“مصر تعوم العملة، وتسترضي صندوق النقد الدولي وتخاطر بإغضاب الفقراء".
عنوان تقرير بصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية حول قرار البنك المركزي تحرير قيمة الجنيه أمام الدولار.
وإلى النص الكاملأعلن البنك المركزي المصري الخميس تحرير العملة، كجزء من جهود لإنقاذ الاقتصاد من السقوط الحر، ومكافحة السوق السوداء للدولار الأمريكي.
الخطوة ستساعد مصر على تأمين أموال في أمس الحاجة إليها لتعضيد الاقتصاد.
وتحاول مصر المضي قدما في تغييرات اقتصادية بغية تأمين قرض صندوق النقد الدولي، بقيمة 12 مليار دولار.
بيد أن البنك المركزي المصري يخاطر بإشعال المزيد من الاضطرابات الاجتماعية، إذ أن قراره بتعويم العملة والتراجع الحاد في قيمة الجنيه المصري يتسبب في تآكل متزايد لمدخرات المصريين، ويرفع أسعار السلع والخدمات، ما يمثل قوة مزعزعة للاستقرار بين فقراء المصريين الذين يشكلون الغالبية العظمى لـ 91 مليون نسمة.
وفي قراره المذكور، بدا البنك المركزي وكأنه ينأى بنفسه عن الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي يواجه انتقادات بسبب طريقه تعامله مع الملف الاقتصادي.
طارق عامر، رئيس البنك المركزي، ذكر أن الجنيه المصري سيسمح له بالتداول الحر بدءا من الأحد، وتابع في مؤتمر صحفي: “رؤية نتيجة التغييرات ستستغرق نحو عام ونصف العام".
ويمر الاقتصاد المصري بمرحلة تخبط منذ انتفاضة 2011، حيث انهارت السياحة في ظل تنامي عدم الاستقرار السياسي، وموجة من الهجمات المسلحة.
تحويلات المصريين العاملين بالخليج انخفضت، كما تراجعت إيرادات قناة السويس في ظل ركود يلاحق التجارة العالمية.
وأدى كل هذا إلى نقص في العملة الأجنبية، وامتلك المستوردون سببا للتوقف، وهو ما خلق بدوره عجزا في السلع والمنتجات من السيارات إلى السكر.
وبدأت الشركات تسرح موظفيها لأنها لم تعد تستورد المواد الخام المطلوبة لصنع منتجاتها.
وما زاد الأمور سوءا، هو توتر العلاقة بين مصر والمملكة السعودية ، المتبرع الرئيسي، حيث لم ترسل شحنات منتجات بترولية إلى القاهرة رغم دعمها للسيسي منذ صعوده إلى السلطة.
وأجبر ذلك مصر على الأخذ من احتياطيها الأجنبي القليل لشراء منتجات نفطية من مكان آخر.
وللتعامل مع المشكلة، أحكمت السلطات المصرية النطاق على شراء الدولار، وانعكس ذلك على المصريين بالخارج الذين وضعت لهم مصر حدودا للسحب، كما أن سلطات المطار ظلت على درجة تأهب قصوى لرصد أي محاولات نقل الأموال إلى الخارج.
القيود المذكورة دفعت المصريين المنتمين للطبقة المتوسطة إلى السوق السوداء لشراء الدولار خوفا من فقدان مدخراتهم كل قيمتها.
وبينما كان الدولار الأمريكي يتداول رسميا عند مستوى 8.8 جنيها، أخذت قيمة العملة المصرية تتراجع في السوق السوداء، حتى بلغ الدولار قيمة 19 جنيها في لحظة ما.
لكن البنك المركزي الخميس وضع سعرا استرشاديا للدولار بقيمة 13 جنيها استعدادا لبدء تحريره الأحد.
ويخشى المسؤولون من تأثير ذلك على الفقراء، الذين قد تتزايد حالتهم سوءا بمتطلبات خفض دعوم الطاقة، أحد الشروط الأخرى لصندوق النقد الدولي.
سلسلة من السلع الرئيسية المدعمة كالخبز والسكر والأرز وزيت الطهي قد ترتفع أسعارها جميعا.
ومع وصول التضخم إلى أعلى معدل له في 7 سنوات، علاوة على التأثير النفسي لملايين المصريين الذين استيقظوا ليجدوا رواتبهم ومدخراتهم انخفضت قيمتها رسميا، تخشى الحكومة من اندلاع اضطرابات.
رفعت حسين، محصل ضرائب، وقائد نقابي عمالي مستقل، يبلغ دخله الشهري 4000 جنيه قال: “هناك غضب شديد هنا، سينزل الناس إلى الشوارع، الأمور تذهب فقط إلى الأسوأ، لا أعرف ماذا يمكن أن أشتري الآن، الغلابة من يدفعون دائما ثمن هذه القرارات، لكن الجنيه لا يمثل شيئا بالنسبة للأثرياء".
وبالمقابل، حظيت خطوة البنك المركزي بترحيب العديد من الاقتصاديين وجماعات البيزنس، بحجة أن تعويم الجنيه لن يتسبب فقط في الحد من السوق السوداء لكنه سيدعم من الصادرات المصرية وقطاع السياحة، إذ ستصبح السلع والخدمات أرخص بالنسبة للأجانب.
وعلاوة على ذلك، قد يستأنف المصريون بالخارج تحويل أموالهم إلى وطنهم بعد فترة إحجام.
وربما من أجل اكتساب ثقة المستثمرين، تعهد البنك المركزي في بيانه أنه لن يسمح بالهيئات المشرفة عليه بإحداث أي تشويش في تطبيق النظام الجديد"، فيما يبدو أنها إشارة تحدي غريبة للرئيس السيسي الذي يمثل الهيئة المركزية المباشرة للبنك المركزي.
رابط النص الأصلي للمقال