لماذا الإسلام دائماً مقروناً بالتطرف ؟!

أحمد بهجت صابر

ما أن يضرب إحدى المدن الأوروبية حادث إجرامي حتى تجد الجنون والشطط يصيب البعض هناك, وفوراً يُظهر كراهية غير مسبوقة تجاه الإسلام والمسلمين ويصفهم بالشمولية والانغلاق والتطرف وضرورة التعامل مع هذه القلة من الشباب المنحرف الذى لم يجد – فى معظمه – الظروف الملائمة للحياة الكريمة .

ففى حوار لصحيفة " الجارديان " البريطانية والذى يُعد الأول من نوعه قال رئيس جهاز المخابرات البريطانية الداخلية السيد آندرو باركر – نقله موقع هفنجتون بوست بنسخته العربية – بأن بلاده انشغلت بما أسماه التطرف " الإسلامى " عن خطر آخر متمثل فى روسيا, وأضاف حسبما نقل الموقع " إن تهديد التطرف الإسلامي خطرٌ طويل الأمد متوارث من جيل إلى جيل، وقسَّم المشكلة إلى ثلاثة أقسام: فهناك مشكلة كبيرة محلياً قوامها حوالي 3000 متطرف إرهابي في المملكة المتحدة، معظمهم بريطانيون، وثانياً هناك تنظيم داعش في مناطق الحرب بسوريا والعراق، الذي يحض على تنفيذ مخططات إرهابية ضد المملكة المتحدة، ثم ثالثاً هناك محاولة من تنظيم داعش لبث "أيديولوجيته السامة" والترويج لإرهابه على الإنترنت " !

لا أدرى لماذا أصر السيد باركر بتسمية التطرف بالإسلامى ؟! ومن خلال مقاربته هذه يمكننا أن نُطلق على ما أقدمت عليه بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية خلال عقد التسعينيات من القرن الماضى من تجويع للشعب العراقى وعام 2003 بغزوه, بالتطرف البريطانى المسيحى, ثم يا سيدى هناك إرهاب الدولة الذى يمارسه الكيان الصهيونى ضد الشعب الفلسطينى بصورة ممنهجة ويومية لإبادتهم وإخلاء الأرض من ساكنيها وأهلها وبالتالى يُمكننا أن نطلق على ذلك إرهاباً يهودياً استيطانياً, وعلى ما يبدو فإن المتطرفين بالغرب لا يريدون للعالم أن يتقدم إلى الأمام, فمن منظورى الشخصى مثلت المؤسسات والمواثيق الدولية – على الرغم من التحفظات العديدة عليها – نقلة نوعية فى تاريخ البشرية أكدت على احترام الخصوصيات والحقوق للشعوب والأفراد, وبالتالى فمع وجود مثل هذا النوع من التفكير الذى يمثله السيد باركر, لست أدرى لأى اتجاه تسير البشرية ؟

لكن على الرغم من هذه الأصوات المتشددة لن يخلو الغرب بالطبع من صوت العقل, ففى كتابه  " السيطرة على الإعلام " يسهب الكاتب الأمريكى المخضرم ناعوم تشومسكى فى حديثه عن الإرهاب وتعريفه حسب قانون الجيش الأمريكى ونماذجه ومنه على سبيل المثال ما حدث بالولايات المتحدة فى 11 سبتمبر 2001, مع ذلك يورد تصريح رئيس هيئة الأركان البريطانى الأدميرال سير مايكل بويس بعد أقل من شهر على الواقعة بقوله للناس فى أفغانستان بأن الولايات المتحدة وبريطانيا ستواصلان هجماتهما ضدهم حتى يقوموا بتغيير قيادتهم, ثم يعلق تشومسكى على ذلك " عليك أن تلحظ كيف أن هذا مثالاً للإرهاب الدولى وفقاً للكتاب – كما يقول التعبير الشائع -, وهو كذلك أيضاً وفق التعريف الرسمى للإرهاب ..." يعنى ما قامت به كلتا الدولتين .

الأكثر غرابة ما ذكره الباحث بالعلوم السياسية جمال نصار فى ورقة له على موقع مركز الجزيرة للدراسات بعنوان " ظاهرة الإرهاب .. محدداته وحقيقة المواجهة والتناقضات الدولية " حيث قال " أصبح من المعتاد أن يُقحم الإسلام فى النقاش والجدل بطريقة أو بأخرى كلما وقع عمل إرهابى فى أى مكان فى العالم, أو فلنقل : فى معظم الأعمال الإرهابية لكى نكون أكثر دقة . يحدث هذا الأمر حتى ولو لم يكن الفاعل مسلماً, لأن أصابع الاتهام والشكوك باتت توجه بطريقة تلقائية نحو المسلمين, حتى قبل أن تتضح هوية الجانى وتُعرف دوافعه ", هكذا دون أى تقص للحقائق أو عملية تحقيق نزيهة, هكذا دون أن يعلم الغرب أن جزءاً مما تعانيه الشعوب المقهورة سبب رئيسي لدفع الشباب اليائس لحمل السلاح انتقاماً من مجتمع هو بالأساس ضحية مثله .

وإذا كان نصار فى ورقته قد توقع فشل التحالف الدولى بقيادة الولايات المتحدة من القضاء على ظاهرة " الإرهاب " لأن المعالجات – من وجهة نظره - خاطئة ولا تتعامل مع جذور المشكلة , وبالتالى سيؤدى للمساهمة فى تفتيت المنطقة العربية واستنزاف قدراتها وإمكانياتها بحجة " محاربة الإرهاب ", فعلى الغرب ومتطرفيه أن يعلموا بأن العمليات الترويعية الإجرامية لم تكن أبداً نتيجة لتعاليم الإسلام أو أفعال المسلمين الذين أضاءوا الدنيا نوراً وعلماً فى وقت كانت فيه شوارع أوروبا مظلمة ومليئة بدماء الكاثوليك والبروتستانت ضحايا العنف والعنف المضاد أو ربما ضحايا " التطرف المسيحى الأوروبى " .

مقالات متعلقة