة لقيام الدولة بطباعة عدد لا نهائي من العملة، وقامت بتوزيعه على المواطنين، حتى فقدت العملة قيمتها بشكل كامل تقريبا وبدأو باستخدام عملات دول أخرى.

 

الحدود القصوى

 

من جانبه يرى الدكتور مدحت نافع، الخبير الاقتصادي واستاذ التمويل، أن طباعة البنكنوت تؤدي إلى زيادة المعروض النقدي في الأسواق دون أن يقابل تلك الزيادة أي تغير حقيقي في حجم الإنتاج وهو ما يعني تحوّل هذه الزيادة في النقود إلى ارتفاع في المستوى العام للأسعار أي إلى زيادة في معدلات التضخم.

 

وأوضح "نافع" أن المركزي لا يستطيع التمادي في طباعة البنكنوت دون التقيّد بمعادلة فيشر الشهيرة والتي تحكم هذه الآلية لكن هناك حدود قصوى للطباعة، يبدو أن البنك قد بلغها هذا العام والذي من المتوقع أن تبلغ الزيادة في طباعة البنكنوت الجديد غير شامل للإحلال محل التالف أكثر من مستوى المطبوع عام ٢٠١٣ والذي كان أكثر الأعوام طباعة للبنكنوت منذ ثورة يناير ٢٠١١.

 

وفي عام 2010 وصل حجم النقد المطبوع بدون غطاء إلى  18 مليار جنيه مصري، وارتفع في عام 2011 إلى 35 مليار جنيه، وانخفض إلى 26 مليارا في عام 2012، إلا أن حجم النقد المطبوع في عام 2013 وصل إلى أعلى المعدلات, لنحو 56 مليار جنيه، وهناك مجموعة من التداعيات السلبية تنتج عن الإفراط طباعة النقود في مصر وأبرزها:

 

التضخم

 

قفز معدل التضخم السنوي إلى 16.4% خلال أغسطس الماضي، مقابل 14.8% في الشهر السابق عليه، ما يعد أعلى معدل ارتفاع منذ عام 2008، وذلك حسبما كشف الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في بيان له.

 

وكان صندوق النقد الدولي قد توقع في تقرير "آفاق الاقتصاد العالمي" ارتفاع معدل أسعار المستهلك في مصر إلى 18.2% خلال العام المالي الجاري، مقابل توقعات سابقة بلغت 9.5% في ذات التقرير الصادر في أبريل الماضي.

 

ويعد ارتفاع التضخم احد التداعيات السلبية للإسراف في طباعة النقود، وهو ما يجعل يد إدارة السياسة النقدية مغلولة في إيجاد حالة التوازن، ويودي إلى قرارات متضاربة، وذلك في ظل تطبيق قانون الضريبة على القيمة المضافة بنسبة 13%، الامر الذي فاقم من حالة التضخم في البلاد.

 

الديون

 

وكشفت النشرة الشهرية لسبتمبر الصادرة عن البنك المركزي أن إجمالي الدين الخارجي للبلاد زاد إلى 55.764 مليار دولار في الربع الرابع الذي انتهى في 30 يونيو من 48.062 مليار دولار في الربع المقابل من 2014-2015.

 

وارتفع الدين العام المحلي إلى 2.619 تريليون جنيه بنهاية يونيو من 2.116 تريليون جنيه قبل عام، حيث أن من البديهيات الاقتصادية أنه في حالة لجوء الحكومة لطباعة نقود بلا مقابل، تصدر سندًا كدين عليها لصالح البنك المركزي، الأمر الذي يفسر القفزات المتتالية في الديون المحلية للبلاد.

 

انهيار العملة

 

يمر الجنيه المصري بحالة من التدهور لا تخفى على أحد، حيث سجل سعر الدولار في السوق السوداء نحو 17.30  بينما قفز البيع لمستوى الـ 17.50 جنيها، وسط توقعات باستمرار الارتفاع.

 

كما ينتظر المتعاملين قرارا من البنك المركزى المصري بتعويم الجنيه، وذلك بعد أدت سياسة الإبقاء على العملة إلى تهاوي احتياطي النقد الأجنبي من 36 مليار دولار قبل 2011 إلى نحو 19.592 مليار في سبتمبر.

 

ويقول خبراء الاقتصاد إنه لا مفر من خفض قيمة الجنيه، حتى يكون هناك سعر صرف واحد للدولار لجذب الاستثمارات للبلاد، بينما طباعة النقود لا تساعد على تحقيق هذا الهدف للمستثمر الأجنبي، إذ سيظل سعر صرف الجنيه متحركًا مع استمرار المبالغة في الطباعة.

 

أسعار الفائدة

 

رفع أسعار الفائدة قرار تتخذه السياسة النقدية للحد من التضخم وتشجيع الأفراد على الإدخار، ولكن طباعة النقود تجعلنا ندور داخل دائرة مغلقة، حيث تبقى معضلة أمام صناع القرار.

 

وكان البنك المركزي قد ثبت سعري الإيداع والإقراض لليلة واحدة دون تغيير عند مستوى 11.75 % و 12.75 % على التوالي في سبتمر الماضي، فيما يتوقع الخبراء أن يتجه المركزي لرفع سعر الفائدة خلال اجتماع لجنة السياسة النقدية 17 نوفمبر.

مقالات متعلقة