كعرائس ماريونت تلاعبت الدولة بملاك أراضي مدينة القادسية بطريق "القاهرة – الإسماعيلية" الصحراوي، فما بين الوعود والتعهدات والتحذيرات، مضي الوقت سريعا ليفيق ملاك القطع الصغيرة، على جرافات الحكومة تزيل منازلهم وتهدر حلم عاشوا على أمل تحقيقه لأكثر من عشرين عاماً، فيما رفعت الشركات يدها عنهم بعد أن تأكد لها أن قرار تأميم مدينة القادسية وضمها لحوزة الدولة "أوامر عليا".
"مصر العربية" ترصد في السطور القادمة، القصة الكاملة لأزمة أراضي مدينة القادسية، والتي تحولت من حلم لأكثر من نصف مليون مواطن لإقامة مسكن عائلي بسيط، إلي كارثة كبرى تهدد حياتهم ومستقبلهم، بقرار جمهورية لم يراعِ البعد الإنساني للملاك، كما لم يحترم الملكيات الخاصة .
البداية
تبلغ مساحة مدينة القادسية حوالي 6805 فدان والتي اشترتها شركة القادسية للإصلاح والتنمية الزراعية، من الهيئة العامة للتعمير والتنمية الزراعية التابعة لوزارة الزراعة بعقود رسمية مسجله تحت أرقام: 17304 لسنة 2003 شهر عقاري الزقازيق، والعقد 624 والعقد السكني 864 وهو القرار المعروف بالمرحلة الأولي بعمق 3 كم من طريق الاسماعيلية الصحراوي.
وزارة الزراعة التي باعت الأراضي للشركة في 1988 باعتبارها صالحة للاستصلاح الزراعي، أخفت التقارير المثبتة في جلسة الهيئة رقم 116 لسنة 1988 والتي تؤكد أن الأرض غير صالحة للزراعة نظرا لارتفاع نسبة الملوحة في خزان المياه الجوفي الموجود بالمنطقة، والذي ستزيد ملوحة مياهه مع الوقت.
منتصف عام 1997 صدر قرار رئاسي رقم 77 إلي محافظ القاهرة لتحويل المنطقة الواقعة يسار طريق الاسماعيلية الصحراوي إلى النشاط السكني بدلا من النشاط الزراعي لعدم امكانية ذلك لملوحة المياه الشديدة، وبموافقة عدة جهات هي "وزارة الدفاع وهيئة عمليات القوات المسلحة، وهيئة التنمية الزراعية، وهيئة الآثار المصرية، ووزارة الصناعة والثروة المعدنية"، إلا أن القرار لم يتم تنفيذه دون سبب واضح آنذاك.
في عام 2009 أصدر الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك القرار الجمهوري رقم 66 ، والذي ضم فيه مدن القادسية والطلائع والأمل لجهاز مدينة العبور وبمساحة 16409 أفدنة، وبعمق 3 كم من طريق القاهرة – الإسماعيلية الصحراوي والمعروفة حاليا بالقرية السكنية الأولى، والمسجلة بالعقد رقم 864 لسنة 2003 ، وخاض ملاك الأراضي رحلة تقنين أوضاع أراضيهم وتغيير النشاط، على الرغم من أن قرار تغيير النشاط من زراعي إلي سكني كان قرارا صادرا بالفعل عن الدولة، إلا أن أجهزتها تخاذلت عن إتمام عملية تغيير النشاط مع الملاك.
بشائر التقنين
في عام 2012، قررت هيئة التعمير والتنمية الزراعية، تقنين أوضاع الملاك وتحويل النشاط من زراعي إلي سكني مقابل 357 جنيها عن المتر، وهو رسم مبالغ فيه، ما دفع الملاك للطعن عليه أمام مجلس الدولة، خاصة وأن الأرض المقابلة لمدينة القادسية والمعروفة بمشروع “ستيلا مصر الجديدة” المملوكة لرجل الأعمال أيوب عدلي أيوب، تم تقنينها بسعر 27 جنيها للمتر.
المبلغ ذاته المقرر لتقنين أراضي القادسية، ارتفع إلى 500 جنيه للمتر في عهد رئاسة إبراهيم محلب للحكومة، وصدر قرار هيئة المفوضين بمخالفة قرار التسعير للقانون ولنص المادة 5 من القانون رقم 7 لسنة 1991 والخاص بالأراضي الصحراوية، مطالبة بعرض الأمر على رئيس الجمهورية.
لجنة استرداد أراضي الدولة
بعد تأسيس لجنة استرداد وتقنين الأراضي برئاسة المهندس ابراهيم محلب، تقدمت شركات تقسيم الأراضي في مدينة القادسية بطلبات لتغيير النشاط، وترفيق وتخطيط المنطقة، وبعد جلسات واجتماعات، وتقديم اوراق ملكية من المواطنين، رفعت اللجنة بشكل مفاجئ يدها عن الملف بالكامل مؤخرا بحسب تصريحات أحمد أيوب المتحدث باسم لجنة استرداد الأراضي.
القرار القاتل
بعد تهرب لجنة محلب من حل الأزمة، فوجئ ملاك الأراضي، بصدور القرار الجمهوري رقم 233 لسنة 2016 بتاريخ 28 مايو 2016 ، وينص على ضم مساحة 2 كم على جانبي الطريق الدائري الإقليمي إلي ملكية وزارة الدفاع، وهي مساحة يمتلك أراضيها وبشكل رسمي مئات المواطنين.
إزالة المباني
بعد صدور القرار الجمهوري، بدأت جرافات تابعة للقوات المسلحة في إزالة المباني الموجودة على مسافة 2 كم من الطريق الدائري الإقليمي، وعندما احتج الملاك على حملات الإزالة، تم إبلاغهم أن ما يحدث "أوامر عليا .. وأن الدولة ستصادر الأراضي المشمولة في القرار الجمهوري".
أصوات الملاك تعالت ضد هجمة الدولة عليهم، مطالبين بعدم إهدار القانون، والحفاظ على الملكيات الخاصة للمواطنين، والتي تمت مع مؤسسات رسمية في الدولة، إلا أن محاولاتهم لم يكن لها صدى سوى تصريح المهندس مصطفي مدبولي وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية الجديدة، والتي أكد فيها أن: "الملكيات الخاصة مصونة.. ولن يتم إزالة منازل المواطنين".
استمرار الحملات
وبالتزامن مع تطمينات الحكومة بقرب حل المشكلة، تواصلت حملات إزالة المنازل بالقادسية، وسط انتشار كثيف لأفراد الأمن، حتى فوجئوا صبيحة أحد الأيام بإعلان وزير الإسكان سيطرة الدولة على أراضي مدينة العبور الجديدة، التي أنشئت بموجب القرار الجمهوري رقم 249 لسنة 2016، ووضع اللافتات على قطع أراض متعددة، تؤكد ولايتها لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة.
حدود العبور الجديدة
أعلن المهندس مصطفى مدبولي وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، حدود مدينة العبور الجديدة، والتي تبدأ من الكيلو 15 حتى الكيلو 25، وبعمق 18.50 كم يمين طريق (القاهرة – بلبيس) الصحراوي، ومن الكيلو 26 حتى الكيلو 48 بطريق (مصر – الإسماعيلية)، وتبلغ المساحة الإجمالية لمدينة العبور الجديدة 58.9144 ألف فدان كتلة عمرانية (مناطق سكنية ـ خدمية ـ زراعية ـ ترفيهية..)، مع احتفاظ القوات المسلحة بملكية 6 مواقع داخل المدينة، بمساحة 13.7698 ألف فدان، ليصبح إجمالي المساحة المتبقية والتي آلت ملكيتها للهيئة، هي 45.1446 ألف فدان”.
مدبولي، أكد أن المدينة تنقسم إلى: مساحة 16.672 فدان، أراض زراعية، تحت ولاية “الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية”، والتي يتم التنسيق معها حاليا لاستلام كافة المستندات الموجودة بحيازتها، وذلك خلال 3 أشهر من تاريخ صدور القرار، إضافة إلى مساحة 16.649 فدان أراض زراعية، تحت ولاية “هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة”، والتي سبق استلام الملفات الخاصة بها، من “الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية”، طبقا لقرار رئيس الجمهورية رقم 66 لسنة 2009، مشيرا إلى أن الوزارة بدأت أعمال التنمية من خلال تنفيذ عدة مشروعات على قطاعات مختلفة.
أخر التطورات
الآن.. يواجه ملاك الأراضي الحكومة بمفردهم، بعد أن تراجعت الشركات عن مقدمة الصفوف، ليقينها الكامل بأن الأمر انتهي، وأن الدولة لن تترك بقعة مميزة كهذة دون إقامة مشروعات استثمارية كبرى عليها، خاصة وأنها تواجه مشروع "البروج" الإماراتي ، والمركز الطبي العالمي ، وكمبوند "ستيلا مصر الجديدة".