سكان المقابر .. سقطوا من حسابات الحكومات وتذكرهم (نابليون)

صورة أرشيفية لسكان المقابر

 

ليسوا من سكان العشوائيات.. أجبرت الحياة كثير منهم أن يعيشوا فى ضيافة الموتى سنون طوال .. يستغيثون ولكن سرعان ما يعود صدى استغاثاتهم لهم مجدداً، تنهال عليهم الوعود بتحقيق أقصى حلم لهم بتوفير مأوى، ولكن تظل أحلامهم حبيسة أدراج المسئولين تآبى أن ترى النور.. ما جعل البعض منهم يجد راحته في صحبة الموتى وحضرتهم أكثر من وجوده بين بنى البشر.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

السؤال الصعب ..

بدأ الموضوع  بتساؤل مفتوح عم إذا كان سكان القبور ضمن خطة الحكومة ..أم لا؟ خاصة وأننا نسمع عن عمليات توفير مساكن لقاطنى  العشوائيات، ما بين الاعلان عن تسكين 500 أسرة والوعد ببناء 63 ألف وحدة سكنية مع نهاية 2017 بتكلفة 9 مليار جنيهاً .. يستفيد منها سكان العشوائيات .. إذاً  أين سكان المقابر من بين كل هذه الأرقام؟!..

 

بداية القصة..

قبل  الدخول في لُب الموضوع ربما يطرأ على اذهاننا تساؤل ما الذى دفع هؤلاء الأحياء إلى المكوث لسنوات في صحبة الموتى .. بدأت القصة بنحو 10 آلاف مواطن قطنوا منطقة وسط البلد، الكثير منهم عانى الفقر ولم يكن لهم مآوى، فلجأ إلى سكن المقابر، حسبما روى لنا الحسين حسان- مؤسس حملة مين بيحب مصر المهتمة بقضية تسكين سكان المقابر، واستكمل قائلاً: نابليون بونابرت  هو الوحيد الذى أصدر مرسوماً طالب فيه بإخلاء سكان المقابر أماكنهم، لافتاً إلى أن الحكومات المتعاقبة منذ عهد نابليون وحتى الآن لم تهتم بقضية سكان المقابر رغم تزايد أعدادهم اليوم تلو الآخر..  

 

نعود لتساؤلنا.. هل سكان المقابر فى خطة الحكومة أم لا .. وكم يبلغ عددهم؟

 

بداية الرحلة

ربما علينا فى البداية التوجه لوزارة الإسكان  باعتبارها الجهة المنوطة بتسكين المواطنين، وبسؤال  هبه النحاس، بالمكتب الاعلامى لصندوق تطوير العشوائيات، عن أعداد سكان المقابر ومن تم تسكينهم منهم كان الرد : سكان المقابر ليست للوزارة صلة بهم وان تبعيتهم تؤول للمحافظة، لافته إلى  أنهم لا يندرجوا تحت فئة سكان العشوائيات، ولمزيد من التأكد طلبت التواصل  مع هانى يونس، المستشار الاعلامى للوزارة، الذى رفض التصريح بمجرد سماع كلمة سكان مقابر معللا ًعدم حملى لكارنيه نقابة الصحفيين وانه لولا اصرارى على مقابلته لما ترك اجتماعه مع الوزير ، - علماً بأننى حضرت لمكتبه بناء على موعد مسبق  هو من حدده- . اعدت طرح سؤالى عليه  قبل مغادرتى مكتبه فأكد  أنه ليس للوزارة أي صلة بسكان المقابر وليس لديها إحصائية عنهم ولا علاقة لها بعملية تسكينهم، وانهم لا يندرجوا تحت فئة سكان العشوائيات، انهم يتبعوا المحافظة.

هانى يونس - المتحدث باسم وزارة الاسكان

 

البحث عن رقم في أدراج الحكومة

تواصلنا مع وزراة التنمية المحلية  على اعتبار أن آى  محافظة تعمل تحت تلك الوزارة؛ فبالتالى سيكون من السهل الحصول على اجمالى العدد منها ..  جاءنى الرد أنها المرة الأولى التي يسألهم شخص عن عدد سكان المقابر وأنه لا يوجد رقم .. وابلغونى اننى سأجد ما أريد داخل كل محافظة.

 

"ودنك منين يا جحا"..  مثل ظل يتردد في  أذنى بعد رد وزارة التنمية المحلية.. وجدت أنه لا مفر من التحدث إلى المحافظات بدأت بالتواصل مع نائب محافظ الجيزة، اللواء علاء الهراس، ورد قائلاً: "اتحدى أن يكون هناك سكان مقابر في محافظة الجيزة".

 

أما نائب محافظة القاهرة للمنطقة الغربية، اللواء محمد أيمن عبد التواب، فأخبرنى أنه يشرف فقط على مقابر المنطقة الغربية ولا يوجد بها سوى عدد قليل جدا من سكان المقابر.. وليس لديه اجابة على تساؤلى، لافتاً أن سكان المقابر يريدون بقاء الوضع على ما هو عليه.. قائلاً: "لو حد منهم كان عايز يسكن يجى يقدم طلب"..وحينما أخبرته بأن فكرة تسكينهم خارج المقابر لا يجب أن تخضع لأهواء البعض منهم، نظراً لأن كثير من المسجلين خطر والمجرمين يلجأ إلى التواجد بين سكان المقابر و يتخذ من تواجده في تلك الأماكن باباً خلفيا ً لتجارة المخدرات، وسرقة جثث الموتى ..

 فكان رده .. "في إدارة اسمها الجبانات في المحافظة دى هتلاقى فيها كل المعلومات اللى تخص موضوعك".

دوخينى يا لمونة

في حين نفى محمد طه، مدير إدارة الجبانات بمحافظة القاهرة، تبعية سكان المقابر لادارته،   توجهت بعدها  للمستشار الاعلامى بالمحافظة استقبلنى بود لكن بقي السؤال قائم من لديه المعلومة عن أعداد سكان المقابر وعملية تسكينهم.. علمت أنه لا يوجد برنامج مخصص لسكان المقابر، ومن يخضع منهم لعملية التسكين يكون تحت بنود أخرى  ..

الجهة الأم .. بعافية

عاودت الاتصال بوزارة التنمية المحلية ولكن تلك المرة تواصلت مع  المهندس محمد السيد أبو عاجور .. واعترف بتبعية المقابر للمحافظات وبالتالي لهم ، ولكنه أوضح ان أرقامهم عنهم يحصلوا عليها من التعبئة والاحصاء وهو المعتد من جانب الدولة ، وطلب منى ان احصل على قاعدة البيانات عنهم من المحافظات فبادلته الرد ولماذا وانتم الجهة الأم التي من المفترض أن تصب به جميع البيانات فأجاب: "الجهة الأم تعبانة شوية".

المحطة الأخيرة

اخيراً توصلنا إلى إحصائية تعتمد عليها الدولة يعود عمرها لنحو 11 عاماً، بالجهاز المركزى للتعبئة والاحصاء، فوفقاً لطبيعة عمل الجهاز فإنه يقوم بعمل إحصاءات كل 10 سنوات لذا فإن اخر إحصائية لسكان المقابر  كانت عام 2006 وقدرت اعدادهم بـ 10 آلاف 465 فرداً – 2763 أسرة.

البحث خارج أدراج الحكومة..

 

" مصر الدولة الوحيدة التي بها سكان مقابر".. هكذا استكمل مؤسس حملة مين بيحب مصر حديثه إلينا قائلاً : " لا يوجد  دولة غيرها بها سكان مقابر سوى لبنان والعدد هناك ضئيل للغاية ولهم ظروفهم كونهم لاجئين.. ولفت إلى أن عدد سكان المقابر فى مصر  بلغ نحو 5 مليون ..وفقاً لحصر قام به منسقين تابعين للحملة بمختلف محافظات الجمهورية -على حد قوله-.

الحسين حسان - مؤسس حملة مين بيحب مصر

 

واستكمل حسان؛ لدينا 730 منطقة مقابر في مصر، أكثر من 23 في الإسكندرية،  وأعلى كثافة بالقاهرة ثم الجيزة والإسكندرية، وأكد انه خاطب محافظين ووزراء التنمية المحلية ولكن لا حياة لمن تنادى، متحدياً أن يكون هناك اى مسئول قام بزيارة لآى منطقة يقطنها سكان مقابر لتفقد أوضاعهم .

مؤكداً أنهم  يحتاجون  إلى اليد  الممدوة من أصغر مسئول بالدولة إلى رئيس الجمهورية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

وابدى  الحسين دهشته من ترخيص الدولة لاماكنهم باعتبارها مدافن، وتعطى لهم بطاقات هوية تفيد أنهم يقطنون في مدافن، موضحاً أن هذا مخالفة للقانون.. وأكد أن تجاهل الدولة لسكان المقابر جعل منها مرتعاً لمعتادى الاجرام، وتساءل قائلاً: لدينا 50 الف منظمة مجتمع مدنى أين دورهم في حل مشاكل هؤلاء مطالباً أن يكون ملف سكان المقابر قضية دولة وليس جهة واحدة على السواء.

"احنا محتاجين جمعيات للرفق بالانسان مش الحيوان" .. بتلك العبارة اختتم الحسين حديثه معانا.

وفى السياق ذاته؛ يرى د.حمدى عرفة– خبير التنمية المحلية، أن أزمة سكان القبور ليست وليدة اللحظة، موضحاً أن عددهم منذ 120 عام كان 14 ألف مواطن وفى عام 1946 بلغ أكثر من 40 ألف، وقبل حكم مبارك تخطوا ما لا يقل عن 300 ألف.

 

" كل مقبرة بها ما لا يقل عن 500 إلى 1000 مدفن.. عدد القاطنين في كل مقبرة تتراوح بين 2000 أو 2500 فرد " .. هكذا استكمل د.حمدى حديثه، مؤكداً أنه لم يتم تسكين آياً منهم.

د.حمدى عرفة مع أحد سكان المقابر

 

 وابدى استياءه من عدم توافر احصائيات حديثة في جميع الأجهزة التنفيذية بالإدارات المحلية، مؤكداً أنه لن يتوافر حل للمشكلة في ظل غياب قاعدة البيانات.

 

وأكد كلاهما الحسين وعرفه؛ أن سكان المقابر غير مدرجين على اجندة سكان العشوائيات، وهم فئة منسية، ولفت الحسينى أن هناك فتيات يخفين على من ترتبط بهم أنهم يقطنوا بالمقابر، أما عرفه فأشار إلى أن حرمة المكان انتهكت فهناك من يفتح التلفاز فوق القبر فضلا عن ورش السيارات وغيرها.

وبتواصلنا بأحد سكان المقابر الذى رفض ذكر اسمه؛ اشار إلى انه يقطن واسرته المقابر نظراً لعدم قدرته المادية على شراء شقه، وكشف أن المدفن الذى يقطن به يحوى عصابات تتاجر فى عظام الموتى لطلبة كليات الطب.. قائلاً: "احنا مش قدهم ومنقدرش نتكلم"..

وأكد انه تقدم بطلبات للحصول على شقة ولكن لا يعرف مصيرها.

 

"إن كنت من محدوى الدخل فلن تحصل على شقة من الاسكان إلا بعد دفع مقدم 9 آلاف جنيه، على أن يتم دفع قيمة معينة كل شهر ليصل المبلغ النهائى لـ 154 ألف جنيهاً".. هكذا استكمل  عرفة حديثه، لافتاً إلى أن سكان المقابر ليس لديهم القدرة على دفع هذا المبلغ، وأشار إلى أنه طالب بانشاء وزارة التطوير الحضرى  ، وابراهيم محلب هو الوحيد الذى استجاب له، ولكن خبير التنمية يرى أن هناك العديد من علامات الاستفهام من إلغاء شريف اسماعيل لها..

 

شاهد الفيديو ..

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات متعلقة