حكايات من الشارع| مصريون مطحونون بسبب التضخم: قولنا مش هنجوع اتشردنا

مصريون يتزاحمون على سيارة حكومية توزع سكر

لم تعد الطوابير التي اعتاد عليها المصريون، تقتصر على الأحياء الفقيرة، ربما هي المرة الأولى التى يقف فيها سكان "الكمبوند" في طوابير بحثا عن السكر، أو خوفا من زيادة أسعار الوقود بعد قرار الحكومة بتعويم الجنيه.

 

ووصلت الطوبير أحياء القاهرة والمدن الراقية خصوصا بعد وصول سعر  الدولار  لـ16 جنيها مساء أمس الخميس وهو ما تسبب في فقدان الجنيه المصري قرابة 48% من قيمته، يتزامن ذلك مع وجود تصريحات حكومية تفيد بأن مزيدًا من الغلاء قادم لا محالة.

 

وأعلنت الحكومة المصرية مساء أمس الخميس زيادة أسعار اسطونات البوتجاز المخصصة للمنازل من ثمانية جنيهات إلى 15 جنيهًا، والتجارية من 16 جنيهًا إلى 30 جنيهًا.

 

وبلغت نسبة ارتفاع أسعار البنزين 47%، إذ ارتفع بنزين 80 لـ 2.35 جنيه للتر بدلًا من 01.6 جنيه بزيادة 46.9%، وبنزين 92 إلى 3.5 جنيه للتر بدلًا من 02.6 جنيه بزيادة 34.6%، والسولار إلى 2.35 جنيه للتر من 01.8 جنيه بزيادة 30.6%، مع ارتفاع غاز السيارات إلى 01.6 جنيه للمتر المكعب من 1.1 جنيه بزيادة 45.5%.

 

 

الأرقام الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزي للمحاسبات تقول إن قرابة من ثلث المصريين اندرجوا تحت خط الفقر، وارتفعت نسبة التضخم لتتعدى 16%، مع ثبات لمعدل الإجور، وانخفاض لمستوى المعيشة لدي قطاعات واسعة من المصريين أجبرتهم على التخلي عن بعض السلع التى كانوا يشتروها في أوقات سابقة.

 

محمد سعيد مهندس معماري، ويعمل بإحدى القطاعات الحكومية ويتقاضي 4 آلاف، يقول إنه تخلى عن معظم السلع التى كان يشتريها ﻷسرته المكونة من 4 أفراد.

 

ويضيف "كنت إذا دخلت مقهى قبل ذلك ووجدت شخص مكفهر الوجه أقول لنفسي "على أيه يعنى مش مستهلة" لكن الآن أجلس نفس الجلسة ويأتى الثلث الأخير من كل شهر وأنا انتظر الراتب الجديد لأسدد الديون التى اقترضتها من زملائي حتى أسد احتياجات أسرتى رغم أننى لم أكن مضطرا لذلك من قبل.

 

لكن سعيد ربما يكون أفضل حالا عن بقية المصريين الذين يقبعون تحت خط الفقر، وزدات الأزمات الداخلية من معاناتهم، فمحمود سالم 45 عاما ويمتلك ورشة لتصنيع المشغولات الجلدية النسائية بحي الحسين بالقاهرة الفاطمية، تغيرت أوضاعه 100% على حد وصفه.

 

يقول سالم لـ "مصر العربية" إن الزبائن الذين يتعاملون معه قلوا للنصف تحديدا بسبب ارتفاع أسعار المنتجات، والتى كانت نتاجا طبيعيا لزيادة أسعار المواد الخام، فزاد سعر المتر الواحد من الجلد 19 جنيها، وأصبح يشتريه ب60 جنيها بعدما كان 41، وعلبة " الأمير" زادت النصف من 100 لمائة وخمسين جنيها.

 

بلهجة ممزوجة بالمرارة يقول سالم :"كنا نقول في وقت سابق من بداية الأزمة إننا سنجوع مرة ونأكل أخرى لكن الآن أصبحنا مشردين، فأنا في رقبتى ولدين وزوجة، ويعمل بورشتى 8 عمال يتقاضى الواحد منهم 800 جنيه أسبوعيا ولم أعد أقدر على سداد كل هذه التكليف".

 

لكن مستلزمات بيت سالم أصبحت عبئا ثقيلا على الرجل الذى كان يقضي غالبية أيامه بلا عمل معتمدا على "الصنايعية" المتواجدين بالورشة، ويقول إنه لو جلس في البيت لن يجد ما سينفقه في اليوم التالي على منزله، وكل العطلات السنوية التى كان معتاد على الخروج فيها لبعض السواحل قرر إلغائها.

 

مصاريف أولاد سالم المنتسبين ﻹحدى المدارس الخاصة 30 جنيها يوميا، لجانب 50 أخرى مصاريف للمنزل، وبحسبة بسيطة يجرية الرجل تتكلف وجبة بها لحوم قرابة 150جنيه لأسرته المكونة من أربعة أفراد، 100 للحوم و50 لبعض الخضروات والأرز التى يمكن تناولها معها.

 

قبل أيام طلبت مدرسة اللغة الإنجليزية من ابنه الأكبر كتابين خارجيين رغم أن المدرسة خاصة، وبعدما ذهب لإحضارها من إحدى المكتبات من حي الأزهر لم يستطع، ﻷن سعر الواحد تجاوز الخمسون جنيها.

 

الأمر نفسه يحدث يوميا مع عادل محروس"كمسري" بهيئة النقل العام فراتب الرجل الذى يعمل منذ 23 عاما لا يتجاوز 1250جنيه أساسي، ومثلهم حوافز وبعض البدلات تنتهى كلها بجموع 2600جنيه، استطاع من خلالها مساعدة نجله الأكبر حتى تزوج ويبقي له بنت وولد لم يتزوجا حتى الآن.

 

اضطر محروس على التراجع عن شراء اللحوم من مرتين في الأسبوع لمرة أو مرتين كل أسبوعين حتى يتمكن من مواصلة الشهر براتبه.

 

وفي يوليو الماضي أعلن اللواء أبو بكر الجندي، رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ارتفاع معدلات الفقر في مصر من 26.3% عام "2012 ـ 2013" إلى 27.8% من السكان المصريين، وهم الذين لا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم الأساسية من الغذاء .

 

وكشف الجندي أن 57% من سكان ريف الوجه القبلي فقراء، مقابل 19.7% بريف الوجه البحري، و15% من سكان المحافظات الحضرية، فقراء وتصل أعلى مستويات للفقر في أسيوط وسوهاج، وسجلت 66% من السكان تليها محافظة قنا 58%، تبلغ نسبة الفقر في القاهرة 18%، وأقلها في بورسعيد6.7 %.

 

مصطفي كامل السيد: الأزمة الاقتصادية لن ترحم أحد وسنشهد احتجاجات قريبا

 

الدكتور مصطفي كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة يقول إن أكثر الفئات تضررا بالتغيرات الاقتصادية هم الطبقة المتوسطة التى تشتمل على الموظفين الحكومين وأصحاب الدخول الثابتة، والعمال، والفقراء ومحدودي الدخل.

 

ويفسر في حديثه " لمصر العربية" أن أصحاب الدخول الثابتة لا يستطيعون مواجهة الارتفاع الجنوني في الأسعار وتفاقم نسبة التضخم، خصوصا مع عدم انضباط الأسواق وعدم توافر السلع.

 

ويوضح أن الجميع سوف يتأثر بالأزمة الاقتصادية وربما سنشهد زيادة عدد العاطلين بسبب توقف بعض المصانع التى تعتمد على استيراد مواد خام من الخارج بسبب أزمة الدولار ونقص العملة الأجنية بحسبه.

 

ومن الناحية السياسية يشير السيد، إلى أن الأيام المقبلة ستشهد احتجاجات محلية لكنها لن تصل للثورة ﻷن التغيرات الاقتصادية حدثت تدريجيا وهناك قطاعات واسعة ربما لديها قبولا لتحمل هذه الضغوط.

 

د. مصطفي كامل السيد

 

الحكومة تتجبر على الفقراء

 

وفي الاتجاه نفسه يقول الخبير الاقتصادي زهدي الشامي، إن الضغوط ستزيد على الطبقات المتوسطة بسبب تجمع كل العوامل السلبية عليها وحدها فقانوني الخدمة المدنية والقيمة المضافة يقعون في الأساس عليهم، لجانب ارتفاع الأسعار وزيادة نسبة التضخم.

 

ويرجع الشامي الأزمة الاقتصادية الحالية لزيادة حجم الدين الداخلي وارتفاع سعر العملة الأجنية، وتراجع المخزون النقدي للدولار عموما، لجانب شروط قرض صندوق النقد الدولي التى تفرض اجراءات تقشفية.

 

ويضيف "لمصر العربية" أن التغيرات الاقتصادية الحالية ستعيد توزيع خريطة الدخول بمصر لصالح طبقات معينة، وهو ما يعنى أن الفترة المقبلة ستشهد انضمام ملايين المصريين للمندرجين تحت خط الفقر بسبب تدنى رواتبهم وارتفاع نسبة التضخم.

 

ويشير إلى أن الحكومة حتى الآن عاجزة عن تحميل الأغنياء بعض هذه الأعباء فلم تنجح في فرض ضريبة 5% على دخول رجال الأعمال، ولا اقرار الحد الأقصى للإجور، وفشلت في تمرير ضريبة البورصة العام الماضي.

 

لكن من الناحية الاجتماعية يفسر الدكتور سعيد صادق أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية بالقاهرة ما ستحدثه التغيرات الاقتصادية على المجتمع المصري وخصوصا الطبقة المتوسطة والفقيرة، بأن أول نتيجة للأزمة الاقتصادية هي زيادة معدلات الجريمة خصوصا السرقة وارتفاع عدد المتسولين بالشوراع، إضافة لنقص معدلات التغذية، ﻷن معظم الأسر ستتخلى عن بعض السلع التى تشتريها.

 

ويقول صادق لـ "مصر العربية" إن مستوى معيشة الأفراد سينخفض في مصر بشكل كبير فبعض الأسر ربما تعجز عن توفير مسلتزماتها من الأدوية مثلا، أو الاكتفاء بجزء منها وعدم القدرة على شراء الباقي.

 

ويؤكد أستاذ علم الاجتماع أن ارتفاع معدلات الفقر سيزيد من حالات الطلاق، وانخفاض نسب الزواج وزيادة معدلات العنوسة وارتفاع معدلات التسرب من التعليم فربما تضطر بعض الأسر لمنع بناتها من التعليم بسبب الأزمة.

 

د. سعيد صادق

 

وبحسب أستاذ الاجتماع فإن المناطق الريفية والفقيرة ستكون هي الأكثر تضررا، كما أن أصحاب المهن والموظفين "الأطباء والمهندسين والمعلمين" هم الأكثر تأثرا ﻷنهم كانوا في ذيل الطبقة المتوسطة وبالتالي غالبيتهم سيندرج ضمن الفقراء الفترة المقبلة.

 

ويشير صادق إلى أن تأثر الطبقة المتوسطة بالأوضاع الاقتصادية يؤثر سلبا على النظام السياسي القائم ﻷن معظم أبناء هذه الطبقة من المتعلمين وبالتالي سيئلبون الرأى العام ضد النظام وتتسع رقعة المعارضة ﻷن الطبقة المتوسطة أو ما يمكن تسميتهم بأولا " الزوات" هي من تصنع الثورات وليس الفقراء أو الأقل تعليما.

 

مقالات متعلقة