حالة من الفوضى والتخبط والترقب أصابت المضاربين، في السوق السوداء، جراء الهبوط السريع لـ سعر الدولار بشكل مفاجئ، وسط توقعات رسمية بمزيد من الهبوط خلال الفترة المقبلة.
وتباينت تفسيرات وراء ارتفاع قيمة الجنيه أمام العملة الأمريكية، مما دفعنا للتساؤل هل حقًا الدولار ينهار وما هو سعر الدولار الفعلي ، وهل كما تراجع سريعا سيعود للارتفاع بنفس السرعة؟.
"مصر العربية" قامت بجولة على أكثر من 5 شركات صرافة وسط القاهرة فيما قمنا بالاتصال بأخريين في المعادي للاستفسار عن أسعار الدولار في السوق السوداء.
3 شركات صرافة أكدت أنها تشتري العملة الأمريكية على 14 جنيها فيما أقل إلا أنها رفضت بيع الدولار في الوقت الحالي نظرًا لحالة فوضى السوق التي أكدوا أنها لن تستمر طويلا، فيما رفضت أربع شركات أخرى الحديث وقالت إنها لا تتعامل بيعا وشراءً إلا بالسعر الرسمي 8.88 الذي حدده البنك المركزي.
وفي تصريحات لمصر العربية، قال مدير بإحدى شركات الصرافة إن الفوضى الحالية ليس لها أسباب منطقية حيث إنه لم يتم ضخ أي دولارات في السوق حتى يكون هناك عرض كبير وبالتالي نزول الأسعار.
وأشار إلى أن الهبوط المفاجئ والحاد يكشف عن وجود خلل ما في السوق المصري، أو أيدي خفية تتحكم في الأمور، وأن ذلك الأمر مصطنع لكي يلقي كل من يحتفظ بدولارات لديه إلى السوق، مما يساعد الحكومة في توفير العملة الأمريكية داخل الأسواق، ليساعد ذلك في قرار تعويم الجنيه الذي اقترب بشدة مع اقتراب مصر الحصول على القرض، وأكد هؤلاء أن الارتفاع قد يحدث مرة أخرى وبشكل كبير خلال المرحلة المقبلة.
وأوضح أن الشائعات التي ملأت مواقع التواصل الاجتماعي ساعدت أيضًا في نزول سعر الدولار اليوم والأمس، كما أن الغرفة التجارية أكدت قدرتها على اللعب بالسوق والتحكم في الصعود والنزول، لافتًا إلى أن كوننا في نهاية الأسبوع ساعد على الهبوط أيضًا.
وتابع: "إلا أن الهبوط الحاد الحالي ليس منطقيًا طالما أن مصادر العملة الصعبة لم يحدث بها تغيير فما يحدث أمر عارض ولن يستمر طويلاً، ولابد من البحث عن حلول فعلية لحل الأزمة فلا توجد سياحة ولا تحويلات للمصريين بالخارج ولا استثمارات أجنبية.
أستاذ السياسة والاقتصاد حازم حسني قال "كأن الاقتصاد المصرى بحاجة لمزيد من الارتباك، أو كأن المصريين بحاجة لمزيد من الإرباك لعقولهم وتوقعاتهم بشأن المستقبل".
وأضاف عبر حسابه على فيسبوك: "بدلاً من تبنى نظام الحكم لرؤى واضحة يبنى عليها سياسات اقتصادية متماسكة، وبدلاً من أن يأخذ بشأن هذه السياسات قرارات يكون من شأنها تفعيل الطاقات الكامنة فى بنية الاقتصاد، وعلاج الاختلالات الهيكلية فى منظومة النشاط الاقتصادى، قررت مؤسسة الحكم البائسة اليائسة تفعيل كتائبها الإليكترونية للإيهام بعودة الجنيه ذى العضلات الذى يواصل ضرباته فى سوق العملة، حتى كاد يخضع الدولار لإرادته ويجبره على الاستسلام، وحتى ظننا أن الدولار يحاول جاهداً أن يبقى على ما تبقى له من ماء الوجه باستعطاف الجنيه عله يكتفى بلمس الأكتاف دون توجيه الضربة القاضية لخصمه اللدود ! |ـ
وتابع: "كتائب النظام تعمل بهمة منقطعة النظير خلال اليومين الأخيرين لإقناع المصريين ببيع ما قد يكون فى حوزتهم من دولارات قبل أن تفقد هذه الدولارات قيمتها إثر الانهيار العظيم المرتقب للعملة الأمريكية أمام قوة الجنيه الذى يتعافى ! ... وكأنه يمكن لأى عاقل تصديق أن الجنيه سيسترد قوته هكذا فجأة بعد نوبة صحيان يطلقها نفير حيل البوكر هذه التى لا يكف النظام عن اللجوء إليها بانتظام، على الرغم مما تلقاه النظام دوماً من صفعات لا يريد رغم قسوتها الاعتراف بأنه لاعب بوكر فاشل !" ـ
ومضى قائلا: "تعافى الجنيه - ونحن جميعاً نتمنى له الشفاء والعافية - مرتبط بتعافى الاقتصاد، وهذا الأخير له أمارات يعرفها أصحاب العقول، ويجيد قراءتها رجال الأعمال والمال وخبراء الاقتصاد ... فماذا تغير من هذه الأمارات خلال الساعات الماضية ليتراجع الدولار بصورة دراماتيكية أمام الجنيه؟ أما إذا كانت القصة كلها هى رزق الهبل، فربنا يرزق الجميع، ويلطف بالبلد التى رهنها حكامها - على ما يبدو - على مائدة البوكر الخضراء !! "ـ
وفي سعر آخر، قالت رويترز إن الجنيه ارتفع مقابل الدولار في السوق السوداء اليوم الأربعاء إلى 15.5 جنيه مقابل 16.5 أمس الثلاثاء.
وقال متعامل بالسوق السوداء لرويترز إن الدولار بيع بسعر 15.5 جنيه اليوم مقارنة مع 16.5 في اليوم السابق، فيما وقال تجار سلع إنهم يشترون الدولار بنحو 15 جنيها.
وقالت رويترز إن العملة المحلية ارتفعت وسط توقعات بأن البنك المركزي سيشترط تقديم إيصالات شراء لقبول الودائع الدولارية بما يعني عمليا عدم إمكانية إيداع النقود المشتراة من السوق السوداء في البنوك.
لكن عدة بنوك قالت لرويترز إنها لم تتلق بعد تعليمات رسمية من البنك المركزي للبدء في تطبيق ذلك.
مصر العربية حاورت خبراء آخرين لمعرفة الأسباب الحقيقية لهذا الهبوط، وإلى إي حد يمكن أن يتوقف هبوط الدولار في السوق السوداء.
إيهاب مهدي، المحلل المالي والخبير الاقتصادي، قال إن الهبوط المفاجئ للدولار في السوق السوداء له شقان الأول فني والثاني إداري، وفيما يخص الشق الأول فإن صعود سعر الدولار من مستوى 15 جنيها إلى 18 جنيها لم يكن له محطات توقف بل كان الصعود سريعا وبدون توقف عند أي نقطة، وذلك بسبب زيادة الطلب، معتبرًا أن الأمر مشابه لما يحدث في أسهم البورصة.
محاولات حكومية
وأوضح "مهدي" خلال تصريحات خاصة لـ"مصر العربية" أن سعر الدولار من مستوى 10 إلى 15 جنيها مر بعدد من محطات التوقف وهو ما ليحدث مع الصعود الأخير، معتبرا الهبوط أمرا طبيعيا، فيما أكد أن تصريحات رئيس الوزارء تعبر عن الشق الإداري وهي التي خلقت نوعا من الارتباك داخل السوق السوداء، مما دفع البعض للبيع مما زاد العرض في ظل طلبات شراء محدودة جدا.
وأضاف الخبير الاقتصادي أنه قد تردد أنباء عن ضغوط حكومية على المستثمرين بالامتناع عن شراء الدولار من السوق السوداء لدفع السعر للهبوط، لكنه قال إن هذه المحاولات لا تحل الأزمة لأنها لا تلبي الطلب على الدولار بل تعطله وسرعان ما سيعود للارتفاع، لأن الأزمة مازالت موجودة والطلب مفتوح والعرض محدود بسبب عجز السوق عن تلبية احتياجات المستثمرين.
وعن مبادرة وقف الاستيراد، أشار إلى أنها نوع من هذه الضغوط، مؤكدا أن المبادرة غير فعالة وتأثيرها محدود جدا، ومن الصعب تنفيذها بسبب إن مصر تعتمد على الاسيراد بشكل أساسي، معتبرا هبوط الدولار اليوم غير معبر عن السوق بشكل واقعي، حيث إن التعاملات التي تمت اليوم تمثل نحو 1% من التعاملات التي تمت عندما كان السعر نحو 18 جنيها.
فوضى السوق
قال مصطفي نمرة، المحلل اقتصادي، إن ماحدث في السوق السوداء من تغيّر سعر الدولار بعد أن تخطى الـ18 جنيها أول أمس، ليفقد جنيهين وأكثر دفعة واحدة, ويتداول دون الـ16 جنيها, يعتبر فوضى عارمة، قائلًا: "دا مش سوق واللي بيحصل فيه مش متعلق بالعرض والطلب الحقيقي".
وأضاف نمرة، في تصريحات لـ "مصر العربية"، أنه لاتوجد أسباب حقيقية توضح سبب حالة الارتباك التي يعيشها السوق، متوقعًا مزيدا من التذبذب في سعر الدولار خلال الفترة المقبلة طالما لا توجد قوانين حاكمة للسوق.
واختتم حديثه قائلا: "السوق ملوش سعر معين دلوقت إنت وشطارتك".
عضو مجلس إدارة الجمعية المصرية للأوراق المالية، والعضو المنتدب لبرايم القابضة محمد ماهر، أكد أن تراجع الدولار مقابل الجنيه في السوق مساء اليوم يرجع إلى عدة أسباب، على رأسها أن الصعود الأخير للدولار متجاوزا الـ18 جنيه لم يكن منطقيا، حيث أن قفزات الدولار جاءت نتيجة عملية مضاربة بحته، وليست بسبب سوق العرض والطلب.
تجهيز للتعويم
وأضاف "ماهر" خلال تصريحات خاصة لـ "مصر العربية" أن السبب الثاني في التراجع يعود إلى تصريحات رئيس الوزارء بالأمس وكذلك الأنباء عن اجتماع المركزي بخبراء الاقتصاد، والتي تعد بمثابة تجهيز للتدخل لحل الأزمة.
وكان رئيس مجلس الوزراء شريف إسماعيل، قد قال خلال الجلسة العامة للبرلمان، أمس الإثنين، إن البنك المركزي سيقوم في وقت قريب بحل أزمة السعرين، لكن بعد اتخاذ خطوات سليمة مبينة على دراسات "حتى لا تكون خطوة بلا طائل مثلما حدث في السابق".
وأضاف إسماعيل أن الحكومة تقوم بحزمة تشريعات وقررات من أجل القضاء على وجود سعرين للدولار في السوق والعودة إلى القيمة الحقيقية للجنيه المصري.
العضو المنتدب لبرايم القابضة، أكد مبادرة اتحاد الصناعات بوقف الاستيراد تعبير من قبل المستثمرين عن رفضهم المضاربة المبالغ فيها التي تحدث لسعر الدولار، موضحا أن المبادرة إيجابية، ولكن يصعب الإلتزام بها، لكنها مجرد إشارة على أن مجتمع الأعمال غير راضي عما يحدث في السوق.
مبادرة وقف الاستيراد
وكان الدكتور علاء عز الدين، الأمين العام لاتحاد الغرف التجارية، قد أعلن عن تدشين الغرفة لمبادرة إيقاف التعامل بالدولار لمدة أسبوعين، لافتًا إلى قرارها بقصر الاستيراد على السلع والمواد الأساسية فقط، لمدة 3 أشهر.
وقال "عز الدين" خلال تصريحات إعلامية إن من يتاجر بالعملة، أو يخزنها سعيًا لتحقيق أرباح من ورائها، سيصاب بخسائر كبيرة خلال الفترة المقبلة، الأمر نفسه ذكرته الكثير من المواقع الإلكترونية والجروبات على مواقع الفيسبوك، وهو ما وصفه الخبراء بأنها لجان إلكترونية للحكومة تعمل على توجيه السوق السوداء للهبوط، مؤكدين أن هذه اللجان كان احد أسباب تراجع الدولار اليوم.
المركزي يثبت
وأبقى البنك المركزي على سعر الصرف الرسمي للجنيه مستقرا اليوم الثلاثاء عند 8.8 جنيه مقابل الدولار في عطائه الأسبوعي لبيع الدولارات وهو ما جاء مناقضا لتكهنات في السوق بخفض وشيك في قيمة الجنيه، في الوقت الذي تنامت فيه التكهنات بأن المركزي سيخفض قيمة الجنيه مع اتساع الفجوة بين سعر صرفه في السوقين الرسمية والموازية إلى مستوى قياسي.
في المقابل، يقول مدحت نافع، الخبير الاقتصادي واستاذ التمويل إن الصعود السريع للدولار كان مفتعلاً خاصة في الأسابيع الأخيرة لذا فالهبوط السريع يعد رد فعل منطقي للفقاعة الدولارية.
وأضاف نافع خلال تصريحات خاصة لـ"مصر العربية" أنه يبقى أن تبني السياسة النقدية على الحالة النفسية المرجحة للاتجاه النزولي في أسرع وقت قد تقدم على خطوات من شأنها تحقيق قدر أكبر من المرونة في سعر الصرف، مؤكدا أن تصريحات رئيس الوزراء أمس، ومبادرة منع الاستيراد لها دخل في هذا الهبوط.
التعويم: "شر لابد منه"
وحول السعر الذي يمكن أن يتوقف الدولار في الهبوط عنه، قال الخبير الاقتصادي: "لست مقتنعا بالأساس بآليات التسعير في السوق الموازية".
وفي سياق آخر، ذهب الدكتور عادل حميد، استاذ الاقتصاد، ووكيل كلية التجارة بجامعة الأزهر، إلى القول بأن الدولة تأخرت في التعويم وهو شر لابد منه، حيث إن التعويم المتوقع يمكن أن يزيد عرض الدولار، وبالتالى سيحصل استقرارا نسبيا في سعره ولكن شرط استمرار الاستقرار هو سياسات منضبطة للبنك المركزي والتعامل الجاد مع السوق وبعيدا عن "الفهلوة".
وأضاف "حميد" خلال تصريحات خاصة لـ"مصر العربية" قفزة سعر الدولار لنحو 18.50 وهبوطه اليوم إلى 16.50 جنيها، أمر غير منطقي، مؤكدا على أن سعر الصرف جزء من منظومة الاقتصاد ويجب أن تسير المنظومة فى إطار متسق وعقلاني.
وكان محمد الأبيض رئيس الشعبة العامة للصرافة قد توقع، أمس الثلاثاء، أن يشهد سعر الدولار "انخفاضا كبيرا" خلال الفترة المقبلة بدءا من الأسبوع الحالي.
وقال الأبيض خلال اجتماع لاتحاد الغرف التجارية اليوم، إن "الفترة المقبلة ستيم اتخاذ العديد من القرارات والسياسات التي من شأنها تخفيض سعر صرف الدولار مقابل الجنيه".
وتعاني مصر نقصا حادا في العملة الصعبة نتيجة تراجع إيرادات السياحة والاستثمار الأجنبي والصادرات وتحويلات المصريين العاملين في الخارج.
ويشهد الجنيه هبوطا مطردا في السوق السوداء فيما يظل سعره الرسمي ثابتا في البنوك عند 8.88 جنيه للدولار حيث يسمح له البنك المركزي ببيعه بسعر أعلى 10 قروش عن سعر بيع الدولار في المزاد الأسبوعي.
وتتوقع بنوك استثمار، إقدام البنك المركزي على خفض الجنيه خلال الفترة المقبلة، تماشيا مع مطلبات صندوق النقد الدولي بوجود سعر مرن للعملة في مقابل الحصول على قرض الصندوق.
وكانت كريستين لاجارد، مديرة صندوق النقد الدولي، قالت في مقابلة مع وكالة بلومبرج الأسبوع الماضي، إن وصول الفارق بين السعر الرسمي لصرف الجنيه المصري وبين سعره في السوق السوداء إلى "100%"، يعبر عن أزمة حقيقية، وإن اتجاه السلطات المصرية لمعالجة تلك الأزمة أمر صائب.
وكان صندوق النقد اتفق مع السلطات المصرية اتفاقا مبدئيا، في أغسطس الماضي، على منحها قرضا بقيمة 12 مليار دولار لدعم برنامج الإصلاح الحكومي الهادف إلى سد عجز الميزانية وإعادة التوازن إلى أسواق الصرف.
واشترط الاتفاق تدبير ستة مليارات دولار دعما ثنائيا قبل إحالة الاتفاق إلى مجلس الصندوق للتصديق عليه.