انتشرت حالة من الذعر بين المضاربين في السوق السوداء، مساء اليوم، بسبب الهبوط المفاجئ لسعر الدولار مقابل الجنيه، حيث وصل إلى نحو 16.50 جنيها، بعدما تم تداوله أمس بسعر 18.50 جنيها، وهو ما آثار التساؤلات حول الأسباب الحقيقية لهذا الهبوط، وكذلك الصعود القوي الذي سجله الدولار في الأيام الماضية.
"مصر العربية" ترصد خلال هذا التقرير الأسباب الحقيقية لهذا الهبوط، وإلى إي حد يمكن أن يتوقف هبوط الدولار في السوق السوداء.
عضو مجلس إدارة الجمعية المصرية للأوراق المالية، والعضو المنتدب لبرايم القابضة محمد ماهر، أكد أن تراجع الدولار مقابل الجنيه في السوق مساء اليوم يرجع إلى عدة أسباب، على رأسها أن الصعود الأخير للدولار متجاوزا الـ18 جنيه لم يكن منطقيا، حيث أن قفزات الدولار جاءت نتيجة عملية مضاربة بحته، وليست بسبب سوق العرض والطلب.
تجهيز للتعويم
وأضاف "ماهر" خلال تصريحات خاصة لـ "مصر العربية" أن السبب الثاني في التراجع يعود إلى تصريحات رئيس الوزارء بالأمس وكذلك الأنباء عن اجتماع المركزي بخبراء الاقتصاد، والتي تعد بمثابة تجهيز للتدخل لحل الأزمة.
وكان رئيس مجلس الوزراء شريف إسماعيل، قد قال خلال الجلسة العامة للبرلمان، أمس الإثنين، إن البنك المركزي سيقوم في وقت قريب بحل أزمة السعرين، لكن بعد اتخاذ خطوات سليمة مبينة على دراسات "حتى لا تكون خطوة بلا طائل مثلما حدث في السابق".
وأضاف إسماعيل أن الحكومة تقوم بحزمة تشريعات وقررات من أجل القضاء على وجود سعرين للدولار في السوق والعودة إلى القيمة الحقيقية للجنيه المصري.
العضو المنتدب لبرايم القابضة، أكد مبادرة اتحاد الصناعات بوقف الاستيراد تعبير من قبل المستثمرين عن رفضهم المضاربة المبالغ فيها التي تحدث لسعر الدولار، موضحا أن المبادرة إيجابية، ولكن يصعب الإلتزام بها، لكنها مجرد إشارة على أن مجتمع الأعمال غير راضي عما يحدث في السوق.
مبادرة وقف الاستيراد
وكان الدكتور علاء عز الدين، الأمين العام لاتحاد الغرف التجارية، قد أعلن عن تدشين الغرفة لمبادرة إيقاف التعامل بالدولار لمدة أسبوعين، لافتًا إلى قرارها بقصر الاستيراد على السلع والمواد الأساسية فقط، لمدة 3 أشهر.
وقال "عز الدين" خلال تصريحات إعلامية إن من يتاجر بالعملة، أو يخزنها سعيًا لتحقيق أرباح من ورائها، سيصاب بخسائر كبيرة خلال الفترة المقبلة، الأمر نفسه ذكرته الكثير من المواقع الإلكترونية والجروبات على مواقع الفيسبوك، وهو ما وصفه الخبراء بأنها لجان إلكترونية للحكومة تعمل على توجيه السوق السوداء للهبوط، مؤكدين أن هذه اللجان كان احد أسباب تراجع الدولار اليوم.
من جانبه يرى إيهاب مهدي، المحلل المالي والخبير الاقتصادي، أن الهبوط المفاجئ للدولار في السوق السوداء له شقين الأول فني والثاني إداري، وفيما يخص الشق الأول فإن صعود سعر الدولار من مستوى 15 جنيها إلى 18 جنيها لم يكن له محطات توقف بل كان الصعود سريعا وبدون توقف عند أي نقطة، وذلك بسبب زيادة الطلب، معتبرا أن الامر مشابه لما يحدث في أسهم البورصة.
محاولات حكومية
وأوضح "مهدي" خلال تصريحات خاصة لـ"مصر العربية" أن سعر الدولار من مستوى 10 إلى 15 جنيها مر بعدد من محطات التوقف وهو ما ليحدث مع الصعود الأخير، معتبرا الهبوط أمرا طبيعيا، فيما أكد أن تصريحات رئيس الوزارء تعبر عن الشق الإداري وهي التي خلقت نوعا من الإرتباك داخل السوق السوداء، مما دفع البعض للبيع مما زاد العرض في ظل طلبات شراء محدودة جدا.
وأضاف الخبير الاقتصادي أنه قد تردد أنباء عن ضغوط حكومية على المستثمرين بالإمتناع عن شراء الدولار من السوق السوداء لدفع السعر للهبوط، لكنه قال إن هذه المحاولات لا تحل الأزمة لأنها لا تلبي الطلب على الدولار بل تعطله وسرعان ما سيعود للارتفاع، لأن الأزمة مازالت موجودة والطلب مفتوح والعرض محدود بسبب عجز السوق عن تلبية احتياجات المستثمرين.
وعن مبادرة وقف الاستيراد، أشار إلى أنها نوع من هذه الضغوط، مؤكدا أن المبادرة غير فعالة وتأثيرها محدود جدا، ومن الصعب تنفيذها بسبب إن مصر تعتمد على الاسيراد بشكل أساسي، معتبرا هبوط الدولار اليوم غير معبر عن السوق بشكل واقعي، حيث أن التعاملات التي تمت اليوم تمثل نحو 1% من التعاملات التي تمت عندما كان السعر نحو 18 جنيها.
المركزي يثبت
جدير بالذكر أن البنك المركزي أبقى على سعر الصرف الرسمي للجنيه مستقرا اليوم الثلاثاء عند 8.8 جنيه مقابل الدولار في عطائه الأسبوعي لبيع الدولارات وهو ما جاء مناقضا لتكهنات في السوق بخفض وشيك في قيمة الجنيه، في الوقت الذي تنامت فيه التكهنات بأن المركزي سيخفض قيمة الجنيه مع اتساع الفجوة بين سعر صرفه في السوقين الرسمية والموازية إلى مستوى قياسي.
في المقابل، يقول مدحت نافع، الخبير الاقتصادي واستاذ التمويل إن الصعود السريع للدولار كان مفتعلاً خاصة في الأسابيع الأخيرة لذا فالهبوط السريع يعد رد فعل منطقي للفقاعة الدولارية.
وأضاف نافع خلال تصريحات خاصة لـ"مصر العربية" أنه يبقى أن تبني السياسة النقدية على الحالة النفسية المرجحة للاتجاه النزولي في أسرع وقت قد تقدم على خطوات من شأنها تحقيق قدر أكبر من المرونة في سعر الصرف، مؤكدا أن تصريحات رئيس الوزراء أمس، ومبادرة منع الاستيراد لها دخل في هذا الهبوط.
التعويم: "شر لابد منه"
وحول السعر الذي يمكن أن يتوقف الدولار في الهبوط عنه، قال الخبير الاقتصادي: "لست مقتنعا بالأساس بآليات التسعير في السوق الموازية".
وفي سياق أخر، ذهب الدكتور عادل حميد، استاذ الاقتصاد، ووكيل كلية التجارة بجامعة الأزهر، إلى القول بإن الدولة تأخرت في التعويم وهو شر لابد منه، حيث لأن التعويم المتوقع يمكن أن يزيد عرض الدولار، وبالتالى سيحصل استقرارا نسبيا في سعره ولكن شرط استمرار الاستقرار هو سياسات منضبطة للبنك المركزي والتعامل الجاد مع السوق وبعيدا عن "الفهلوة".
وأضاف "حميد" خلال تصريحات خاصة لـ"مصر العربية" قفزة سعر الدولار لنحو 18.50 وهبوطه اليوم إلى 16.50 جنيها، أمر غير منطقي، مؤكدا على أن سعر الصرف جزء من منظومة الاقتصاد ويجب أن تسير المنظومة فى إطار متسق وعقلاني.
وكان محمد الأبيض رئيس الشعبة العامة للصرافة قد توقع، اليوم الثلاثاء، أن يشهد سعر الدولار "انخفاضا كبيرا" خلال الفترة المقبلة بدءا من الأسبوع الحالي.
وقال الأبيض خلال اجتماع لاتحاد الغرف التجارية اليوم، إن "الفترة المقبلة ستيم اتخاذ العديد من القرارات والسياسات التي من شأنها تخفيض سعر صرف الدولار مقابل الجنيه" بحسب ما أوردته وكالة أنباء الشرق الأوسط.