العراق بعد داعش..  معارك جديدة في الأفق

اكتشاف أنفاق في العراق كان تنظيم داعش يستخدمها

 أثارت حملة تحرير الموصل من أيدي تنظيم داعش الذي نصب نفسه باسم الدولة الإسلامية، تساؤلات حول ما سيكون عليه العراق بمجرد هزيمة داعش.  ولا يتوقع المراقبون أن يقلل طرد مقاتلي التنظيم من العراق، من عدد  الجماعات المسلحة في البلاد أو يحد من احتمالات العنف هناك. وبدلا من أن يكون زوال داعش مقدمة لنهاية الاضطرابات في العراق الحالي، يمكن أن يكون له تأثير عكسي، يخلق فرصا لصراع عنيف في المناطق التي تخلت عنها الجماعة المتشددة.  

وتورد مجلة فورين أفيرز في تحليل نشرته مؤخرا عدة أسباب ترجح هذا الرأي؛ أولها أن ظهور داعش أدى إلى تفاقم المظالم القديمة بين الجماعات المختلفة، التي تعيش تحت سيطرتها، في محاولة منها للتلاعب بهذه الجماعات ضد بعضها البعض.  ويتمثل السبب الثاني في الزيادة الحادة في كمية الأسلحة والدعم الخارجي الذي تلقته الجماعات المسلحة في العراق خلال السنوات الأخيرة، الذي يهدف جزء كبير منه إلى إعداد هذه الجماعات للقتال ضد داعش.  وحتى مع تنافس إيران وتركيا، وغيرهما من اللاعبين الإقليميين على النفوذ في عراق ما بعد داعش، سيكون على بغداد مواجهة زيادة التوتر على المستوى المحلي، سواء بين الطوائف العرقية والدينية المختلفة أو داخل الجماعات الخاصة التي تشكلها.

 

منقسم ومحتل  

 وتستمر حدة التوترات بين الطوائف العرقية والدينية في العراق، وتتزايد بشكل خاص في المناطق المتنازع عليها في الأجزاء الشمالية من محافظة ديالى، والأجزاء الشرقية من محافظة نينوى، وفي مدينة كركوك، التي سيطر عليهاالمقاتلون الأكراد بعد انسحاب الجيش العراقي أمام داعش في صيف 2014.  

وفي الأسابيع الأخيرة، تعرضت كركوك مرة أخرى لهجوم مقاتلي داعش بغرض تشتيت تركيز القوات العراقية عنالهجوم على مدينة الموصل.

 

وأوضح الشيخ برهان العاصي، العضو العربي في مجلس محافظة كركوك، أن المسلحين الأكراد، بعد هجوم من هذا النوع في أكتوبر، استخدموا مكبرات الصوت في مساجد عدة أحياء كردية لمطالبة  المشردين العرب المحليين بمغادرة المدينة، في دلالة على أن المقاتلين الأكراد اعتبروا أن العرب لديهم صلات مع داعش.

 

 ولم يكن عرب  المنطقة راضين عن امتداد النفوذ الكردي الذي شهدته السنوات القليلة الماضية. و يتركز هذا النفوذ على القبائل في الغالب ولم ينتظم بعد في ميليشيات. لكن هذا قد يتغير بسهولة بمجرد تحرير الأراضي التي تسيطر عليهاداعش، ما يشجع جماعات أخرى على المنافسة من أجل السيطرة، وبالتالي توليد المزيد من العنف.

 

ومع زيادة حدة التوترات بين الأكراد والعرب، هناك أيضا الخلافات القديمة بين العرب؛ شيعة و سنة. وكانتالمشاحنات قائمة قبل ظهور داعش؛ ثم تفاقمت في الأماكن التي هزمت فيها.

 

 ومثال على ذلك، بلدة سليمان بيك بالقرب من الحدود بين محافظتي ديالا وصلاح الدين التي استعادها المقاتلون الأكراد العراقيون والميليشيات الشيعية، من داعش في النصف الثاني من 2014.

 

 وبعد ما يقرب من عامين على تحرير المنطقة، مازالت الجماعات الشيعية المسلحة تمنع المدنيين السنة الذين فروا من القتال، من العودة إلى منازلهم، مما يتركهم في أوضاع سيئة داخل مخيمات أقيمت للنازحين داخليا.

 

 

 ويعتبرعجز الحكومة المحلية انعكاسا لديناميكية أوسع نطاقا في العراق:،أتاح اعتماد بغداد على الميليشيات الشيعيةفرصة أمام الجماعات للوصول الى السلطة.

 

     وامتد الانقسام بين الشيعة والسنة إلى المجتمعات التركمانية، كذلك. وتمثل بلدة تلعفر أحد الأمثلة على ذلك. فعندما استولت داعش على تلعفر في يونيو 2014، فر العديد من التركمان الشيعة، وانضم كثير من التركمان السنة إلى الجماعة المسلحة و قاموا بنهب المدينة وبيع ممتلكات بعض الشيعة الذين فروا.

 

 ومازالت تلعفر تحت سيطرة داعش؛وعندما تتحرر في نهاية المطاف، يمكن أن تخرج التوترات بين الشيعة والسنة التركمان الى العلن.

 

مأزق في كردستان

 

  على الرغم من أن الحرب ضد داعش، وحدت الجماعات الكردية المختلفة في الشرق الأوسط ضد عدو مشترك، لم تتمكن من القضاء على الخصومات الداخلية فيما بينها. ويتضح هذا بشكل خاص في سنجار، حيث زادت حدة المنافسة بين الجماعات المرتبطة بحزب العمال الكردستاني، وتلك المرتبطة بالحزب الديمقراطي الكردستاني، المهيمن في حكومة إقليم كردستان، منذ طرد داعش من المنطقة في نوفمبر 2015.

 

وكان حزب العمال الكردستاني من أوائل الجماعات التي تصدت لتحركات داعش في العراق، و لجرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبتها الجماعة الإرهابية ضد اليزيديين في المنطقة المحيطةسنجار ، وهو ما أتاح له تكريس حضوره في المنطقة.

 

وقبل الحرب مع داعش، كانت المنطقة المحيطة بسنجار محل نزاع : حيث يهيمن عليها الحزب الديمقراطي الكردستاني،وفي نفس الوقت  لاتستطيع الجماعات التابعة لحزب العمال  أن تتخلى عنها، لأنها توفر نقطة اتصال حيوية بين العراق والجماعات المتحالفة مع حزب العمال الكردستاني في أاضي الأكراد في سوريا. 

 

ومع تعزيز قوة حزب العمال الكردستاني في أعقاب عملية سنجار، زاد احتمال اشتعال المنافسة بينه وبين الحزب الديمقراطي الكردستاني. وشرع كلا  الجانبين في تكديس الأسلحة، و في الأشهر الأخيرة، تبادلا عددا من التصريحات السياسية الحادة.

 

واستقطبت الخلافات الداخلية بين الأكراد العراقيين أيضا الطائفة اليزيدية، التي لم تنتظم عسكريا قبل الحرب مع داعش. واليوم، هناك وجود لليزيديين العراقيين في عدد من الجماعات المسلحة: قوات حماية سنجار الموالية لحزب العمال الكردستاني، ووحدات المقاومة السنجاري، والوحدات اليزيدية في البيشمركة الموالية للحزب الديمقراطي الكردستاني وقوات تعبئة شينجال، وهدفها الرئيسي الاستقلال سياسي.

 

وأخيرا، هناك منافسة بين اثنين من الأحزاب السياسية الرئيسية في كردستان العراق؛ الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني. 

 

ويرجع التوتر بينهما بشكل خاص إلى أن كل حزب منهما يتحكم في فصائل داخل البيشمركة، ولأنهما قد يميلان للتنافس على السلطة في الأراضي التي تم الاستحواذ عليها مؤخرا. وهناك بالفعل دلائل على أن هذه المنافسة قادمة لا محالة.

 

 ففي سبتمبر، على سبيل المثال، توصلت حكومة إقليم كردستان التي يسيطر عليها الحزب الديمقراطي الكردستاني الى اتفاق مع الحكومة الاتحادية العراقية بشأن بيع النفط المستخرج حول كركوك. لكن قادة الاتحاد الوطني الكردستاني لم يقبلوا الصفقة: فأرسلوا رسالة إلى رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي تطالب بغداد بمناقشة مثل هذه القضايا معهم بدلا من أعضاء الحزب الديمقراطي الكردستاني.

  الاقتتال الداخلي وعدم الاستقرار.

 

     ويبقى العرب السنة المجتمع الأقل تنظيما  في العراق، لكن هذا قد يتغير بمجرد هزيمة داعش، التي تضم العديد من العراقيين السنة. وكما هو الحال مع أكراد العراق اليوم، يمكن أن يؤد يذلك إلى اقتتال داخلي في المستقبل القريب.

 

   وتتواجد في الموصل الفعل عدة جماعات مسلحة سنية. وحاليا، تعمل هذه الجماعات  معا ضد عدو مشترك. ولكن  لأنهاتتلقى دعما من مصادر مختلفة (فعفى سبيل المثال، تدعم الحكومة العراقية الحشد العشائري، في حين ترعى تركيا كتائب الموصل)،  فمن المحتمل أن تتنافس على السلطة بمجرد هزيمة داعش.

 

    كما تزيد الرغبة في الانتقام من المتعاونين مع داعش والمتعاطفين معها، من فرص الاقتتال الداخلي بين العرب السنة في العراق. فقد انضم بعض العرب السنة إلى داعش، وحاربوا أفراد القبائل السنية التي لا ينتمون إليها. وفي مثل هذه الحالات،يمكن أن تواصل القبائل المتضررة  الصراعات واسعة النطاق مع القبائل التي تتصور انها شاركت في الهجوم عليها. 

 

وتشيرحالة  قببيلتي أل عبيد و آل بيات، في قرية بالقرب من بلدة الحويجة، إلى هذا الاحتمال. ففي أواخر عام 2014، انضم مراهق من قبيلة بيات إلى داعش، وتم إرساله لقتل شرطي عراقي سابق تصادف أنه ينتمي إلى قبيلة آل عبيد. و فرت عائلة المراهق بأكملها من القرية عندما بدأت القوات العراقية تطارد المسلحين في المنطقة، خشية أن تسعى قبيلة الشرطي السابق للثأر من قاتله بعد تحرير القرية. وهناك نزاعات أخرى عديدة وإن كانت صغيرة من شأنها أن تنشأ بين العرب السنة، مثل الخلافات حول ملكية العقارات على أساس سندات الملكية الصادرة من داعش. و هذه، أيضا، يمكن أن تؤدي إلى العنف إذا لم تتم تسويتها بشكل صحيح.

 

أما بالنسبة للعرب الشيعة في العراق، على غرار العرب السنة في الموصل، فهم ممثلون في مجموعة متنوعة من الجماعات المسلحة التي تتلقى الدعم من مصادر مختلفة، وعلى رأسها إيران والحكومة العراقية. وقد نتج بالفعل العنف عن الصراع فيما بينها العنف في الأراضي المحررة من داعش. ففي يونيو، على سبيل المثال، تقاتل أعضاء من منظمة بدر وعصائب أهل الحق، وكلاهما من الجماعات المسلحة الشيعية،  لمدة يوم تقريبا، في مدينة طوز خورماتو، مما أسفر عن عدد من الجرحى. وقد اندلع العنف عندما اختطفت جماعة عصائب أهل الحق عضوا في منظمة بدر، ولم يتوقف إلا بعد انسحاب جماعة عصائب أهل الحق من المنطقة.

 

ولا يبدو من المتوقع أن يبني العراق  جيشا قويا وموحدا لحل هذه المشكلات، ويرجع ذلك جزئيا إلى اعتماد بغداد على الميليشيات الشيعية. وطالما بقيت الحكومة المركزية العراقية عاجزة عن فرض النظام من تلقاء نفسها، سوف تظل البلاد تحت سيطرة الجماعات المسلحة. وهو أمر يثير القلق.

 

 استمرار ظهور جماعات مسلحة جديدة في العراق، سيجعل من الصعب جلب الفصائل المتنافسة في البلاد الى طاولة المفاوضات للتوصل إلى حلول سياسية لمشاكلها.

مقالات متعلقة