صدر حديثًا عن مؤسسة شمس للنشر والإعلام؛ كتاب "الصابئة المندائيون بين الإنصاف والإجحاف" للعالم والمفكر الدكتور بشير عبد الواحد يوسف. ويقع الكتاب في 520 صفحة من القطع الكبير، ويتضمن عشرة فصول رئيسة، وقدَّمه "ستار جبار حلو" رئيس طائفة الصابئة المندائين في العالم. ويستعرض الكتاب بإسهاب آراء وكتابات الكثير من المؤرخين والباحثين من الأولين والمستشرقين والمعاصرين بشأن طائفة الصابئة المندائيين أحد أقدم الطوائف الدينية في التاريخ البشري والتي نشأت في بلاد ما بين النهرين "أرض شنعار" عندما ازدهرت الحضارة السومرية في أور، والحضارة البابلية في بابل، والحضارة الأكدية في أكد. ويقول الدكتور بشير عبد الواحد، "لم يدوِّن الصابئة المندائيون تاريخهم، ولم يفسِّروا فكرهم وانغلقوا على أنفسهم عبر مراحل طويلة من الزمن، ومع ذلك تعرضوا لحملات من المجازر والاضطهاد والتشريد؛ مما جعلهم أقوامًا مهاجرة تطلب الأمان والمحافظة على حياتهم ودينهم، وهناك فترات لا تُقاس بعمر الزمن استقروا فيها فأبدعوا في مجالات الصناعة والعلم والأدب، وكان من أشهر أعلامهم: أبو إسحاق الصابي، والعالم ثابت بن قرة، والعالم البتاني، والعالم الدكتور عبد الجبار عبد الله السام. وأوضح أنها فيما مضى من الزمن لم ينقلوا تعاليم كتبهم الدينية من اللغة الآرامية المندائية إلى اللغة العربية واللغات الحية الأخرى، وتكتَّم رجال الدين على هذه الكتب وأخفوها عن العامة والخاصة، رغم إدعائهم أنهم غرس التوحيد الأول، وأنهم أهل الفكر والمعرفة والتوحيد الأول والإيمان. وأشار إلى أنه في العصر الحديث ترجمت عدد من الكتب المندائية إلى العربية والإنجليزية وبعض اللغات الأخرى، وفي مقدمتها كتابهم المقدس "الكنزا ربا" "الكنز العظيم"، وتعاليم نبيهم يحيى بن زكريا "يوحنا المعمدان"، وأصبح من الميسور على الباحث حاليًا أن يطَّلع على أسفار هؤلاء القوم. ولفت إلى أهم أسباب عدم تدوين التاريخ المندائي، وهم: عدم اهتمامهم بالحياة المادية، واهتمامهم بالروحانيات باعتبار هذه الحياة فانية، وانزواؤهم ردحًا من الزمن في أعماق الأهوار، كما أن كتبهم الدينية كُتِبت باللغة المندائية الآرامية الشرقية التي لا يجيدها إلا عدد من رجال الدين، وعدد محدود جدًا من المعنيين بالشأن المندائي، وصعوبة مفاهيم الدين وطقوسه وشعائره، مما تسبب في عزوف كثير من المثقفين والمهتمين عن التأليف والترجمة والبحث. وتابع "هذا بالإضافة إلى عدم إنصاف المؤرخين الأوائل، وعدم حيادهم وسطحية معالجاتهم، فالكثير من المؤرخين والباحثين وخاصةً الأوائل نقل بعضهم عن بعض فمنهم مَن أصاب ومنهم مَن خاب، منهم من أنصفهم ، ومَنهم من أجحف في حقهم". وينتقد الكتاب المجحفين بسبب دوافع طائفية مقيتة؛ أو لأنهم ينظرون إلى غيرهم بازدراء، فيبالغون بالحقد والأنانية وهم يعرفون حق المعرفة أنهم على باطل؛ ولهذا يركز الكتاب على المنصفين، ويهمل كلام المجحفين الذين خانتهم الأمانة العلمية ومبدأ الحياد والدقة.