الإجراءات الرسمية الغاشمة ضد المواطن الوحيد

عبده إبراهيم

استيقظت فزعًا على بكاء صغيرتي غير المعهود، وبعد عدة محاولات لم أصل إلى سبب لبكاء ذات الأربع سنوات إلا حينما سعيت إلى الولوج إلى شبكة الإنترنت عسى أن أجد لها فيلمًا يلائم مزاجها الصباحي الغريب، وما أن فعلت حتى هالني ما وجدت من أخبار عن إجراءات حكومية دبرت بليل وكانت سببًا لجزع صغيرتي التي لم تطلع عليها، ولكن يبدو أن لديها حاسة سادسة بشأن مستقبلها.

كانت الجهات الرسمية ولا يمكن أن نجزم أنها الحكومة (فهو أمر قد يكون أعلى من اختصاصاتها) قد اتخذت قرارًا بتحرير (تعويم) العملة الرسمية بإجراءات مخادعة بقصد التمويه وهو أمر لم ينطلِ على أحد بما في ذلك وسائل الإعلام التي روجت لها (أي أنهم كانوا يعلمون حقيقة الأمر ولكنهم آلوا على أنفسهم أن يضطلعوا بالدور الرئيسي في خداع المواطن "الوحيد".

لم تكتفِ تلك الجهات ولا إعلاميها بذلك وإنما عاجلوا المواطن بعدة ضربات متلاحقة شملت رفع أسعار العديد من السلع والخدمات استهدافا لتنفيذ أجندات دولية جلبا لقرض الإفقار الدولي  والذي لن يؤثر على حياة المواطن "الوحيد" فحسب، ولكن سيشمل جيل الصغيرة ذات السنوات الأربع وقد لا يكتفى بذلك، بامتداده إلى أجيال أخرى لاحقة لها.

إن القول بالمواطن الوحيد في مواجهة سياسات الدولة الغاشمة لهو أمر مقصود لدى الكاتب (رغم وجود حالات تعمل لاستعادة الجماعية ولكن الغالب هو التفرقة والانسحاب والاستضعاف) نظرًا للأوضاع السياسية والقانونية والاجتماعية والاقتصادية والاعلامية وحتى الحقوقية (والأصل فيها التضامن) التي باتت تحيط بهذا المواطن، وتعزله في مواجهة الجهات الرسمية التي يبدو أنها حريصة على بلوغ هذه النتيجة وعملت لها منذ وقت مبكر وبطريقة ماكرة بحق لا تشبه تلك التي اتبعتها في تعويم الجنيه.

فعلى المستوى السياسي غابت المبادرات الحقيقية، والجهات الفاعلة، والأحزاب القوية، والمنظمات النشطة، وحتى القيادات الكفؤة (لأسباب متعددة تحتاج لمقال منفصل)؛ حيث غلبت المصالح الشخصية والمبادرات الخادمة للسلطة دون قيد أو شرط والعمل في ركاب الأجهزة الرسمية ابتغاء لمصلحة شخصية ضيقة جدا قد لا تكون ملموسة للشخص نفسه من مقدار ضآلتها.

في حين يعاني المستوى القانوني من غياب مقصود لجهات تحقيقه على وضعه السليم فمجلس النواب الذي أقر مئات القوانين في عدة أيام قد يكون الكثير منها لم يحظَ بفرصة للاطلاع عليها، ناهيك عن سلوك القائمين على تطبيقه والتي لا تحتاج إلى تعليق نظرا لشيوعها على العلن ما بين الأحكام المجحفة أو المتناقضة أو الملغية أو استمرار تجديد وحبس المتهمين خارج إطار الدستور، أما القائمين على تنفيذه فخرقهم للقانون أصبح السمة الغالبة لهم، وأصبح المواطن "الوحيد" مجردا من مؤسساته المنوط بها حمايته وتمكينه من الخضوع للقانون تشريعا وتطبيقا وتنفيذا على الوضع الملائم والصحيح.

 وعلى المستوى الاجتماعي تعيش البلاد وضعا اجتماعيا صعبا في ظل انتشار الاستقطاب وانعكاس ذلك على المجالات والمستويات الأخرى فصار كل منا يرى أنه المتخصص وأنه الوحيد الملم بدقائق الموضوع وتشعبات القضية وتفاصيلها ولم يعد أحد يتقبل الرأي الآخر بيسر وبما يلائمه وإنما صارت وسائل التواصل الاجتماعي منصات للصراع وتصعيد الخلافات وليس مجرد طريقة للحوار والتفاعل بمدنية مع القضايا المختلفة.

وأما عن المستوى الاقتصادي فلا يحتاج منا لتعليق، انطلاقا من أن ملاحظة التدهور الاقتصادي لا تخفى على أحد في ظل إجراءات الجهات الرسمية التي استهدفت الاضرار بالدخول (المرتبات) وبالمدخرات ورفع أسعار السلع والخدمات وإلغاء الدعم.

يأتى المستوى الإعلامي والذي يعاني من حالة سيولة مفجعة ليس من المنتظر أن تنتهي قريبًا في ظل غياب الرأي الآخر وغلبة المصالح الخاصة وشخصنة القضايا العامة حتى أن أحد أساطين المهنة (مكرم محمد أحمد) في حوار صحفي مطلع نوفمبر الجاري في صحيفة المصري اليوم يجد أن ما حدث في 3 يوليو أنقذ مصر من كارثة مستدلا على ذلك بقوله "انه كان وعائلته معرضون للسجن"، ناهيك عن سلوك وسائل الإعلام المختلفة في معالجة القضايا الاقتصادية الأخيرة مسلك مفضوح من الجهل والتسطيح والخداع للمواطن واستغلاله في الحصول على مدخرات حياته وقوت أبنائه  .

يعاني المستوى الحقوق هو الآخر ما تعانيه المستويات الأخرى خصوصا في ظل تجفيف السلطة لموارده وإغلاق مجاله العام وتهديد نشطائه وقياداته بطرق مختلفة إضافة لصور أخرى من المعاناة من جانب المواطنين والنشطاء أنفسهم تحتاج لتفصيل أكثر. 

يقول المستشار طارق البشري أن "الحاكم يظل فردا ما دام الناس أفرادا" أي يملكون إرادتهم، ويعبرون عن آرائهم، ويدافعون عن حقوقهم، ويعرفون واجباتهم، في هذه الحالة يستطيعون أن يجعلوا الحاكم فردا فقط وليس مستبدا، يستطيعون أن يحمون الحاكم من نفسه ومن حواريه ومن المحيطين به وأن يجبرونه على ألا يسحق إرادتهم ، ويحمونه كذلك من ألا ينسحق لاملاءات دولية أو ضغوط جماعات وظيفية أو ابتزاز إعلامي أو استغلال اقتصادي.

 

مقالات متعلقة