لا يغيب عن كل ذي عقل إذا ما أعطى لنفسه مساحة من التفكير، ولو بسيطة، أن قرار البنك المركزي بتحرير سعر صرف الجنيه سيثقل كاهل المواطن بأعباء إضافية؛ لأنه ورغم التأكد من أن معظم السلع التي يتم استيرادها قبل يومين بدولار تخطى 18 جنيهًا عبر تدبيره من السوق السوداء لخلو الخزائن الرسمية منه، إلا أنَّ المتحكمين في السوق سيغالون أكثر في بضائعهم بعد رفع الجنيه رسميًا بدعوى تدبيره بسعر أعلى.
كما لا يخفى عن كل مُتعقِّل تنفيذ أجندة صندوق النقد الدولي بحذافيرها، والذي اعتقدنا للحظات أنّه استطاع أن ينكد على الحكومة الحالية بشرطه ضرورة تدبير مصر 6 مليارات دولار من مؤسسات دولية، ليسمح سيادته بالموافقة على القرض الذي تم تصديعنا به ليل نهار..
ولا يستطيع أن ينكر أحد أيضًا أن "صندوق على بابا" قطع شوطًا كبيرًا بخفض قيمة الجنيه بنحو 48% أمام "الأخضر" حتة واحدة، بعد تسريب معلومات قبل يوم عن انهيار الدولار اتسم بعضها بالشائعات أحدثت ارتباكًا في سوق الصرف تمهيدًا للقرااااار الحكييييم، الذي أفقد الموظفين نصف قيمة رواتبهم تقريبًا، وإن تربّح من خلاله قليلون.
بوادر تبعات القرار بدأت تطفو على الساحة بداية من الإعلان عن الارتفاع التدريجي لأسعار السجائر والذي زعم كثير من شُرّابها بإشهار توبته عبر الإقلاع عنها، أو تحويل الدفة نحو كرسي المعسل والذي من دون شك سيلحق بقرينته السيجارة، علاوة على ظهور أنباء عن تحريك أسعار المحروقات وعلى رأسها البنزين، ومن ثم كل ما يتعلق أو يترتب عليه بدءًا من أجرة الميكروباص ومرورًا بالتوك توك، وليس انتهاءً بتذكرة مترو الأنفاق، وإن تأخرت قليلاً، فضلاً عن إعلان شركات الأدوية نيتها مطالبة المسؤولين برفع سعر الدواء، عندها يفكر المواطن مرات عدة قبل أن يفشي سر مرضه، أو يذهب للطبيب.
تبقى إشادة عديدين من المتحكمين في تغليب المصريين على أمورهم بالقرار، وربما صاحبهم الحق في ذلك، شرط أن تستطيع البنوك توفير العملة الأمريكية، وإحكام الرقابة على شركات الصرافة بحيث لا تدعها ترفع السعر الموازي فتعيد الكرّة، بالإضافة إلى زيادة الإنتاج والاستغناء عن السلع غير الأساسية حتى تسترد السوق عافيتها عبر فتح قنوات تدر دخلاً، كتنشيط السياحة وزيادة موارد قناة السويس وجذب مستثمرين حقيقيين يخلقون فرص عمل.. ما لم يحدث ذلك تكون الحكومة عوّمت الجنيه وأغرقت المواطن.