بعد انهيار الدولار إعلاميًا.. كيف تدار الحرب في السوق السوداء؟

هل حقا الدولار ينهار

أصيب المتعاملون في سوق الصرف بالذهول من الهبوط الحاد في سعر الدولار خلال الساعات الماضية، وذلك في الوقت الذي تشن فيه الحكومة المصرية حملة شرسة لمحاربة السوق السوداء، دفعت الجنيه للارتفاع مقابل الدولار إلى  نحو 15.5 جنيه، الأمر الذي يثير التساؤل كيف تتم إدارة الحرب في السوق السوداء؟.

 

تراجع الدولار منذ أمس أمام الجنيه في السوق السوداء، بعدما وصل لمستويات غير مسبوقة فوق مستوى 18 جنيها للمرة الأولى في تاريخه، أصبح الشيء الأكثر غموضا في مصر خلال الساعات الماضية، بل إن السعر الحقيقي للدولار لا يعرفه احد الآن، ففي كل مكان بمصر نجد هناك سعرا مختلفا.

 

الشائعات والدولار

 

وبعد أن احتل هاشتاج " #الدولار_ينهار " المركز الأول في قائمة الأكثر تداولا على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، أكد مراقبون لـ "مصر العربية" أن السوق السوداء تعرضت في الساعات الماضية لحملة إعلامية قوية سواء من خلال لجان إلكترونية أو من خلال تصريحات الغرفة التجارية التي كان لها تأثير قوي على سعر الدولار في السوق السوداء.

 

في الوقت ذاته كشفت "رويترز" عن إن الجنيه قد ارتفع بسبب انتشار شائعة تفيد بأن البنك المركزي سيشترط تقديم إيصالات شراء لقبول الودائع الدولارية بما يعني عمليا عدم إمكانية إيداع النقود المشتراة من السوق السوداء في البنوك.

 

واستكمالا لموجة التصريحات التي خرجت من الغرف التجارية منذ تدشين مبادرة وقف الاستيراد، قال أحمد الوكيل رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية، إنه تم توافق الشعب العامة للمستوردين والصرافة واللجان السلعية بالاتحاد على دعم مبادرة وقف شراء الدولار، والتي أتت ثمارها خلال ساعات من اجتماعهم مع الاتحاد بانخفاض وصل إلى جنيهين في نهاية اليوم، ومن ثم بدء انهيار السوق السوداء.

 

مناشدات وتحذيرات

 

وحذر "الوكيل" خلال تصريحات صحفية، المضاربين والمواطنين من خسائر فادحة في حال ‏تمسكهم بما لديهم من عملات أجنبية، مناشدا المواطنين بعدم التهافت على تخزين السلع وتأجيل شراء السلع غير الأساسية والاستهلاكية والمعمرة لمدة ثلاثة أشهر.

 

من جانبه أكد إيهاب مهدي، المحلل المالي والخبير الاقتصادي، خلال تصريحات خاصة لـ"مصر العربية" على تردد أنباء عن ضغوط حكومية على المستثمرين بالامتناع عن شراء الدولار من السوق السوداء لدفع السعر للهبوط، مضيفا أن مبادرة وقف الاستيراد، نوع من هذه الضغوط، معتبرا هبوط الدولار اليوم غير معبر عن السوق بشكل واقعي، حيث إن التعاملات التي تمت تمثل نحو 1% من التعاملات التي تمت عندما كان السعر نحو 18 جنيها.

 

الوكيل قال إن القطاع الخاص قام بدوره والدور الآن على الحكومة والبنك المركزي لتنفيذ سياسات نقدية ومالية متسقة وناجزة لضمان النزول إلى ‏السعر العادل واستقرار أسعار الصرف.

 

الغرف التجارية لم تكن وحدها التي سلكت الاتجاه التحذيري من التعامل بالدولار هذه الأيام، بل إن الأمر ذهب إلى أبعد من ذلك، حيث طالب هشام عكاشة رئيس البنك الاهلي المصري، المواطنين وعملاء البنوك بعدم المضاربة في الدولار خلال هذه الفترة.

 

وقال "عكاشة" خلال تصريحات صحفية، إن السوق السوداء "هشة"، محذرا المواطنين من المضاربة والتلاعب في الدولار، مضيفا أن مصرفه رصد ارتفاعًا ملحوظًا فى محاولات للتخلص من الدولار عن طريق السحب من الودائع الدولارية للتخلص من العملة الأمريكية بعد أن شهدت انهيارًا ملحوظًا اليوم على مدار الـ48 ساعة الماضية.

 

وأشار إلى أن هناك إقبالًا ملحوظًا رصدته شبكة فروع البنك على مستوى الجمهورية لشراء الشهادات الإدخارية بالجنيه المصرى.

 

أوهام الهبوط

 

ويقول أحد المتعاملين في سوق الدولار لـ"مصر العربية " إن ما يحدث في سعر الدولار اليوم، حملة منظمة لدفع الدولار للتراجع، وتقود هذه الحملة لجان إلكترونية على مواقع التواصل الإجتماعي، مؤكدا أن انخفاض الدولار لمستوى 10 جنيهات مجرد أوهام.

 

وأضاف أن بث الشائعات عن انخفاض الدولار وتشجيع مالكي العملة على البيع، لعبة خطيرة، ونتائجها مؤقتة، وفي حال فشلت الحكومة في انعاش مصادر العملة الصعبة قريبا سيعود الدولار للصعود بوتيرة قوية.

 

في المقابل، شبه خبير أسواق المال محمد عبدالحكيم، وعضو مجلس إدارة شركة ماسترز لتداول الاوراق المالية، ما يحدث في السوق بأزمة العقارات فى أمريكا 2008، موضحا أن ما حدث هو تشبع شرائى للأفراد، في ظل أسعار مغالٍ فيها، وعرض عشوائى، نتج عنه فزع تابع للعقل الجمعي وهبوط مبالغ فيه.

 

وأوضح عبد الحكيم خلال تصريحات خاصة لـ "مصر العربية" أن دخول العوام إلى سوق الصرف للمضاربة على الدولار أدى إلى موجة شرائية وطلب غير منتظم وغير مدروس، كما أدى إلى ارتفاعات سريعة إلى مستويات مغالى فيها حيث نرى أن السعر الحقيقي فى حدود 12.4 جنيه.

 

فخ المضاربة

 

وقال عضو مجلس إدارة شركة ماسترز لتداول الاوراق المالية، إنه بعد وصول السعر إلى تلك المستويات المبالغ فيها، أحجم الطلب المنتظم عن الشراء فى الوقت الذى وصل فيه المشترون إلى حالة من التشبع الشرائى، تبعه رغبة فى جنى الأرباح، ساهمت فى صنع كرة جليدية من العروض ظلت تتضخم سريعا مدفوعة بحالة ذعر من المضاربين الأفراد خوفا من الخسارة.

 

وأضاف أن الشائعات بدأت فى الظهور لتزيد من حالة الذعر لدى هؤلاء المضاربين،  وسيؤدى ذلك الى عودة الدولار إلى أسعار حول أول أقل بقليل من السعر الحقيقى وحينها ستظهر القوى الشرائية الاحترافية فى الظهور لتشترى بأسعار أقل بكثير من تلك التى باعتها بها إلى المضاربين الأفراد فى ذروة نشوتهم التى صنعتها آمالهم فى تحقيق مكاسب سريعة، ليعود سعر الصرف للاستقرار حول أو أعلى بقليل من السعر الحقيقى.

 

وأشار إلى أنه قبل أن يحاول المضاربين الأفراد العودة إلى ساحة المضاربة لتعويض خسائرهم لتبدأ دورة جديدة معتادة فى أسواق المال، يتحمل الخسائر فيها المضاربين من العوام ويحظى فيها بالربح ذوى الخبرة والعلم.

 

وتعاني مصر نقصا حادا في العملة الصعبة نتيجة تراجع إيرادات السياحة والاستثمار الأجنبي والصادرات وتحويلات المصريين العاملين في الخارج، فيما يتوقع إقدام البنك المركزي على خفض الجنيه خلال الفترة المقبلة، تماشيا مع مطلبات صندوق النقد الدولي بوجود سعر مرن للعملة في مقابل الحصول على قرض الصندوق.

 

وكانت كريستين لاجارد، مديرة صندوق النقد الدولي، قالت في مقابلة مع وكالة "بلومبرج" الأسبوع الماضي، إن وصول الفارق بين  السعر الرسمي لصرف الجنيه المصري وبين سعره في السوق السوداء إلى "100%"، يعبر عن أزمة حقيقية، وإن اتجاه السلطات المصرية لمعالجة تلك الأزمة أمر صائب.

مقالات متعلقة